تقدير موقف

الصراع على الشرق الأوسط: أين "المشروع العربي"؟

وصل الصراع بين المشروع الإسرائيلي/الأمريكي من جانب والمشروع الإيراني من جانب آخر على إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، إلى ذروته.

الصراع على الشرق الأوسط: أين

تبدو هذه المرحلة من تاريخ المنطقة مفصلية وفارقة وتختلف عن كل المراحل السابقة التي احتدمت فيها المواجهة بين إسرائيل وإيران، وهو اختلاف يتجلّى على عدّة مستويات أساسية.

المستوى الأول هو أننا وللمرّة الأولى نجد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وايران تنتقل من المستوى غير المباشر - أي بمهاجمة حلفاء إيران أهدافًا إسرائيلية أو أمريكية - إلى المستوى المباشر بالقصف العسكري المتبادل بين هاتين الدولتين.

يعمل المشروع الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية ويوظّف المشروع الإيراني القضية لتعزيز مكانة إيران

والمستوى الثاني هو أنّ إسرائيل بدا لها أنها بعد عامٍ كامل على "طوفان الأقصى" قد استطاعت إضعاف القدرات العسكرية لحركتَي "حماس" و"الجهاد" كما نجحَت في تحييد قوة "حزب الله" من خلال استهداف منظومته القيادية وبنيته التنظيمية، وأنّ مثل هذا التطوّر المتعلّق بثلاثة من المرتكزات الأساسية للقوة والنفوذ الإيرانيين في المنطقة، يجعل إسرائيل تتحرّك بأريحية أكثر في ما يتعلّق بفرض شروطها وتصوّراتها للشرق الأوسط الجديد.

لننظر كيف أصبح رفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية معلنًا وصريحًا ومستخّفًا بكل القرارات الدولية التي تفرض الالتزام بحدود ما قبل الخامس من يونيو/حزيران ١٩٦٧، وكيف أنّ تأمين حدودها الشمالية مع لبنان صار يتجاوز تطبيق بنود قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١ للمطالبة بنزع سلاح "حزب الله".

المستوى الثالث هو أنّ المشروع النووي الإيراني تطوّر تطوّرًا حقيقيًا إلى درجة قد تجعله يهدّد تفوّق الردع الإسرائيلي، وهذا يعني أنه ما لم يتم تقويض أركان هذا المشروع الآن ربما يتعذّر تقويضه في المستقبل.

الصراع بين المشروعين الإسرائيلي والإيراني تقف منه الدول العربية موقف المتفرّج

أما المستوى الرابع والأخير فإنه ذو بُعد دولي ويرتبط بصعود تيّار اليمين المتطرّف على مستوى العالم، فهذا التيّار يرغب في غسل تاريخه السياسي من تهمة "معاداة السامية" وهو ما يجعله يصطف بشكلٍ فج إلى جانب الكيان الصهيوني. والذي يستمع منّا إلى خطاب الأحزاب اليمينية في فرنسا أو ألمانيا أو المجر أو إيطاليا.. إلخ، منذ عملية "طوفان الأقصى" سوف يجده يتماهى بشكلٍ كاملٍ مع مشروعية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ويتعامل مع حركتَي "حماس" و"الجهاد" بوصفهما حركتين إرهابيتين. ومثل هذا التبنّي الأوروبي للسردية الإسرائيلية يبدو مطلوبًا بهدف تعزيز الموقف الدولي لإسرائيل.

هذا الصراع بين المشروعين الإسرائيلي والإيراني تقف منه الدول العربية موقف المتفرّج في ظل غياب مشروع تتفّق عليه هذه الدول في ما بينها، بل واختلافها وهو الأهم حول مَن الذي يمثّل التهديد الأكبر بالنسبة لأمنها القومي "إسرائيل أم إيران".

وبينما تحاول إسرائيل أن تفصل مسار الحرب في غزّة ومستقبل القضية الفلسطينية عن تطوّر عملية تطبيع العلاقات مع باقي الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تعزف إيران على وتر أنّ إسرائيل تمثّل خطرًا ليس فقط على عناصر محور المقاومة لكن أيضًا على الدول التي ترتبط باتفاقيات سلام مع إسرائيل.

وهذه النقطة الأخيرة بدت واضحة تمامًا في خطبة الجمعة الأولى من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري التي ألقاها المرشد الإيراني على خامنئي، وذلك عندما اعتبر أنّ مصر مثلها مثل سوريا واليمن ولبنان تقع في مرمى التهديد الإسرائيلي، في إشارة مبطّنة للتوتّر الراهن في العلاقات المصرية - الإسرائيلية.

ولقد سبق لنتنياهو نفسه أن أرسل رسالة تهديد لكل دول الشرق الأوسط عندما قال من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدّة في الشهر الماضي إنّ اليد الطويلة لإسرائيل تستطيع أن تصل لأي مكان في الشرق الأوسط. وهذا التعميم يضع الجميع في كفّة واحدة الأصدقاء مثل الأعداء.

إنّ كلا المشروعين الإسرائيلي والإيراني له طابعه القومي الذي لا تخطئه عين، والاختلاف بينهما هو أنه بينما يعمل المشروع الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية بوصفها المسؤولة عن عدم إدماج الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط تمهيدًا للهيمنة عليه، فإنّ المشروع الإيراني يوظّف القضية الفلسطينية لصالح تعزيز مكانة إيران في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

الحاجة مُلْحة للاتفاق ولو على حد أدنى من المصالح المشتركة لتكون أساسًا لمشروع ينبع منّا قبل فوات الأوان

ومن غير المفهوم حقيقةً كيف يراقب العرب الصراع بين هذين المشروعين ويراهن فريق منهم على انتصار أحدهما و يراهن فريق آخر على انتصار الثاني، بينما هم مهددون بالتذويب في كلتا الحالتين.

إنّ هذه المرحلة الفارقة في تاريخ المنطقة، كما سبق القول، لا تشبه المراحل السابقة حين كانت الأطراف الإقليمية تقنع بتحقيق انتصارات جزئية في صراعها على الهيمنة والنفوذ كما حدث في ٢٠٠٦، فلقد باتت هذه الأطراف تستعجل الحسم واقتناص ما تعتبره فرصةً سانحةً، ولأن هذا الحسم سيكون في الحالتين على حسابنا نحن العرب فليتنا ندرك الحاجة المُلْحة للتحرّك من أجل الاتفاق ولو على حد أدنى من المصالح المشتركة لتكون أساسًا لمشروع ينبع منّا قبل فوات الأوان.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن