كما هي العادة في الحروب الأهلية فإنّ قطاعات التعليم والثقافة في اليمن هي الأكثر تضررًا، حيث دمرت مئات المدارس وتوقفت رواتب عشرات الآلاف من المعلمين، وتم العبث بالمواقع الأثرية والمتاجرة بهذا الموروث، وزاد من ثقل سنوات الصراع العداء الواضح الذي أظهره الحوثيون للفنون بشكل عام ومنع الغناء في معظم مناطق سيطرتهم، حيث شهدت معظم المحافظات الواقعة إلى شمال صنعاء وفي محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، تحريمًا للغناء وعقوبات لمن يغني.
كما قاد الحوثيون حملات شعبية تحفز السكان على رفض الغناء واستبدال الموسيقى بالأناشيد الدينية، وأقدموا على إغلاق صالات الأعراس التي تستضيف الفنانين، كما تولت النقاط الأمنية احتجاز ومنع مرور الآلات الموسيقية، وتعرّض بعض الفنانين للحبس نتيجة مخالفتهم لتعليمات منع إحياء الأعراس وخاصة في محافظات عمران وحجة والحديدة، في حين بات هذا الأمر محرّم في محافظة صعدة المعقل الرئيس للحوثيين ومركز انطلاقهم.
لكن رغم هذا التوجه العدائي للغناء لا تزال العاصمة اليمنية صنعاء تقاوم رغم انعدام الحفلات الغنائية العامة، حيث يقتصر هذا الحضور على الأعراس تحديدًا مع مبادرات شخصية محدودة، مثل مبادرة ديوان السعادة الذي يستضيف أعدادًا من الفنانين كل أسبوع وفتح الباب أمام استشكاف مواهب غنائية جديدة.
ويبدو الوضع في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا أفضل حالًا مما هو عليه في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تنظم فعاليات وحفلات متعددة في مدينة عدن التي تُتخذ كعاصمة مؤقتة للبلاد، إلا أنّ دور وزارة الثقافة لا يزال ضعيفًا أو غائبًا في دعم الفنون وفي تنظيم الاحتفالات والمهرجانات، كما أنّ معهد جميل غانم للفنون وهو الوحيد في البلاد يعاني من نقص شديد في المقاعد وفي المدرّسين، لكن مبادرات شبابية تمكنت من تحقيق نجاح ملموس في تكوين فرقة موسيقية من الإناث.
ومع ذلك تمكن الفنانون من تسجيل حضور لافت داخليًا وخارجيًا، واتسعت معه القاعدة الجماهيرية للغناء، كم برزت أصوات جديدة على الساحة أمثال محمد بلفقيه ومحمد الجنيد، ليلتحقوا بركب فنانين تصدروا الساحة خلال سنوات الحرب مثل حمود السمة وصلاح الأخفش وأصيل علي وأمين حاميم وأصيلة الشريجة.
ورغم ظروف التشرد التي فرضتها الحرب على مئات الآلاف من اليمنيين خارجيًا، إلا أنّ تواجد عدد من الفنانين في عواصم عربية فتح الباب أمام هؤلاء للالتحاق بمعاهد تعليم الموسيقى، أو المشاركة في الحفلات والمهرجانات المتعددة، وإحياء الحفلات في عواصم غربية وهو ما فتح الباب أمام قطاع من الفنانين لتطوير قدراتهم وإدخال الموسيقى الحديثة في أغانيهم بعد أن كانوا يعتمدون بشكل كبير على آلة العود الشهيرة والحاضرة في كل الأغاني اليمنية تقريبًا.
وسجلت الساحة العربية حضور فنانين أمثال حسين محب وفاطمة مثنى وهاني الشيباني وماريا قحطان وأيمن قصيلة وسهى المصري، كما أضحت الفرقة الموسيقية التي يقودها الفنان محمد القحوم، والتي تُعرف بـ"السمفونية اليمنية" علامة فارقة في مسيرة الغناء اليمني، وإدماج الآلات الموسيقية الغربية في الغناء المحلي، وأحيت هذه الفرقة للمرة الأولى حفلات في ماليزيا وباريس والكويت وقطر والقاهرة.
وسط هذا الحضور الفاعل للغناء واصل قطاع السينما أيضًا تميّزه، فحصد الفيلم اليمني "المرهقون" للمخرج عمرو جمال وبطولة عبير محمد وخالد حمدان، الجائزة الكبرى في مهرجان الدار البيضاء السينمائي للفيلم العربي في دورته الخامسة، من بين 12 فيلمًا عربيًا، كذلك حصل فيلم "سطل" للمخرج عادل الحيمي، على جائزة أفضل إخراج للأفلام القصيرة، ليضيف إنجازًا آخر في هذا المهرجان السينمائي العربي إلى الإنجازات اليمنية التي حققها هذا القطاع خلال السنوات القليلة الماضية.
(خاص "عروبة 22")