وجهات نظر

أفريقيا.. هل من نهاية لصراعات التنافس الدولي؟

تحافظ قارة أفريقيا عبر قرنين من الزمان على موقع الصدارة لكل طامح في صعود اقتصادي أو سياسي حول العالم، وكما تم هندسة نهب أفريقيا في القرن الـ١٩ في مؤتمر برلين ١٨٨٤، فإنه حاليًا يتم بلورة هندسة بديلة ولكن تحت مظلة صراع دولي بالمخالفة لأوضاع القرن الـ١٩ التي كانت تتسم بالتوافق النسبي في تقسيم مناطق النفوذ، وبالتالي حلب الموارد الأفريقية واستغلالها.

أفريقيا.. هل من نهاية لصراعات التنافس الدولي؟

آليات القمم المشتركة بين أقطاب العالم وبين أفريقيا، هي أحدث آليات التفاعل، حيث للصين قصب السبق عام ٢٠٠٠، وتبعتها كل من اليابان والولايات المتحدة ثم روسيا.

وقد عكست القمم لكل قطب فلسفته ومصالحه مع أفريقيا على نحو واضح، كما أنّ مستوى نجاح تفاعل كل طرف قطبي مرهون بمدى اهتمامه وكذلك نجاحه في مأسسة هذا الاهتمام. وطبقًا لهذا المفهوم تبدو الصين لنا هي أكثر الأطراف نجاحًا في مأسسة آلية القمة الخاصة بها في قمة "الفو كاك" والتي اختتمت فعاليتها العاشرة مؤخرًا، كما نجحت بكين في بلورة الآليات المناسبة لتفعيلها، ذلك أنها قد حافظت على العقد الدوري لهذه القمم، كما أنها طورت من مفاهيم التفاعل لتشمل في القمة الأخيرة مفاهيم التحديث والحوكمة، وذلك في مقابل المشروطيات التي يتمسك بها العالم الغربي وهي المتعلقة أساسًا بالخصخصة والتحوّل الديمقراطي.

هناك مشتركات بين الأقطاب الدولية بشأن أفريقيا إذ إنّ الحصول على الموارد هو الهدف النهائي لكل قطب دولي

كما حرصت الصين على ضخ استثمارات في أفريقيا بلغت ٤٠ مليار دولار هذا العام فضلًا عن دعم البنية التحتية بالقارة السمراء خصوصًا الطرق التي بلغت ١٠٠ ألف كيلومتر فضلًا عن ألف جسر، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وتتوّج الصين اهتمامتها بأفريقيا في أمرين؛ الطريق البحري المار من البحر الأحمر في مبادرة الحزام والطريق العالمية، ودعم الرقمنة عبر قيام البنى التحتية لشبكة الإنترنت وكذلك دعم قدرات الأفارقة في هذا المجال.

في مقابل النموذج الصيني هناك نموذج الولايات المتحدة التي عانت من حالة عدم انتظام عقد القمم الأمريكية الأفريقية، كما أنّ التفاعل الأمريكي مع أفريقيا كان يخضع لأهواء كل إدارة وتوجهاتها بغض النظر عن الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة والتي أعلنتها عام ٢٠٠٢، وطبقًا لذلك فإنّ حجم التحديات التي تواجهها واشنطن حاليًا في القارة السمراء كبير، إذ لم تستطع مع حليفتها فرنسا الحفاظ على استمرار وجود قواتهما العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي وخصوصًا في النيجر حيث كانت لواشنطن قاعدتان عسكريتان مهمتان إحداهما لطائرات الدرون المسيّرة.

وعلى الرغم من التفاوت في الأداء بين الطرفين الشرقي والغربي، فإنّ هناك مشتركات بين الأقطاب الدولية بشأن أفريقيا، إذ إنّ الحصول على الموارد هو الهدف النهائي لكل قطب دولي، فإذا كانت مبادرة "الحزام الطريق" من شأنها دعم القدرات التجارية الصينية وتنشيط قواعدها الصناعية بعد حالة التشبع من المنتجات الصينية على الصعيد الداخلي فإنّ ممر "لوبيتو" في جنوب غرب القارة الأفريقية يُعد الرد الأمريكي على الآليات الصينية، إذ يتم تصدير المعادن واليورانيوم مباشرةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية من كل من الكونجو الديمقراطية وزامبيا عبر ميناء لويبتو في أنجولا على المحيط الأطلسي.

في هذا الصراع الدولي على أفريقيا يكون التساؤل هنا "أين أصحاب الموارد الأصليون؟

الصراع على البيانات الأفريقية ربما يكون أكثر حدة من الصراع على المعادن الأفريقية، إذ إنّ العلاقات الأمريكية الكينية قائمة على إحتكار واشنطن لقاعدة بيانات تمتلكها كينيا، وفي المقابل فإنّ الصين لديها مبادرة طريق الحرير الرقمي "دي أس أر"، حيث تقوم شركة هواوي الصينية بدور رئيس في الدول الأفريقية في بناء مشروعات شبكات الإنترنت والهاتف المحمول، بخاصة شبكات الجيل الخامس، وذلك مع نمو سوق الهواتف النقالة، خصوصًا في بلدان الصحراء الأفريقية بنسبة 47 في المئة، كما تستهدف بكين بناء 700 مركز بيانات في الدول الأفريقية، فيما يمكن أن يطلق عليه استعمارًا رقميًا.

في هذا الصراع الدولي على أفريقيا، يكون التساؤل هنا "أين أصحاب الموارد الأصليون؟، أي الأفارقة، وكيف تُدار هذه الموارد من جانب نخبهم الحاكمة، وإلى أي مدى عوائد الموارد الأفريقية هي عوائد عادلة يمكن أن تساهم في دعم الموازنات العامة الوطنية، وتطوير مستوى معيشة المواطنيين؟.

هذه الأسئلة وغيرها تنعكس في أفريقيا ليس في إطار بلورة خطط الاستفادة منها للتنمية والتطوير، لكنها تنعكس في بعض الأحيان على شكل صراعات مسلحة للحصول عليها لصالح الأقطاب الدوليين أو وكلائهم، فيما ينتظر الجميع زعماء أفارقة أو أحزابًا سياسية تستطيع أن تنقذ الموارد الأفريقية كي تحوز الشعوب منها على أنصبة تؤمن لهم حياة إنسانية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن