رغم موافقة حركة "حماس" على المقترح الجديد لوقف اطلاق النار لمدة 60 يومًا وقبولها عدم الانسحاب الاسرائيلي الكامل من قطاع غزة ورضوخها للضغوط الهائلة التي مورست عليها من قبل الوسيطين المصري والقطري بالتزامن مع التوسع الميداني في العملية العسكرية الاسرائيلية، الا ان تل أبيب لا تزال تناور دون ارسال رد رسمي واضح بل تعمل على تسريع وتيرة احتلال مدينة غزة بعدما صادق كل من وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير على المخطط وقررا، بحسب وسائل اعلام اسرائيلية، استدعاء 60 ألف جندي من الاحتياط، وتمديد خدمة 20 ألف جندي احتياط 40 يومًا إضافية.
وهذه المصادقة تعني حرفيًا تهجير نحو مليون فلسطيني إلى الجنوب بما يحمله ذلك من مأساة النزوح المتكرر وتزايد الاوضاع الانسانية سوءًا بظل غياب أدنى مقومات الحياة وتفاقم الجوع وانتشاره على نطاق واسع لاسيما أن اسرائيل تعيق عمدًا ارسال المساعدات الى داخل القطاع وتحصرها بعدد محدود جدًا من الشاحنات التي لا تلبي الاحتياجات الكبيرة بينما تصطف على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مئات الشاحنات المحملة بمساعدات غذائية ومواد أساسية يمكن أن تسهم في التخفيف من معاناة الفلسطينيين الذين ذاقوا الامرين بين رحلة البحث عن الامان المفقود بعدما تحول القطاع برمته الى مسرحٍ للعمليات الاسرائيلية وبين رحلة ايجاد الطعام بالقرب من "مصائد الموت" الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية"، التي وبحسب بعض المعلومات، قررت اعتماد نظام جديد يقوم على اطلاق نظام بطاقات تعريف شخصية تحمل رقمًا خاصًا بكل مستفيد بحجة تسهيل حصول السكان على الطرود الغذائية.
فمأسسة نظام توزيع المساعدات تثير العديد من المخاوف لانها اولًا تعني استمرار الوضع على ما هو عليه رغم الانتقادات الواسعة لعمل المؤسسة وثانيًا تكوين وبناء قاعدة معلومات عن سكان القطاع بما يجعلهم عرضة لمخاطر جمة. وهذه الالية تتوافق مع غايات اسرائيل باستخدام التجويع كسلاح حرب رئيسي لاخضاع السكان حيث يوميًا يزداد اعداد الضحايا، خصوصًا لدى الاطفال، بسبب غياب المواد الغذائية الأساسية وعجز الطاقم الطبي عن تقديم الرعاية الكاملة بظل الشح الكبير في الادوية والمعدات الاستشفائية التي تقف على بُعد حجر من القطاع المحاصر ولكنها تعجز عن الدخول بسبب التعنت الاسرائيلي الذي يفقد أيضًا المئات حياتهم بعدما وصلت المستشفيات، التي لا تزال تعمل، الى طاقتها الاستيعابية القصوى وتكدست فيها الاصابات التي يحتاج بعضها الى عمليات دقيقة جدًا وعلاجات غير متوفرة في القطاع برمته بينما ساهم القرار الاميركي الاخير بمنع اصدار تأشيرات لسكان غزة بعرقلة حصول طالبي الرعاية الطبية، بمن فيهم الأطفال الصغار على فرصة للنجاة.
