رغم أهمية البرنامج الذي يطرحه كل مرشح في هذا السياق في التأثير على الناخبين، إلا أنّ أداء ترامب عندما كان رئيسًا، وأداء إدارة الرئيس الأمريكي الحالي ومعه نائبته المرشحة الرئاسية الديمقراطية الحالية، يشكلان مؤشرًا للناخبين حول كفاءة كل منهما في إدارة الاقتصاد الأمريكي وفي تحسين مستويات معيشتهم ورفاهيتهم.
تفوق بايدن وهاريس في النمو والتشغيل ودخل الفرد، وتفوق ترامب في ضبط التضخم
تشير مقارنة المؤشرات الخمسة الرئيسية وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي إلى أنّ المتوسط السنوي لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بلغ 1,5% في عهد ترامب، مقارنة بنحو 3,6% خلال ولاية جو بايدن وكمالا هاريس. أما المتوسط السنوي للتضخم فبلغ 1,8% خلال ولاية ترامب، مقارنة بنحو 4,4% خلال ولاية بايدن وهاريس، وبلغ متوسط معدل البطالة نحو 5% في عهد ترامب، مقارنة بنحو 4,2% في عهد بايدن وهاريس. وبلغ المتوسط السنوي لمعدل الاستثمار 21% من الناتج المحلي الإجمالي في عهد ترامب، مقارنة بنحو 21,7% في عهد بايدن وهاريس، علمًا بأنّ الفارق البالغ 0,7% يعادل أكثر من 180 مليار دولار سنويًا. أما متوسط نصيب الفرد من الناتج فبلغ 57814 دولار في نهاية عهد أوباما، وبلغ نحو 63079 دولار في نهاية عهد ترامب بزيادة نسبتها 9,1% عن مستواه في نهاية عهد أوباما. وبلغ ذلك المتوسط نحو 86601 دولار في عام 2024 في نهاية عهد بايدن وهاريس بزيادة نسبتها 37,3% عن مستواه في نهاية عهد ترامب.
انفجار أزمة أوكرانيا وحرب الإبادة الصهيونية ترتب عليهما إنفاق أمريكي مضاعف
ومن الضروري أن نضع في اعتبارنا أنّ عهد ترامب قد شهد أزمة كورونا في ذروة توحش الفيروس عام 2020 مما أدخل الاقتصاد الأمريكي في ركود عميق في ذلك العام حيث سجل نموًا سلبيًا -2,2%.
وبالمقابل شهد عهد بايدن وهاريس انفجار أزمة أوكرانيا التي ساهمت الإدارة الأمريكية في تفجيرها وقدمت خلالها مساعدات هائلة تجاوزت الـ100 مليار دولار، وأزمة انفجار "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة الصهيونية على الشعب الفلسطيني وما ترتب عليهما من إنفاق أمريكي مضاعف على التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة والمشاركة في صد الهجمات الإيرانية، والعدوان على اليمن، فضلًا عن المساعدات التي تم تقديمها للكيان الصهيوني بقيمة 17 مليار دولار إضافة إلى المساعدات العسكرية السنوية المقررة سلفًا والبالغة 3,8 مليار دولار، والمساعدة العسكرية الجديدة التي أعلن الكيان الصهيوني عن تلقيها في أكتوبر 2024 لتدعيم نظام الدفاع الجوي لديه بقيمة 5 مليارات دولار.
هاريس: ضرائب إضافية على الشركات وضبط أسعار البقالة والرعاية الصحية ودعم الأُسر
يركز الإعلام دائمًا على موقف المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس من قضايا المساواة النوعية بين النساء والرجال، والحفاظ على حق المرأة في الإجهاض كعناوين رئيسية عنها، بينما يُعد برنامجها الاقتصادي أكثر أهمية للناخبين وللعالم كمؤشر على حالة اقتصاد الولايات المتحدة ودوره العالمي في حال نجاحها في الفوز بمنصب الرئاسة. ويركز البرنامج الاقتصادي لهاريس على تنشيط الإيرادات العامة برفع الضريبة على أرباح الشركات من 21% إلى 28% وهي مستويات تقل عن الضرائب المناظرة لدى المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة في أوروبا واليابان والصين.
ومع مثل تلك الزيادة يمكن للإدارة الأمريكية أن تقلص العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة الذي بلغ 2225 مليار دولار عام 2024، علمًا بأنّ عجز الموازنة العامة للدولة في آخر عام من ولاية ترامب بلغ نحو 3028 مليار دولار، لكنه كان عام توحش فيروس كورونا وما ترتب عليه من برنامج حكومي كبير لمعالجة آثاره. كما أنّ تلك الضريبة يمكن أن تكون آلية لتحسين توزيع الدخل باعتبار أنها تأخذ من الأثرياء لتستخدم من خلال الموازنة العامة للدولة لتمويل الإنفاق على البرامج الاقتصادية-الاجتماعية التي تتبناها هاريس.
كما أعلنت هاريس عن نيتها تقديم دعم بقيمة 25 ألف دولار لكل من يشتري منزلًا لأول مرة لدعم الطبقة الوسطى وتشجيع القطاع العقاري والمصرفي للتوسع في الإنشاءات العقارية وتمويل تسويقها، وهو دعم سيستفيد منه مليون مشتري سنويًا بمجموع 4 ملايين مواطن خلال ولايتها إذا فازت بمنصب الرئاسة. كما أعلنت نيتها دعم الأُسر من خلال خصم ضريبي قدره 6 آلاف دولار في العام الذي يولد فيه طفل جديد للأسرة. كذلك أعلنت نيتها وضع حد أقصى لتكلفة الأدوية المقررة بوصفة طبية يبلغ 2000 دولار سنويًا للشخص، فضلًا عن تحديد سعر الأنسولين الضروري لمرضى السكري بـ35 دولارًا شهريًا. كما شمل برنامجها الاقتصادي منع التنسيق الاحتكاري للإيجارات بين أصحاب العقارات، وحظر المبالغة في أسعار مواد البقالة. وهي تعلن بوضوح انحيازها للطبقة الوسطى والفقراء.
المواقف الاقتصادية لهاريس يمكن أن تعزز موقفها في الانتخابات
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية لا تطرح هاريس أي جديد، حيث تعتبر أنّ ما تفعله الإدارة الأمريكية الراهنة وهي جزء منها، هو موقفها المستمر بشأن تلك العلاقات التي شهدت عمليات لترميم وتعميق التحالف الغربي ومعالجة مشاكله، دون أن يخلو الأمر من اقتناص صفقات من الحلفاء مثل صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا التي تم إلغائها لصالح حصول أستراليا على صفقة بديلة من الولايات المتحدة وبريطانيا، ودون أن يخلو الأمر من محاولة تخريب العلاقات الأوروبية مع روسيا لرفع دوال تكلفة الإنتاج داخل الدول الأوروبية التي اعتمدت جزئيًا على أسعار رخيصة للنفط والغاز المستوردين من روسيا في تعزيز قدرتها التنافسية في مواجهة الولايات المتحدة.
ويمكن القول إنّ المواقف الاقتصادية لهاريس يمكن أن تعزز موقفها في الانتخابات لو تمكنت من معالجة تأثيرات موقفها من حرية الإجهاض والمساواة النوعية على اتجاهات تصويت الرجال وبخاصة بين الأمريكيين من أصول إفريقية والمسيحيين الأصوليين.
(خاص "عروبة 22")