اقتصاد ومال

سوق العمل العربي في 2024: تحديات واتجاهات مستقبلية (2/2)

نستأنف في هذه المقالة استعراض أهمّ مضامين تقريرٍ حديث الإصدار لمنظمة العمل الدوليّة، المُعنوَن بـ"التشغيل والآفاق الاجتماعيّة في الدول العربيّة: اتجاهات 2024. تعزيز العدالة الاجتماعيّة من خلال انتقالٍ عادل"، والذي تضمّن صورةً شاملة تهمّ سوق العمل في العالم العربي. كما عرض العديد من التحدّيات الحاليّة التي تشهدها المنطقة وبعض الاتجاهات الناشئة الواعِدة في ظلّ التغيّرات الدوليّة الحاليّة.

سوق العمل العربي في 2024: تحديات واتجاهات مستقبلية (2/2)

سوف نستعرض في الجزء الثاني جملةً من السياسات المبتكرة التي يقدّمها التقرير عينه من أجل إنعاش سوق العمل العربي وضمان انتقالٍ عادلٍ في ظلّ التغيّر المناخي المتزايد.

أهميّة تهيئة عوامل تعزيز نموّ التصنيع في البلدان العربيّة وبخاصّة التصنيع الأخضر لتحقيق التنميّة المُستدامة

يُركّز التقرير في توصيّاته بشكلٍ لافتٍ على دور الاقتصاد "الأخضر" الناشِئ في خلق فرص عمل وتحقيق العدالة الاجتماعية المُدمَجة للنساء والشباب في ظلّ هذا الانتقال الأخضر. ومن أجل ذلك، يدعو التقرير إلى إجراء إصلاح لسياسات الاقتصاد الكلّي من أجل إحداث تحوّلٍ في هيكل الاقتصاديّات العربية يؤدّي إلى تعزيز دور القطاع الخاص في خلق الوظائف في عالم التغيّر المناخي.

ويركّز التقرير أيضًا على أهميّة تهيئة العوامل التي من شأنها تعزيز نموّ التصنيع في البلدان العربيّة، وبخاصّة التصنيع الأخضر لتحقيق التنميّة المُستدامة التي تخلق الوظائف مع ضرورة تهيئة بنيات تحتيّة تعتمد تكنولوجيا "البلوكتشاين" (Blockchain) والذكاء الاصطناعي لاعتباراتٍ عدّة، أهمّها أنّ القطاع الخاص يفتقر إلى تقديم خدمات ذات قيمة مُضافة عالية. وهنا لا بد من ذكر أهمية تكنولوجيا "البلوكتشاين" في توفير منصّات للتعاون والمتابعة بين المنتجين والوسطاء والمشترين ومختلف الشركاء المعتمدة في الاقتصاديّات الناشئة كالهند والصين. والحال أنّ العالم العربي بحاجة إلى إدخال أو إدماج هذه التكنولوجيّات الجديدة وسط تحوّل عالمي نحو الاقتصاديّات القائمة على الخدمات المدعومة بالتكنولوجيا الرقميّة.

نحن بحاجة إلى إعادة تصميم سياسات التعليم حتى تتوافق مع حاجات سوق العمل للمهارات العالية

تطوير المنصّات التكنولوجيّة لتسهيل التعاون بين مختلف الأطراف المشاركة في تقديم الخدمات ذات القيمة العالية، يقتضي في العالم العربي استحضار الرأسمال البشري المؤهّل لإنشاء وإدارة هذه المنصّات الرقميّة. ومعلوم أنّ التعليم التقني العالي الجامعي هو الذي يزوّدنا بالمهارات التي تحتاجها الصناعة أو الزراعة من خلال الاعتماد على التكنولوجيا التي ترفع من الإنتاجيّة وتُطوّر سلاسل الإمداد. وهنا نحن في العالم العربي بحاجة إلى إعادة تصميم سياسات التعليم بشكل مستمر حتى تتوافق مع حاجات سوق العمل للمهارات العالية وذلك بإشراك القطاع الخاص في تصميم العروض التعليميّة، كما يدعو إليه التقرير.

ونظرًا لانتشار النشاط غير المنظّم في أسواق العمل العربي والعجز عن العمل اللائق، يقترح التقرير من أجل إضفاء الطابع المنظّم على العمل والمنشآت على حدٍّ سواء، تحفيز الطلب على العمل المنظّم وتذليل العقبات وتبسيط الإجراءات لتسجيل الأعمال والعمال وضمان الحماية الاجتماعيّة الشاملة.

ولأنّ هناك فجوة "جنسانية" في التشغيل، حيث تُعتبر النساء أكثر المحرومين من الوصول إلى العمل في العالم العربي كما أظهرت البيانات التي تطرّقنا إليها في الجزء الأول من المقال، يقترح التقرير دعم تعليم النساء وتوظيفهنَّ من خلال تمكينهنَّ من المناصب القياديّة ومراجعة تصميم وتنفيذ سياسات مراعية للأسرة تُمكّن النساء من المشاركة في سوق العمل وتعزيز ريادة الأعمال النسائيّة حتى تتمكّن النساء من خلق وظائف لأنفسهنَّ ولغيرهنَّ.

وبسبب تحدّيات بيئة العمالة المهاجرة لبلدان مجلس التعاون الخليجي، يدعو التقرير إلى عمليّات استقدام هجرة عادلة وتحسين الوصول إلى المعلومات وإدراج إصلاحات قانونيّة شاملة وآليات إنفاذ متينة. ونظرًا لتنامي عدد اللاجئين والنازحين بسب التوتّرات في المنطقة العربيّة خارج بلدان المجلس، يُركّز التقرير على العدالة في سوق العمل بمحاربة التمييز ضد الوافدين إلى سوق العمل المحلي، موجِّهًا الدعوة إلى الاهتمام بالمساواة والعدالة في اقتصاديّات المنصّات الرقميّة وهي سوق عمل ناشئة في المنطقة.

تعاني المنطقة العربيّة من عدم توفر بيانات موثوق بها عن جانبَيْ العرض والطلب في سوق العمل، وهي البيانات التي توفّر المعلومات للذين يعرضون العمل من أصحاب المهارات والذين يطلبون العمالة من الشركات، كما تُمكّن نُظم متينة وحديثة للمعلومات من القيام بتحاليل موثّقة ودقيقة من قبل صنّاع القرار الحكومي أو التجاري لاتخاذ قرارات قائمة على الأدلّة.

ولأنّ الحوار الاجتماعي بين أطراف سوق العمل من عمّال وأصحاب عمل وحكومات، ما زال متواضعًا في المنطقة مقارنةً ببلدان أوروبا مثلًا (ألمانيا مثال في هذا الميدان)، فإنّ التقرير يدعو إلى تعزيز الحوار بين أطراف أصحاب المصلحة ذوي الصلة ومنهم الفئات الضعيفة والهشّة وغير المنظّمة، وإلى تعزيز استقلاليّة منظّمات العمّال ومنظّمات أصحاب العمل التي تعاني من التدخّل الحكومي في شؤونها الداخلية.

يدعو التقرير إلى التعاون الإقليمي العربي من أجل تعزيز تبادل المعارف والخبرات والموارد

استعرض التقرير مجموعةً من التوصيّات المتعلقة بسياسات الانتقال العادل، تجمع الأبعاد الاقتصاديّة بالاجتماعيّة والبيئيّة والتعليميّة والعمّاليّة، وتهدف من جهة إلى تعزيز الانتقال إلى اقتصادٍ صناعي أخضر حتى يكون هناك المزيد من الوظائف، كما تهدف من جهة أخرى إلى حماية الأفراد الأشدّ تأثُّرًا بهذا الانتقال حتى يكون انتقالًا عادلًا، داعيًا إلى إشراك القطاع الخاص في تمويل الانتقال الأخضر من خلال حوافز ضريبية وتبسيطية والسماح بوجود صكوك سياديّة خضراء لتمويل مشاريع الاستدامة، إلى جانب إلغاء دعم الطاقات الأحفورية مع دعم الفئات المتضرّرة.

في الأخير، وبهدف مواجهة مخاطِر التغيّر المناخي على سوق العمل في المنطقة العربيّة، يدعو التقرير إلى التعاون الإقليمي العربي من أجل تعزيز تبادل المعارف والخبرات والموارد الموزّعة في شبكات منفصلة لحدّ الآن من أجل تعزيز الموقف العربي في مفاوضات المناخ، وكذلك من أجل إيجاد حلولٍ للعمالة العربيّة المهاجرة عبر الحدود نتيجةً للتغيّر المناخي.


لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن