قضايا العرب

تفعيل التعاون العسكري بين مصر والصومال: تحديات وتهديدات!هل من مستقبل لمفاوضات أنقرة؟

القاهرة - محمد بصل

المشاركة

مع اقتراب الموعد المحدد للجولة الثالثة المفاوضات الإثيوبية الصومالية برعاية ووساطة تركية بأنقرة في 17 أيلول/سبتمبر المقبل حول تبعات الاتفاق الإثيوبي مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية "صوماليلاند"، دخل بروتوكول التعاون العسكري بين مصر والصومال حيز التنفيذ، بحيث نقلت وسائل إعلام وحسابات صومالية في الساعات الماضية صورًا حيّة لوصول طائرة شحن عسكرية مصرية لمطار في مقديشيو وذكرت أنها محمّلة بمعدات عسكرية ولوجيستية.

تفعيل التعاون العسكري بين مصر والصومال: تحديات وتهديدات!
هل من مستقبل لمفاوضات أنقرة؟

وقّعت مصر والصومال بروتوكول التعاون العسكري رسميًا في 14 أغسطس/آب خلال زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة، التقى خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولم يتم الإعلان عن تفاصيلها خاصة من الجانب المصري الذي ظل متكتمًا عليها منذ أن تمت مناقشتها لأول مرة في يناير/كانون الثاني الماضي في أعقاب إعلان اتفاق إثيوبيا مع "صوماليلاند".

لكنّ بيانًا صادرًا عن حكومة الصومال في 20 يوليو/تموز الماضي كان قد سبق في الإعلان عن توقيع الاتفاق، مشيرًا إلى أنه "يسهم في تحسين القدرات الأمنية والدفاعية لمقديشيو ويمكّنها من الاستزادة بدعم في مجالات التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية".

وتدل هذه الصياغة على إمكانية تزويد الصومال بالأسلحة والذخائر واحتمالية التواجد العسكري المصري لأغراض التدريب ورفع الكفاءة ودعم قدرات الصومال الأمنية في مواجهة التحديات المختلفة، لكن لم يتضح ما إذا كان الاتفاق يشمل تمكين مصر من استخدام أراضي الصومال عسكريًا لصد التهديدات المحتملة على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

يبدو المشهد مفعمًا بالتحدي بين القاهرة وأديس أبابا، بعدما انزعجت الأولى من اتفاق "صوماليلاند" الذي يسمح لإثيوبيا بالوصول إلى خليج عدن بقاعدة عسكرية وتجارية تصل مساحتها إلى 20 كيلومترًا، بينما تواصل تهديد مقومات الحياة في مصر بالمضي قدمًا في خطة ملء وتشغيل سد النهضة.

إلا أنّ تصريحات محلية أدلى بها السفير الصومالي الجديد في القاهرة علي عبدي أواري، الأربعاء الماضي، لمنصة "آرلادي"، فرضت مزيدًا من التساؤلات حول المشهد، حيث قال إنّ البروتوكول العسكري مع مصر ليس موجّهًا نحو الإثيوبيين، بل "لدعم قدرة الصومال للقضاء على حركة الشباب الإسلامية المتطرّفة"، وهذا الهدف منطقي بالنظر إلى انتهاء عمل قوات حفظ السلام الأفريقية التي خصصت لمساعدة الصومال ضد "الشباب" نهاية العام الجاري، حيث أصرت مقديشيو على الاستعانة بقوات مصرية وجيبوتية بدلًا من الكتيبة الإثيوبية التي كانت تمثّل العماد الأساسي للقوات الأفريقية قبل أن تعود إلى أديس أبابا منتصف آب/أغسطس الجاري.

لكن تصريحات السفير الصومالي يمكن تفسيرها أيضًا بمحاولة لـ"تبريد الموقف" قبل أيام من استئناف مفاوضات أنقرة، لا سيما بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي برهانو جولا عقب الإعلان عن البروتوكول المصري الصومالي، والتي ذكر فيها أنّ "بلاده بذلت جهدًا تاريخيًا في محاربة حركة الشباب وأقامت علاقات أخوية مع الشعب الصومالي بينما كانت بعض البلدان غائبة قبل أن تعود الآن وتظهر كمدافعة عن مصالح الصومال" في إشارة لا ينقصها الوضوح إلى مصر.

وبالتالي تجد الدولة الصومالية نفسها محاطة بالعديد من التهديدات والأطماع التي فرضت عليها التعاون مع قوى غير منسجمة تمامًا وذات أهداف متباينة. فهي تستضيف منذ 2017 أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج الأناضول، وفي شباط/فبراير الماضي وقّعت اتفاقية تعاون دفاعي وتنسيق اقتصادي مع تركيا لمدة 10 سنوات تشمل – كما الاتفاق مع مصر - رفع كفاءة الشرطة والجيش والبحرية الصومالية.