هذا ويضيق الخناق على الفلسطينيين الذين يرفضون التهجير مرة اخرى على وقع تكثيف قوات الاحتلال من عمليتها وتحديدًا في حي الزيتون شرق مدينة غزة، كما في حي الصبرة القريب، مستخدمة الروبوتات المفخخة لنسف المباني والاحياء السكنية مما يشي بأن اسرائيل ماضية في خططها التوسعية رغم الضغوط المبذولة، خاصة من قبل عائلات الاسرى الاسرائيليين، الذين اتهموا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه "يكذب ويضع شروطًا غير قابلة للتنفيذ لإفشال الصفقة"، مهددين بتنظيم مظاهرات حاشدة في الشوارع مجددًا، كتلك التي اجتاحت شوارع تل أبيب ومدن اخرى يوم الاحد الماضي للمطالبة بصفقة شاملة تنهي الحرب. في غضون ذلك، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" "ان الباب لم يُغلق تمامًا أمام صفقة جزئية، لكنها بالتأكيد توحي بأن إسرائيل ترفض في الوقت الحالي مقترح الوسطاء الجديد". واضافت "ليس مستبعد أن يكون البيان الذي تطالب فيه إسرائيل بالإفراج عن جميع المختطفين الخمسين، محاولة استعراض عضلات من أجل انتزاع مزيد من الليونة في مواقف "حماس".
ويبدو نتنياهو حاليًا وكأنه يكتفي بالدعم الاميركي اللامحدود الذي وفرته له ادارة الرئيس دونالد ترامب، بينما يهاجم دولًا اخرى اذ تصاعدت في الساعات الاخيرة الازمة الدبلوماسية بين استراليا واسرائيل على خلفية سحب تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين لدى السلطة الفلسطينية عقب قرار منع العضو في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) سماحا روثمان من دخول الاراضي الاسترالية بسبب مواقفه المتطرفة ووصفه اطفال فلسطين بـ"الاعداء"، في حين شنّ مكتب نتنياهو حملة ضد رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز واصفًا اياه بـ"السياسي الضعيف الذي خان إسرائيل وتخلى عن يهود أستراليا". أما الموقف الفرنسي المتضامن مع فلسطين فقد انتقده رئيس الوزراء الاسرائيلي في رسالة وجهها الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون واضعًا خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كعادته، في اطار "معاداة السامية" وتقديم "مكافأة لارهاب "حماس"، مما استدعى ردًا من قصر الاليزيه الذي قال إن رسالة نتنياهو "لن تمر دون رد"، مؤكدًا أن "الجمهورية تحمي وستحمي دائمًا مواطنيها اليهود".
الى ذلك، تتزايد التحذيرات الايرانية من أن الحرب مع إسرائيل قد تتجدد "في أي لحظة"، ما دفع "الحرس الثوري الايراني" الى اصدار أوامر لوحداته في أنحاء البلاد للاستنفار والإبقاء على الجهوزية الكاملة، حتى نهاية أيلول/ سبتمبر على الأقل. وفي هذا السياق، شدد نائب قائد "الحرس الثوري" الجنرال علي فدوي، في أول ظهور علني منذ اختفائه خلال الحرب الاخيرة، على أن "زيادة القدرة القتالية للقوات كانت دائمًا على جدول الأعمال منذ تأسيس "الحرس الثوري"، ولم يتم تعليقها أبدًا"، فيما يردد كبار المسؤولين الإيرانيين إن بلادهم لا تسعى للقتال، ولكنها مستعدة في حال تجددت الهجمات عليها وذلك بعد حرب الـ12 يومًا الاخيرة. يُذكر ان المفاوضات لا تزال مجمدة مع الادارة الاميركية بشأن برنامج ايران النووي على الرغم من أن حكومة الرئيس مسعود بزشكيان تجاهلت الانتقادات الحادة الموجهة اليها من "الحرس الثوري" وأعلنت استعدادها لاستئناف المباحثات، شريطة أن تعترف واشنطن بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وتوفير ظروف تصفها طهران بـ "المناسبة".
