نجد اليوم ما يُعرف بالجامعة الافتراضية (Virtual University)، التي استخدمت تقنيات الاتصال البعيدة منذ بداياتها في أوائل الثمانينيات الماضية، خصوصًا تقنية "لوحات المودم"... وتوجد حاليًا العديد من النماذج العالمية للجامعة الافتراضية، تتّبع طرقًا متشابهة تقنيًا وعمليًا في التعليم الإلكتروني، من حيث الاشتراك، والتواصل معها علميًا وإداريًا، سواء بصورة متزامنة في الوقت نفسه بين المتعلمين والمعلمين، أو بصورة غير متزامنة حسب الاختيار، وذلك اعتمادًا على تقنيات الحاسوب وملحقاته والاتصالات الشبكية والوصلات التشعبية وبرامج الاستعراض، ومن خلال إجراءات وآليات معينة تُحدَّد للمشتركين من مختلف الأعمار.. بالإضافة إلى الشركات التدريبية الكثيرة التي تقدّم دوراتها عن بُعد، في مختلف المجالات، وبشكل مكثف.
ومن ثم ازداد مؤخرًا حجم سوق التعليم والتعلّم الإلكتروني عالميًا بشكل لافت، وبعدة مسميات كالتعليم على الخط، المباشر (on line)، والتعليم عن بُعد (distance)، والتعليم الرقمي، والافتراضي.
النمو المتزايد للتعليم الإلكتروني يؤكد أنّ التعلّم لم يعد مقصورًا على الأساليب القديمة
في سنة 2021، تخطى السوق العالمي للتعليم الإلكتروني حاجز الـ315 مليار دولار أمريكي، وبلغ وصوله المفتوح عبر الإنترنت إلى 220 مليون متعلم. ويُتوقع أن تصل قيمة سوقه العالمي إلى ما يقرب من 400 مليار دولار بحلول عام 2026. وتتوقع بيانات أخرى ارتفاع معدل نموه السنوي المركّب بنسبة 20% خلال الفترة 2022-2028؛ وبحلول عام 2032 يُتوقع أن تبلغ قيمة سوقه أكثر من تريليون دولار.
أما في أفريقيا والشرق الأوسط، فمن المتوقع أن ينمو سوق التعلّم الإلكتروني من 15.43 مليار دولار سنة 2022 إلى 23.18 مليار دولار بحلول سنة 2028. ومن المتوقع أيضًا أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركّب قدره 7.0% خلال الفترة (2022-2028).
ويعزى نمو هذا السوق في أفريقيا والشرق الأوسط إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي في قطاع التعليم، لزيادة اعتماد منصات التعلّم الإلكتروني. ويذكر أنّ عددًا من أبرز الشركات العالمية الرائدة في مجال التعلّم الرقمي تعمل في أفريقيا والشرق الأوسط، مثل "أدوبي سيستمز إنكوربوريتيد"، و"سيسكو سيستمز"، وغيرهما.
الإحصائيات المذكورة، تؤكد النمو المتزايد للتعليم الإلكتروني على المستويين العالمي والمحلي، وبخاصة أثناء وبعد جائحة كورونا. كما يؤكد هذا النمو أنّ التعلّم لم يعد مقصورًا على الأساليب القديمة؛ بل إنّ معظمه يمكن أن يحدث الآن عبر الإنترنت. وهذا ما يجعل التعلّم الإلكتروني، هو المستقبل، يفرضه التطور التكنولوجي العالمي، والحاجة الماسة المستمرة لاكتساب المعرفة وتطوير المهارات، والتحول الرقمي للمجتمعات البشرية. لقد أصبح أقوى فعاليةً، وأسهل استخدامًا بفضل أدوات عرض البيانات بصريًا، وإدارة المهام المختلفة والوقت، ما يوضح إمكانيات ازدهار هذا القطاع في المستقبل.. إلى جانب ما تؤكده تطوراته الأخيرة خلال العام الماضي 2023، وبخاصة في خمسة مجالات بارزة.
أولها: الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد أوامر بسيطة للهواتف الذكية ونحوها، بل أصبح الآن مهمًا في التعلّم الإلكتروني، قادرًا على توجيه المستخدمين خلال عملية التعلّم الخاصة بهم، ويمنح حرية التخصيص والاختيار، والمساعدة الكبيرة في البحث عن المعلومات الدقيقة في شتى الموضوعات، ويمكن لمستخدميه في التعلّم تسخير قوة برمجياته الذكية للنجاح والتميّز العلمي.
ثانيها: التعلّم المتنقل (Mobile learning)، حيث لا تختلف اليوم استخدامات الهواتف الذكية في مجال التعلّم الإلكتروني عن غيره من المجالات والاستخدامات اليومية. إذ يمكن تحسين مستوى تلقي الدروس التعليمية والدورات التدريبية عن طريق الأجهزة المحمولة، ويمكن فتح الدرس أو الدورة لمجموعة واسعة من الأفراد.
ثالثها: التعلّم الجزئي (Micro learning)، إذ أصبح بالإمكان الآن تقسيم الفصول الدراسية التي تبلغ مدتها ساعة واحدة أو أكثر إلى دروس صغيرة مدتها بضع دقائق، لتحقيق أكبر فائدة ممكنة للمستفيدين باستغلال الوقت المناسب للتعلّم، والاستيعاب الميسر.
رابعها: الواقع المعزز (Augmented reality)، حيث يعزز مشاركة الطلاب والمتدربين من خلال السماح لهم بالتفاعل بشكل أكثر مرونة مع المواد التعليمية والتدريبية، في بيئة افتراضية مناسبة تمثّل الواقع الملموس، بدلًا من مجرد تلقي المواد التعليمية شفهيًا. إحدى الفوائد الرئيسية بهذه التقنية الفائقة، هي أنها تحسّن بشكل كبير الاحتفاظ بالمعرفة، واستيعابها، بصورة أفضل في مواقف العالم الحقيقي.
أسهمت الاتجاهات التقنية في رفع مستويات التعلّم الإلكتروني لجعله المستقبل التعليمي والتدريبي والتأهيلي
وخامسها: التلعيب (Gamification)، وهو استخدام مكونات تشبه اللعبة (game) في خطة التعلّم الإلكتروني لتحسين مشاركة المتعلّم. إذ يمكن دمج أسلوب اللعب في إستراتيجية التعليم والتدريب لزيادة التفاعل؛ مثل تقديم عنصر تنافسي ممتع للدورات التدريبية عبر الإنترنت، مما يشجع الطلاب على التفوق على بعضهم البعض أثناء العمل على تحقيق أهدافهم التعليمية.
لقد أسهمت الاتجاهات التقنية المذكورة، بقوة، في رفع مستويات التعلّم الإلكتروني، ووسعت من انتشاره، لجعله المستقبل التعليمي والتدريبي والتأهيلي على مختلف المستويات التعليمية والتدريبية والعلمية والتجارية. وبالأخص أنه استحوذ على جميع القطاعات بدروس عالية الجودة مع وحدات منظمة، كما اتسع نطاق حوالى نصف منصات التعلّم عبر الإنترنت لإنتاج أفضل محتوى، وتوفير موارد التعلّم المتنوعة، لتمكين المستخدمين من تحقيق أقصى استفادة منه.
(خاص "عروبة 22")