تحتضن قازان عاصمة تتارستان في روسيا، القمة السادسة عشرة لمجموعة البريكس بداية من 22 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحضور لافت لأربع دول جديدة، هي: الإمارات، ومصر، وإثيوبيا وإيران، إضافة إلى السعودية التي يُنتظر أن تحسم خيارها بشأن عضوية المجموعة.
يتساءل الكثير من المراقبين على الساحة الدولية، عن الجديد الذي يمكن أن تضيفه هذه القمة، لاسيما أن روسيا البلد المستضيف، تشهد تحديات أمنية كبرى نتيجة استمرار الحرب في أوكرانيا، ومن ثم فإنه وعلى الرغم من أن مكان القمة جرى اختياره بعناية ليكون بعيداً عن مسرح العمليات العسكرية، فإن موسكو، التي بدأت تظهر عليها علامات الإجهاد السياسي والاقتصادي والعسكري، لا تملك خيارات كثيرة لتقدمها لضيوفها، وستحاول أن تستفيد، قدر الإمكان، من احتضانها للقمة، من أجل الحصول على مكاسب سياسية في سياق مواجهتها المفتوحة مع الغرب، وذلك في انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي ستكون لها تأثيرات، بلا شك، في مجريات الحرب بأوكرانيا، فضلاً عن قضايا أخرى في العالم.
تشير التقارير المرتبطة بأجواء قمة قازان إلى أن هناك نوعاً من الاتفاق لدى الدول المؤسسة لمجموعة "البريكس" بالتريث في قبول أعضاء جدد في الوقت الحالي، وذلك على الرغم من وجود طلبات عضوية كثيرة، من أبرزها طلب تركيا، العضو البارز في حلف "الناتو"، وفنزويلا وتايلاند وماليزيا، ضمن قائمة طويلة تشمل قرابة 59 دولة، وإلى جانب هذه الدول التي تطمح إلى الانضمام للمجموعة، هناك دول رفضت دعوة العضوية، وأخرى ما زالت لم تحسم أمرها.
ومن المنتظر أن تعمل دول المجموعة في اجتماعها على رفع حجم مبادلاتها الاقتصادية التي من المتوقع أن تصل مع نهاية العام الجاري، إلى أكثر من 500 مليار دولار، كما ستسعى إلى البحث عن أفضل السبل لتطوير نظام دفع مالي مستقل عن الهيمنة الغربية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدو مرتاحة لفكرة تمدّد "البريكس" نحو حديقتها الخلفية، خاصة في أمريكا الجنوبية.
لقد تم تأسيس مجموعة "البريكس" عام 2006 من قبل الدول الأربع الأولى المشكلة لهذه التسمية في اجتماع انعقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أن تلتحق جنوب إفريقيا بالمجموعة بعد عام من انعقاد أول قمة للبريكس في روسيا، والغريب في الأمر أن التسمية نفسها الخاصة بهذا الكيان الاقتصادي كانت من إبداع الغرب، وكأن التحالف الغربي لا يصنع فقط الأحداث المشكّلة لأهم انتصاراته، بل ويُسهم أيضاً في إنشاء الفضاءات والكيانات الافتراضية التي يمكن لخصومه الانضمام إليها.
من الواضح أيضاً أن المجموعة باتت تشكل منصة مفضلة للكثير من القوى الصاعدة من أجل تسيير خلافاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، مثلما يحدث بشكل لافت للنظر بالنسبة لفنزويلا وتركيا، إذ إن أنقرة تحاول أن تتعامل مع المجموعة، وكأنها رقعة شطرنج تستعرض من خلالها جملة من الخيارات التي من شأنها تقوية مواقفها المتعلقة بالتعامل مع حلفائها في "الناتو" ومع خصومها في الاتحاد الأوروبي، وهي وضعية لا تنسجم بشكل دقيق مع التوجهات الجيوسياسية للدول المؤسسة للبريكس، بيد أن ذلك لا يبدو أنه يزعج روسيا التي وجهت دعوة للرئيس التركي لحضور قمة قازان، وأعلنت استعداد دول "البريكس" لدراسة ملف انضمام تركيا إلى المجموعة، لتثبت بذلك الدول الفاعلة في المجموعة، أنها قادرة على اللعب على مختلف السجلات الجيوسياسية.
ويذهب الخبراء إلى أن أهم رهان تسعى مجموعة "البريكس" إلى كسبه، تحديداً الصين وروسيا، يتمثل في التخلص من هيمنة الدولار، وتشجيع الدول الأعضاء على مضاعفة مبادلاتها باستعمال عملاتها الوطنية، بخاصة أن قمة جنوب إفريقيا الماضية وجّهت دعوة الانضمام إلى دول بترولية كبرى لتشجيعها على التخلي تدريجياً عن العملة الأمريكية، ويبدو هذا الرهان غير واقعي بالنسبة للمراقبين، لأنه وباستثناء موسكو وبكين، فإن دول المجموعة الأخرى، وفي مقدمتها الهند، ترفع شعار الانحياز المتعدّد، ولا تريد الدخول في عداوة مباشرة مع الدول الغربية، كما أن القسم الأكبر من دول "البريكس" تتعامل مع هذه المجموعة بوصفها تكتلاً اقتصادياً بسبب تعارض المصالح الجيوسياسية للدول الأعضاء على غرار ما هو حاصل بين الصين والهند أو بين مصر وإثيوبيا.
نستطيع أن نخلص إلى أن الكثير مما قيل ويقال عن "البريكس"، يشكل عوداً على بدء لتحليلات تراكمت طوال عقدين من الزمن، وتستمد مشروعيتها من البلاغة السائدة في دول الجنوب الطامحة إلى التخلص من الهيمنة الغربية، لذلك فإن الكاتب والباحث الفرنسي فريدريك أنسيل يشير إلى أن مفهوم "البريكس" يبدو مفيداً من الناحية النظرية لتحليل ما يحدث في العلاقات الدولية، وهو أمر محفّز للتفكير، ويكون مفيداً بقدر ما يستند إلى خطاطات صلبة، لكن الوقائع تؤكد أن دولاً من خارج "البريكس" تحقق معدلات نمو أفضل من بعض دول المجموعة.
انطلاقاً من ذلك، فإن هناك من يذهب إلى القول بأن الصين وروسيا توظفان تحالف "البريكس" لتحسين شروط التفاوض مع الغرب وقد لا تكونان، بالضرورة، معنيتين بالدفاع عن مصالح باقي أعضاء المجموعة، فضلاً عن ذلك، فإن دولاً مثل الهند لا تريد أن تستبدل هيمنة معسكر بمعسكر آخر.
(الخليج الإماراتية)