على الصعيد اللبناني، تترقب الساحة الداخلية ما سيصل اليه البحث بموضوعين حيويين وهما قرار الحكومة حصر السلاح ووضع خطة زمنية من جهة، والمعركة الدائرة بشأن التجديد لقوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان وسط مساعي اسرائيلية جدية لانهاء عملها بعد اتهامها بأنها فشلت في المهام الموكلة اليها ولم تمنع تمدد "حزب الله" ومخازن اسلحته ضمن نطاق صلاحياتها، كما وجود رغبة اميركية أيضًا لتقليص عملها، وذلك في مواجهة القرار الفرنسي الذي يسعى للتجديد لها سنة اضافية بشرط تخفيض ميزانية هذه القوات بنسبة تتراوح بين 30 و40%. وعليه يبدو ان الخيارات تضييق على لبنان الذي يتخوف من ان تستخدم واشنطن حق النقض "الفيتو" بمجلس الامن مما يؤدي الى وقف فوري لعمل "اليونيفيل" التي تنتهي مهامها اواخر الشهر الحالي.
وباستثناء الولايات المتحدة، أيد الأعضاء الـ14 الآخرين خلال الجلسة المغلقة التي عُقدت بعد ظهر يوم الاثنين النص الذي اقترحته فرنسا، والذي يوازي الى حد كبير بين المطالب اللبنانية والاعتراضات الاميركية. وقد نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" مسودة مشروع القرار الذي وزعته فرنسا بخصوص التجديد لقوات "اليونيفيل". بينما يتوقع ان تكون الايام القليلة الفاصلة عن اتخاذ القرار النهائي بشأن هذه القوات ضاغطًا على لبنان الذي يسعى الى الحفاظ على الاستقرار وضمان توفير الامن رغم ما تمر به البلاد من ازمات ساخنة. وهذه التطورات والمستجدات احتلت اولوية المحادثات التي اجراها رئيس الحكومة نواف سلام مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، حيث قدم له الشكر "على الدعم المتواصل في مختلف الميادين خاصة للجيش اللبناني، ومساندة لبنان في المحافل الدولية، ولا سيما الضغط على إسرائيل لتنسحب من الأراضي التي ما تزال تحتلها"، وفق تصريحاته.
أما سوريًا، فقد التقى وزير الخارجية أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في العاصمة الفرنسية باريس، وتم التركيز، بحسب وكالة الأنباء "سانا"، حول خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وإعادة تفعيل اتفاق 1974، مشيرة الى أن النقاشات تجري "بوساطة أميركية، في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في سوريا والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها". تزامنًا، كان لافتًا اللقاء الذي جمع المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك مع الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل موفق طريف وذلك بعد التظاهرات الاخيرة في محافظة السويداء تحت عنوان "حق تقرير المصير" كما مع استمرار الخروقات في اتفاق وقف النار.
وبحسب المعطيات، فقد طالب طريف بتثبيت وقف إطلاق النار بشكل شامل ومستدام في المحافظة، وفتح ممر بري آمن بضمانات أميركية لتمرير المساعدات الإنسانية إلى محافظة السويداء كما شدد على ضرورة رفع ما أسماه "الحصار" المفروض وعودة الدروز الى قراهم. على المقلب الاخر، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسومًا بتعيين إبراهيم عبد الملك علبي "سفيرًا مفوضًا فوق العادة، واعتماده مندوبًا دائمًا للجمهورية العربية السورية لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك". وقد رأى مراقبون أن هذا التعيين يعكس رغبة دمشق بتعزيز حضورها الدبلوماسي في المحافل الدولية.
واليكم أهم ما ناقشته الصحف العربية الصادرة اليوم والتي لا يزال الهمّ الفلسطيني يطغى على مقالاتها وافتتاحياتها:
كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "تواجه الأوضاع في قطاع غزة مفترقًا ضبابيًا يقود إلى خيارين لا ثالث لهما، إما الذهاب إلى هدنة جديدة تمهد لإنهاء هذه الحرب العدوانية، وإما الاتجاه إلى مزيد من التصعيد، وتنفيذ الخطة الإسرائيلية بإعادة احتلال كامل القطاع، وما سيترتب على ذلك من نتائج كارثية ليس على الفلسطينيين فحسب، وإنما على إسرائيل ذاتها التي استنفدت كل خياراتها العسكرية، ولم تحقق النصر الذي تتوهمه"، مضيفة "إصرار إسرائيل على الحرب بذريعة أن ذلك سيجعلها أقوى وأكثر أمنًت، ليس سوى وهم آخر يضاف إلى سلسلة الأوهام المتطرفة التي تحرك أجندة فئة عنصرية ذهبت بعيدًا في الغي والتسلط من دون أن يتحقق لها ما تريد".
وعن فلسطين ايضًا، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "إقامة الدولة الفلسطينية كان يجب أن يتم دون شرط موافقة إسرائيل أو التفاوض معها بشأنه، ومجاهرة نتنياهو اليوم برفض إقامة الدولة الفلسطينية التي نص عليها قرار إقامة إسرائيل هو في الواقع رفض لقرار التقسيم والعمل على الإستحواذ غير القانوني على الأرض التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية وضمها للدولة اليهودية بالمخالفة لقرار التقسيم"، مؤكدة أن "رفض قرار التقسيم الذي تستمد منه إسرائيل شرعيتها إنما يسقط عنها تلك الشرعية ومن المفترض أن يلغي الموافقة الدولية على إقامة إسرائيل حيث اقترنت هذه الموافقة بإقامة الدولة الفلسطينية".
صحيفة "الدستور" الاردنية، بدورها، شددت على أن "مقاربة مشروع "إسرائيل الكبرى" من خلال تصريحات نتنياهو الأخيرة تبسيط مخلّ بجوهر الخطر. فهذا المشروع لم يولد من زلة لسان أو خيار حزب أو رئيس حكومة، بل هو رؤية عقائدية متجذرة في الفكر الصهيوني"، منبهة الى أن "مواجهة هذا المشروع لا تقتصر على الرد السياسي أو القانوني، بل تتطلب أيضاً إعادة بناء الداخل العربي على أسس الحرية والديمقراطية وسيادة القانون. فهذه هي الضمانة الحقيقية لوحدة المصالح القومية العربية. أما الاستبداد والتجزئة فهما التربة التي يتغذى منها المشروع الصهيوني".
واشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "الدور السعودي عبر تأريخ المملكة هو دور واضح وثابت في أدبياتها السياسية عبر كل المراحل، لكنه الآن وتبعًا للأخطار المحدقة والمتزايدة أصبح أكثر ديناميكية وحضورًا وفاعلية، سواء فيما يتعلق بالقضية العربية المركزية التي يمثلها الحق الفلسطيني في إقامة دولته، أو فيما حدث ويحدث في بعض الدول العربية؛ مثل سوريا ولبنان على سبيل المثال لا الحصر"، موضحة أن "المملكة لا تستطيع تحقيق المعجزات إذا لم تحاول الدول الواقعة في دوامة الأزمات مساعدة نفسها بإخلاص وعزيمة"، بحسب تعبيرها.
من جهتها، رأت صحيفة "اللواء" اللبنانية أنه "مع تحرّك الورقة الأميركية من بيروت إلى تل أبيب، يتحوّل الجنوب اللبناني من ساحة مواجهات إلى حلبة اختبار للسياسة الأميركية في المنطقة، فإذا نجحت واشنطن في إقناع إسرائيل بالمضي في طريق التهدئة، فسيكون ذلك سابقة نادرة في ميزان الصراع، أما إذا اختارت تل أبيب المماطلة، فإن فشل المبادرة قد يعني عودة التصعيد عاجلاً أو آجلاً، وهذه المرة وسط فراغ ثقة لا تُجدي معه أي وساطات"، متسائلة "هل ينجح برّاك في مهمته في تل أبيب أم سيعود منها بورقة خالية من التوقيع؟".
(رصد "عروبة 22")