وفي المقابل تعيش علاقة تركيا بإثيوبيا فترة مزدهرة خاصة بعد دعم أنقرة لأديس أبابا في حرب التجراي (2020-2022) ومساعدتها في حسمها بواسطة الأسلحة الحديثة وعلى رأسها الطائرات المسيّرة "بيرقدار".

تتكامل تلك العوامل لتصبح تركيا مؤهلة للوساطة بين الصومال وإثيوبيا، ولكن يبدو أنّ ذلك يجري في مسار منفصل تمامًا عن التقارب بين السيسي ونظيره التركي رجب طيب اردوغان، الأمر الذي يفرض على مصر والدول العربية المتأثرة بتغيّرات منطقة القرن الأفريقي، أن تدرس باهتمام مختلف المقترحات المطروحة في مفاوضات أنقرة، إذ إنّ بعضها قد يؤدي إلى النتائج السلبية نفسها التي تقلق القاهرة تحديدًا.

فالمقترح التركي الأبرز حتى الآن هو أن تضمن الصومال منفذًا بحريًا لإثيوبيا بعيدًا عن أرض "صوماليلاند"، مقابل سحب أديس أبابا اعترافها بالجمهورية الانفصالية، مما يعني المضي قدمًا في إعادة تخطيط منطقة القرن الأفريقي وشرق القارة بصورة تفيد تركيا التي ستكون الضامن الأول لتدشين هذا الوضع المقترح، وتعضد موقف إثيوبيا عسكريًا واقتصاديًا في منطقة تمثّل عمقًا استرايجيًا وعنق زجاجة لمضيق باب المندب ثم قناة السويس.

وربما لا يلبي هذا المقترح رغبة آبي أحمد في تدشين صورة بلاده كدولة كبرى ذات عمق جغرافي كبير وتواجد ساحلي مهم، إذ ليس من المتصوّر أن تتمتع داخل الصومال الأم بالمزايا نفسها التي ستتمتع بها في "صوماليلاند"، لكن مع تواجد تركيا – التي لها أكثر من 200 مشروع حاليًا في إثيوبيا - ودول أخرى بالمنطقة يمكن للدولة الحبيسة إبرام صفقات استثمارية مفيدة على أراضيها لتحقيق نهضة اقتصادية كبرى، يكون "سد النهضة" حجر الزاوية لها.

وتتوقع أديس أبابا أن ينتج "سد النهضة" عندما يعمل بكامل طاقته خمسة آلاف ميجاوات، وهو ضعف الإنتاج الإجمالي الحالي للكهرباء في البلاد أي أنّ السد بما سيوفره من طاقة سيكفل حل مشاكل الكهرباء في إثيوبيا وسيجعلها ملائمة لاستضافة الصناعات الثقيلة والمتوسطة.

لكن قراءة مواقف إثيوبيا السابقة من القضايا الإقليمية تجعل من المستبعد قبولها المقترح التركي بشكله الحالي، وكما استنزفت نحو عشر سنوات من المفاوضات حول "سد النهضة" يمكن أن تهدر مزيدًا من الوقت وهي تسعى لترسيخ وضعها في "صوماليلاند".

واتهمت الحكومة الصومالية إثيوبيا رسميًا في مجلس الأمن بالعمل على نشر الأسلحة في أيدي القبائل المتناحرة بمناطق مختلفة، بل وتعزيز "حركة الشباب" ذاتها، الأمر الذي تنفيه أديس أبابا في بياناتها الرسمية.

وعلى الطرف الآخر لا تقف الصومال في وضع يتيح لها خيارات كثيرة إزاء المقترح التركي، فهي تعي خطورة منح إثيوبيا إطلالة بحرية على مستقبل المنطقة، كما تدرك أنّ هشاشة الوضع الميداني في مناطق الأورومو والأمهرة يؤدي إلى انتهاك سيادتها باستمرار عبر التواجد العسكري الإثيوبي المكثّف في إقليم أوجادين مما يضاعف الأخطار الاستراتيجية والسياسية.

لكن الإرادة الصومالية تبقى تحت ضغوط الترغيب والمساومة، في ظل تراجع اهتمام الولايات المتحدة والقوى الكبرى بالأزمة وتشجيعها ضمنيًا للتدخل التركي.. وأيضًا اقتصار المقاربات العربية على التحرك المصري الأخير!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن