تقدير موقف

معركة "الأمن المائي" في العالم العربي (1/2)استراتيجيات طموحة لمواجهة أزمات الحاضر وتحديات المستقبل!

تواجه منطقة العالم العربي تحديات كبيرة في ما يتعلق بالأمن المائي، بسبب ندرة الموارد المائية وتزايد الطلب عليها نتيجة النمو السكاني، والتحضر، والتغيّرات المناخية، والنزاعات الإقليمية. ويشكّل هذا الوضع تهديدًا مباشرًا للاستقرار والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع ازدياد آثار تغيّر المناخ وتزايد الضغط على الموارد المائية، يصبح من الضروري وضع استراتيجيات قُطرية وإقليمية للحفاظ على الموارد المتاحة وتعزيز الأمن المائي في المستقبل.

معركة

تُعَدُّ منطقة العالم العربي من بين أكثر مناطق العالم تعرضًا إلى أزمة ندرة المياه، إذ يعيش خمسة في المئة من سكان العالم في هذه المنطقة، بينما تحتوي على واحد في المئة فقط من موارد المياه العذبة العالمية. وتساهم عوامل عديدة في تفاقم أزمة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك النمو السكاني السريع، والتغيّر المناخي، والاعتماد الكبير على الزراعة التي تستنزف الجزء الأكبر من الموارد المائية. ويُقدَّر أنّ الزراعة وحدها تستهلك حوالى 85 في المئة من إجمالي المياه العذبة في العالم العربي، ما يجعل الإدارة الفاعلة للمياه في هذا القطاع أولوية قصوى.

التعاون والتكامل بين الدول العربية أحد العناصر الأساسية لاستراتيجيات تحسين إدارة مواردها المائية

هذه الظروف القاسية تدفع الدول العربية إلى تبني مجموعة من الاستراتيجيات لتحسين إدارة مواردها المائية، تعتمد في شكل كبير على محورين رئيسيين: أولًا، تطوير مصادر جديدة للمياه من خلال تكنولوجيات مثل تحلية مياه البحر؛ وثانيًا، تعزيز كفاءة استخدام الموارد المائية المتاحة من خلال تحسين تكنولوجيات الري وإعادة تدوير المياه. ويُعتبَر التعاون والتكامل الإقليميَّين بين الدول العربية، ولا سيما منها المتجاورة، أحد العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجيات، وإن كان النهجان لا يزالان يعانيان من ضعف كبير.

أحد أهم الحلول التي تبنتها دول الخليج العربي لمواجهة ندرة المياه هو استخدام تكنولوجيات تحلية مياه البحر. تُعَدُّ دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من بين أكثر الدول التي تعتمد على تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاتها من المياه. وعلى رغم التكاليف العالية للطاقة التي تتطلبها عمليات التحلية، تمثّل هذه التكنولوجيا حلًا فاعلًا لتوفير المياه في المناطق الساحلية الجافة. ومع ذلك، يتطلب الاستخدام الواسع لهذه التكنولوجيا معالجة المسائل البيئية المرتبطة بها، مثل التخلص من المياه المالحة والنفايات الناتجة عن التحلية.

معظم الأراضي الزراعية في المنطقة تعاني من ممارسات ري غير فاعلة تساهم في هدر كميات كبيرة من المياه

للتغلب على هذه التحديات، تعمل بعض الدول لتطوير تكنولوجيات جديدة لتحلية المياه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية. مثلًا، تبنت المملكة العربية السعودية برنامجًا لإنشاء محطات لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية، وهو برنامج يهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة المرتفع وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة. وعام 2020، أفادت تقارير بأنّ الرياض ستستثمر حوالى 80 مليار دولار في تحلية المياه على مدى العقد الجاري من الزمن، ومن المتوقع أن تصل قدرتها على تحلية المياه إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2025.

