تعاني البلدان العربية من جملة من التحدّيات الهيكلية التي تؤثّر في قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي. من أبرز هذه التحدّيات ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. فوفق البيانات المتاحة، يعاني أكثر من 66 مليون شخص في المنطقة من نقص التغذية (يبلغ عدد سكان العالم العربي حاليًا حوالى 430 مليونًا و753 ألف نسمة، أو حوالى خمسة في المئة من إجمالي سكان العالم) إذ سجّلت معدلات سوء التغذية ارتفاعًا ملحوظًا بعد جائحة كوفيد-19، لتصل إلى مستويات قياسية في بعض البلدان مثل الجمهورية اليمنية والجمهورية العربية السورية وجمهورية الصومال الفيدرالية. ويمرّ الأطفال والنساء خصوصًا بمشاكل صحّية مزمنة مثل التقزّم وفقر الدم والسمنة، وهي مؤشرات تدل على ضعف التغذية وسوء توزيع الموارد الغذائية.
ويبرز التغيّر المناخي واحدًا من أخطر التحدّيات التي تهدّد الإنتاج الغذائي في المنطقة. تتميّز البلدان العربية ببيئة مناخية قاسية، فهي تُعتبَر من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيّرات المناخية وندرة المياه. ويؤدّي الجفاف المتكرر، وارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض الموارد المائية إلى تراجع الإنتاج الزراعي، ما يضطر البلدان إلى الاعتماد في شكل كبير على الواردات لتلبية احتياجات سكانها. مثلًا، تعتمد العديد من البلدان العربية على استيراد الحبوب، ولا سيما القمح، من مناطق مثل حوض البحر الأسود، ما يجعلها عرضة إلى تقلّبات الإمدادات والأسعار في الأسواق العالمية.
يزيد ارتفاع معدّلات التضخم وتزايد تكلفة الغذاء من تعقيد المشهد
وتمثّل الأوضاع السياسية والنزاعات في المنطقة تحدّيًا كبيرًا للأمن الغذائي. فالبلدان التي تشهد نزاعات مستمرة مثل الجمهورية العربية السورية والجمهورية اليمنية وجمهورية السودان تواجه انهيارًا في البنية التحتية الزراعية، ما يؤدّي إلى تراجع كبير في الإنتاجية الزراعية وارتفاع مستويات الفقر والجوع. وتساهم النزاعات أيضًا في تهجير السكان، ما يؤدّي إلى زيادة الضغط على الموارد المحدودة.
ويزيد ارتفاع معدّلات التضخم وتزايد تكلفة الغذاء من تعقيد المشهد. فقد سجلت أسعار الغذاء قفزات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، ما يجعل الغذاء الصحّي غير ميسور التكلفة لحوالى ثلث سكان المنطقة. هذه الزيادات تؤدّي إلى تفاقم الفجوة الغذائية، إذ يصعب على الأسر ذات الدخل المحدود تأمين احتياجاتها الأساسية.
الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة
على رغم التحدّيات الهائلة، تسعى الدول العربية، بالتعاون مع مؤسسات إقليمية ودولية، إلى تنفيذ مبادرات لتحسين الأمن الغذائي. تشمل هذه الجهود تعزيز الإنتاجية الزراعية من خلال تبني تكنولوجيات حديثة في الزراعة وتحسين إدارة الموارد المائية. ففي جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية، مثلًا، طُبِّقت مشاريع لتحسين الإنتاج الزراعي باستخدام أنظمة الري الحديثة وتكنولوجيات الزراعة المستدامة، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية وتقليل الفاقد من المياه.
التعاون الإقليمي خطوة أساسية في تعزيز الأمن الغذائي العربي
وتعمل بعض الدول لتعزيز استراتيجيات الاحتياطي الغذائي لضمان استدامة الإمدادات في حالات الأزمات. قد تبنت دولة قطر وسلطنة عُمان سياسات لإنشاء احتياطيات غذائية استراتيجية يمكن اللجوء إليها خلال الطوارئ. وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى تقليل الاعتماد على الواردات وضمان استقرار الأسواق المحلية.
ويشكّل التعاون الإقليمي خطوة أساسية في تعزيز الأمن الغذائي العربي. إذ تعمل منظمات مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي على دعم البلدان العربية من خلال تقديم المساعدات التكنولوجية والمالية، وتعزيز قدرات المزارعين، وتطوير السياسات الغذائية. وأُطلِقت مبادرات إقليمية لتشجيع تبادل الخبرات بين البلدان وتعزيز التكامل الزراعي، أهمها إستراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة (2020-2030).
ويكمن أحد الحلول الواعدة في تبني تكنولوجيات الزراعة الذكية مناخيًا. وتشمل هذه التكنولوجيات تحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وزيادة الإنتاجية الزراعية مع مراعاة التغيّرات المناخية. في هذا السياق، طبقت دول مثل الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والجمهورية الإسلامية الموريتانية والمملكة الأردنية الهاشمية برامج لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وتعزيز الاستدامة الزراعية.
ومن الركائز الأساسية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي، برامج الحماية الاجتماعية. يتمثّل ذلك في توفير شبكات أمان اجتماعي للفئات الأكثر ضعفًا، ما يضمن حصولها على الغذاء الكافي حتى في أوقات الأزمات. كذلك يسعى بعض الدول إلى تحسين الدعم الموجه إلى المزارعين الصغار لتمكينهم من زيادة إنتاجهم وتعزيز استدامة أنشطتهم.
توصيات مستقبلية
لضمان تحقيق الأمن الغذائي المستدام في العالم العربي، ثمّة حاجة إلى تبني سياسات وإجراءات أكثر شمولية. أولًا، يجب زيادة الاستثمارات في البحث والتطوير للتوصل إلى تكنولوجيات زراعية جديدة ومبتكرة يمكن لها أن تساهم في تحسين الإنتاجية الزراعية وتقليل الفاقد من الموارد. ويُعَد تنويع مصادر الغذاء استراتيجية أساسية لتقليل الاعتماد على الواردات. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع زراعة المحاصيل المحلية وزيادة تنوّع الإنتاج الزراعي بما يتناسب مع الاحتياجات الغذائية للسكان. ومن الضرورات الملحّة إصلاح السياسات الزراعية. إذ يجب تقديم حوافز إلى المزارعين لتبني ممارسات زراعية مستدامة، وتعزيز قدراتهم على مواجهة التحدّيات المناخية والاقتصادية. كذلك يجب تطوير أنظمة توزيع الغذاء لتقليل الهدر وضمان وصول الغذاء إلى المناطق الأكثر احتياجًا.
يمكن إنشاء صندوق إقليمي للأمن الغذائي وتعزيز تبادل الخبرات والتكنولوجيات لتحسين أنظمة الإنتاج والتوزيع
ومن نافل القول إنّ التعاون الإقليمي يجب أن يكون أكثر فاعلية. فيمكن إنشاء صندوق إقليمي للأمن الغذائي لدعم البلدان المتضررة وضمان استقرار الإمدادات الغذائية في أوقات الأزمات. ويمكن أيضًا تعزيز تبادل الخبرات والتكنولوجيات بين البلدان لتحسين أنظمة الإنتاج والتوزيع. كذلك ينبغي تعزيز الوعي الغذائي والتغذوي بين السكان. ومن خلال حملات التوعية والتثقيف، يمكن تشجيع المواطنين على تبني أنماط غذائية مستدامة وصحّية، ما يساهم في تحسين الصحّة العامة وتقليل الفجوات الغذائية.
(خاص "عروبة 22")