وفيما أطلق جيش الاحتلال عملية برية واسعة في شمال القطاع، وتحديدا في جباليا البلد، ومخيم جباليا امتدت بعد ذلك لبلدات تل الهوا والعطاطرة وبيت حانون والتوام، بالتزامن مع الذكرى الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، بزعم وأد محاولات حركة "حماس" ترميم بنيتها العسكرية، تقود كافة المؤشرات على الأرض إلى شروع نتنياهو في تنفيذ "خطة الجنرالات" التي تهدف لدفع نحو 400 ألف مواطن بشمال القطاع للنزوح نحو الجنوب، وإخلاء ثلث مساحة القطاع، في وقت ينشغل فيه العالم بالتصعيد الإسرائيلي في لبنان، ونذر الحرب الإقليمية المرتقبة.
ما هي "خطة الجنرالات"؟
تقوم الخطة على تشخيص متعلق بكون عدم هزيمة حركة "حماس" ناتجة عن "سيطرتها على المساعدات الإنسانية"، لذلك اقترح القائمون عليها تحويل المنطقة الواقعة شمال محور "نتساريم" إلى "منطقة عسكرية مغلقة"، وإجبار المواطنين الموجودين حاليًا في شمال القطاع على النزوح القسري خلال أسبوع واحد.
ووفق الخطة، فإنه بـ"الرغم من الضربات التي تلقتها حماس، فإنها لا تزال قادرة على ترميم ذاتها وتجنيد مقاتلين، كما أنها قادرة على توفير الوسائل القتالية، وتسيطر فعليًا على توزيع الغذاء للسكان، كما تعود وتسيطر على كل موقع يخرج منه الجيش" الإسرائيلي.
ويرى الجنرالات -بحسب الوثيقة- أنّ تحطيم قدرات الحركة على إعادة ترميم قدراتها، يتطلب الخطوات الأربع التالية: "منع الأموال، تدمير قدرة حماس على تجنيد عناصر جديدة، ضرب الإمدادات، والقضاء على الحوافز لمواصلة القتال والحكم".
وتتألف الخطة التي كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية ملامحها في السابع من سبتمبر/أيلول الماضي، من مرحلتين بهدف تصحيح المسار العسكري الحالي في قطاع غزّة، باعتباره "غير مفيد".
وتتضمن المرحلة الأولى؛ تهجير السكان المتبقين في شمال قطاع غزّة وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة. ويلي المرحلة الأولى التركيز على العمليات العسكرية التي ستضع حماس "في مأزق".
ووفقًا لهذه الخطة "يتم إعطاء مهلة أسبوع للفلسطينيين لإخلاء مساكنهم بعد فرض حصار عسكري كامل على المنطقة، حيث سيؤدي ذلك إلى ترك خيارين للمقاتلين: إما الموت جوعًا أو الاستسلام".
مؤشرات تنفيذ الخطة
فيما تزعم حكومة الاحتلال أنّ العملية العسكرية الجديدة على شمال قطاع غزة، والتي تعد الثالثة من نوعها على مناطق جباليا، وبيت حانون منذ بدء العدوان الإسرائيلي، تأتي فقط لإنهاء سيطرة "حماس" الإدارية بتلك المناطق، تتزايد المؤشرات بشأن تحويل شمال القطاع لمنطقة عسكرية عازلة عقب إخلائه من كافة السكان.
ويأتي في مقدمة المؤشرات، النهج الذي اتبعه جيش الاحتلال منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الجديدة، بتدمير كافة المرافق التي يعتمد عليها السكان لتوفير احتياجاتهم اليومية، حيث أقدم الاحتلال على تدمير مخبز "الشلفوح" بمخيم جباليا، وهو المخبز الوحيد الذي يعمل في شمال القطاع بالكامل.
وعقب قصف المخبز، قصف مخازن الطحين، وتوجيه جيش الاحتلال بإخلاء المستشفيات الثلاثة الرئيسية في المحافظة الشمالية، حيث قالت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزّة في بيان رسمي، إنّ الجيش الإسرائيلي أنذر مستشفيات كمال عدوان والإندونيسي والعودة بالإخلاء من المرضى والكوادر الصحية، وذلك قبل أن يقوم بقصف عدد من العيادات الصحية التي كانت لا تزال تقدم خدمات الطوارئ لمن تبقى من سكان الشمال.
وبموازاة القصف والاستهداف المتعمد للمرافق، ذكرت وكالة "الأونروا" أنّ تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال أجبرها على وقف خدماتها المنقذة للحياة.
كما أقدم جيش الاحتلال على مجموعة من الإجراءات عبر غلق كافة الممرات المؤدية نحو الشمال، إطلاق النار واستهداف كل من يتحرك نحو تلك المناطق، مع توجيه السكان نحو المناطق الشرقية وتحديدًا المنطقة المعروفة باسم الإدارة المدنية، حيث وضع جيش الاحتلال بوابات أمنية وكاميرات وأجهزة تصوير لفحص هويات النازحين.
شيطان التهجير
كرس الجنرال المتقاعد غيورا إيلاند، الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، حياته لوضع خطط وتصورات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها، فهو صاحب الاقتراح الأشهر في هذا الإطار بإقامة دولة للفلسطينيين في سيناء المصرية وهي الخطة التي فشلت بعدما رفضتها كافة الأطراف.
لم يستسلم الجنرال المتقاعد، فقاد مؤخرًا فريقًا من الجنرالات المتقاعدين لصياغة خطة محكمة لتهجير سكان شمال قطاع غزّة البالغ عددهم في الوقت الراهن نحو 400 ألف.
في هذا الإطار نقلت صحيفة "معاريف" العبرية تصريحًا لأيلاند تعليقًا على العمليات الدائرة في شمال غزّة قال فيه: "لم أسمع أنّ الجيش قال إنّ الإمدادات لن تدخل المنطقة اعتبارًا من تاريخ معيّن، إذ ربما يكون مخططًا لذلك في المرحلة التالية، وربما يخشون قول ذلك بسبب الانتقادات الدولية في إشارة واضحة لإخفاء نوايا التحركات الأخيرة"، مضيفًا: "هناك أشياء مشابهة لما اقترحناه، حول حقيقة قوة العملية في شمال القطاع لأنّ هذه المنطقة يجب أن تؤخذ بالكامل من حماس".
وردًا على سؤال: لماذا شمال القطاع أهم من جنوبه؟، أجاب: "ليس أهم لكن شمال القطاع، خصوصًا مدينة غزّة هو مركز الحكم حيث يعملون من هناك ويديرون كل سيطرتهم المدنية، وبالطبع إذا سيطرنا على شمال القطاع ستكون عودة البلدات الإسرائيلية أكثر أمنًا".
يمكن القول بأنّ خطط إسرائيل لإخلاء شمال القطاع بالكامل، تتجه للفشل المتواصل على مدار عام كامل بدء من محاولة الاعتماد على العشائر واستنساخ تجربة روابط القرى، مرورًا بما سُمي بـ"الفقاعات الإنسانية" التي اقترحها وزير الدفاع يؤاف جالانت.
وربما يكون وراء ذلك عدم وجود مكان آمن في القطاع لا تطاله النيران، وهو ما دفع السكان لتفضيل البقاء في أماكنهم رغم المجازر المتواصلة يوميًا باعتبار أنّ الموت صار واحدًا، سواء كان في شمال القطاع أو جنوبه، خاصة وأنّ نجاح نتنياهو في مساعيه يعني دفع معظم سكان القطاع للعيش في نصف مساحته في الجنوب، ما قد يؤدي إلى نزوحهم طوعيًا وخروجهم من غزّة بعد وقف إطلاق النار، وهو ما يحقق هدف التهجير لكن "من باب خلفي".
(خاص "عروبة 22")