وفي ظل تزايد الطلب على المياه، تسعى الدول العربية إلى تحسين كفاءة استخدام المياه في مختلف القطاعات، ولا سيما في القطاع الزراعي. فمعظم الأراضي الزراعية في المنطقة تعاني من ممارسات ري غير فاعلة تساهم في هدر كميات كبيرة من المياه. ولتحسين كفاءة الري، تعمل الدول لتبني تكنولوجيات ري حديثة مثل الري بالتنقيط والري بالرش، ما يساهم في تقليل كميات المياه المستخدمة مع زيادة إنتاجية المحاصيل. وإلى جانب دول الخليج، تُعَد المملكة الأردنية الهاشمية من الدول العربية التي تقطع شوطًا كبيرًا في هذا المجال.

علاوة على ذلك، بدأت العديد من الدول في اعتماد تكنولوجيات لإعادة تدوير المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في الأغراض الزراعية والصناعية. مثلًا، تمتلك المملكة الأردنية الهاشمية برنامجًا ناجحًا لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، حيث تُستخدَم المياه المعالجة في ري الأراضي الزراعية، ما يقلل من الضغط على موارد المياه العذبة.

من نافل القول إنّ التعاون والتكامل بين الدول التي تشترك في موارد مائية عابرة للحدود يُعتبَر أمرًا حيويًا لضمان الاستخدام المستدام لتلك الموارد. يمثل نهر النيل مثالًا بارزًا على أهمية التعاون الإقليمي في إدارة المياه، حيث تعتمد جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان في شكل رئيسي على مياه النيل لتلبية احتياجاتهما الزراعية والصناعية. وقد شهدت هذه الدول محاولات للوصول إلى اتفاقيات لضمان الاستخدام العادل والمستدام لهذه الموارد.

وتثير مشاريع مائية تُقَام وراء حدود العالم العربي على مصادر مائية مشتركة، خلافات، مثل سدود الجمهورية التركية على نهري دجلة والفرات التي تقلق جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية، وسد النهضة الذي تبنيه جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية على نهر النيل وما يثيره من خلافات مع مصر والسودان.

من ناحية أخرى، تواجه منطقة المشرق العربي تحديات كبيرة في ما يتعلق بإدارة الأحواض المائية المشتركة، مثل حوض نهر اليرموك الذي تتقاسمه المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية. وتُعَد إدارة هذا المورد المائي مثالًا على أهمية التعاون الإقليمي للحفاظ على الموارد المائية في ظل تزايد الطلب عليها بسبب النمو السكاني والتغيّر المناخي. ولا تزال الخلافات بين الدولتين وإسرائيل راهنة في شأن مياه نهر الأردن.

الدول العربية تواجه تحديات كبيرة تتطلب استكشاف حلول إضافية لمواجهتها بما في ذلك تطوير السياسات المائية 

ولا يفوتنا تحويل موارد المياه في الضفة الغربية المحتلة من قبل الدولة العبرية إلى المستوطنات اليهودية بعيدًا عن المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، مع ما يستتبعه ذلك من أضرار تصيب السكان الفلسطينيين في حياتهم اليومية وتصيب القطاع الزراعي الفلسطيني في الضفة الغربية. وعلى رغم وضع السلطة الفلسطينية خططًا لتعزيز الأمن المائي في الضفة الغربية، لا يُسجَّل تقدّم يُذكَر في هذا الإطار، في ضوء الأزمات السياسية والأمنية التي تثيرها دولة إسرائيل في وجه السلطة منذ إنشائها في التسعينيات.

على رغم الجهود المبذولة لتحسين إدارة الموارد المائية، لا تزال الدول العربية تواجه تحديات كبيرة مرتبطة بالتغيّر المناخي وزيادة الطلب على المياه. ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع في السنوات المقبلة مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار في المنطقة. لذلك، يتطلب الأمر استكشاف حلول إضافية لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك تطوير السياسات المائية وزيادة الاستثمار في البنية التحتية للمياه.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن