اقتصاد ومال

سوق العمل العربي في 2024: تحديات واتجاهات مستقبلية (1/2)

تضمّن تقرير منظمة العمل الدولية، المعنون بـ"التشغيل والآفاق الاجتماعية في الدول العربية: اتجاهات 2024. تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال انتقال عادل"، صورة شاملة عن خصائص سوق العمل في العالم العربي، وعرض العديد من التحديات الحالية التي تشهدها المنطقة وبعض الاتجاهات الناشئة الواعدة في ظل التغيّرات الدولية الحالية. وقد اتضحت من خلال التقرير الفوارق بين الدول الخليجية وغير الخليجية، أو الفوارق بين الذكور والإناث، وتأثيرات التوترات وعدم الاستقرار على العمالة والوظائف كما رسم سيناريوهات لمستقبل واعد.

سوق العمل العربي في 2024: تحديات واتجاهات مستقبلية (1/2)

تجاوز العالم العربي بحلول عام 2021 الانكماش الاقتصادي الذي تسبّبت فيه جائحة "كوفيد 19" خلال سنة 2020، حيث ارتفعت معدلات النمو الاقتصادي وتعافت الاقتصاديات العربية، كما تعافى الناس من الجائحة، لكن المفارقة أنّ سوق العمل لم يتعافَ وبقيت مؤشراته منخفضة وسلبية.

خلال عام 2023 كان هناك 17.5 مليون شخص في العالم العربي يرغبون في العمل لكن لم يجدوا طريقًا إليه

ولأنّ النمو الاقتصادي هو الذي يؤدي إلى خلق الوظائف، فإنّ التقرير الدولي يتوقع أن يستمر ارتفاع الناتج الإجمالي في العالم العربي بمعدل 3.5 بالمئة (في الخليج 3.7 في المئة وخارجه 2.6 في المئة)، لكن التوترات في المنطقة خاصّة في الدول غير الخليجية ستلقي بظلال الشك على هذه التوقعات مما سيؤثر على التشغيل وخلق الوظائف، أما الاقتصاد الخليجي فهو يتأثر أكثر بتقلبات سوق النفط.

فشلت الاقتصاديات العربية في خفض البطالة، حيث من المتوقع أن يصل معدل البطالة في المنطقة إلى 9.8 في المئة مع نهاية 2024، وهو معدل أعلى من معدلات ما قبل الجائحة، أي ما قبل 2020 رغم التعافي الاقتصادي في العالم العربي.

يكشف التقرير أيضًا عن عدة خصائص تهم سوق العمل العربي والعوامل التي تتسبّب في خفض البطالة رغم التعافي الاقتصادي بعد 2021. ويمتاز سوق العمل الخليجي أنّه سوق مجزّأ بين المواطنين والأجانب والقطاعين الحكومي والخاص والذكور والإناث حيث يُفضّل المواطنون العمل الحكومي والأجانب القطاع الخاص في بلدان مجلس التعاون الخليجي. أمّا سوق العمل غير الخليجي فيتأثر بعوامل عدم الاستقرار السياسي والنزاعات والأزمات الاقتصادية والضغوط السكانية، وهي العوامل التي تدفع بالمزيد من السكان الشباب لسوق العمل حيث كشف التقرير أنّه خلال عام 2023 كان هناك 17.5 مليون شخص في العالم العربي يرغبون في العمل لكن لم يجدوا طريقًا إليه مما ترجم إلى فجوة في الوظائف بلغت 23.7 في المئة.

11 مليون شاب عربي هم خارج التعليم والتدريب والعمل

وكشف التقرير عن انخفاض مساهمة القطاع الزراعي في خلق الوظائف على مدى العقود الماضية مقابل تنامي مساهمة قطاع الخدمات، أمّا القطاع الصناعي فيبقى دوره محدودًا في ظل غياب قطاع صناعي خاص راسخ. وتمتاز إنتاجية العمالة في هذه القطاعات بالركود منذ عشرين سنة خاصّة في بلدان مجلس التعاون.

ونظرًا لندرة الوظائف المنتجة والمنظمة ومدفوعة الأجر يتجه عدد متزايد من الأفراد نحو ريادة الأعمال. ومن اللافت للانتباه أنّه بالمقارنة مع نظيراتها في مجلس التعاون تظهر الدول غير الخليجية معدل انتشار أعلى للعمل الحر، وهو اتجاه تغذيه محدودية فرص العمل المنظم ويميل هؤلاء العمال غير الأُجراء في هذه المنطقة للعمل لحسابهم الخاص لا كأصحاب عمل. ويعود هذا الخيار بشكل رئيسي إلى التحديات التي يواجهونها عند محاولة توسيع أعمالهم.

في المقابل، يُعد العمل الحر أقل شيوعًا في دول مجلس التعاون، إذ تتوفر الوظائف مدفوعة الأجر في نطاق واسع عبر قطاعات متنوعة. بل إنّ معدل انتشار العاملين لحسابهم منخفض نسبيًا في هذه المنطقة حيث تميل بيئة الأعمال في دول الخليج إلى تفضيل الشركات الكبرى.

يواجه الشباب (15-24 سنة) البطالة أكثر من غيرهم بمعدل عمالة 19.3 في المئة (مقارنة بالكبار 53.3 في المئة)، والمقلق أكثر هو أنّ 11 مليون شاب عربي هم خارج التعليم والتدريب والعمل. أمّا الشابات العربيات، فإنّهن أكثر ضحايا هذا الهدر البشري للطاقات، حيث تعتبر الفتيات أكثر تهميشًا وأقل مشاركة في سوق العمل (19.8 في المئة مقارنة بمشاركة الذكور 74 في المئة) والنساء اللاتي يعملن أمامهن سقف زجاجي يمنعهن من الوصول إلى المناصب القيادية.

تمتاز البلدان العربية غير الخليجية أنّها مصدر للعمالة وتثير "هجرة الأدمغة" قلقًا كبيرًا في بلدان المنشأ 

تتميّز الدول العربية الخليجية بتاريخ حافل بتدفقات المهاجرين الوافدين إليها. ففي عام 2019 استضافت المنطقة 24.1 مليون عامل أجنبي أي ما يشكل 14.3 بالمئة من القوى العاملة المهاجرة على مستوى العالم. في المقابل تمتاز البلدان العربية غير الخليجية أنّها مصدر للعمالة الماهرة وغير الماهرة وتثير "هجرة الأدمغة" قلقًا كبيرًا في بلدان المنشأ حيث تفرغ من رأس مال بشري ضروري للنمو الاقتصادي.

وإلى جانب الهجرة الطوعية تواجه البلدان العربية من خارج مجلس التعاون تحديات الهجرة القسرية غير الرسمية بما في ذلك العدد المتزايد من اللاجئين والنازحين، وتُعتبر سوريا أكبر مصدر للاجئين في العالم حيث يبحث ملايين السوريين عن أماكن للجوء في البلدان المجاورة وغير المجاورة، وبات كل من لبنان والأردن من أكبر البلدان المستقبلة للاجئين مقارنة بعدد السكان. وشهدت اليمن والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة طفرة نزوح داخلي. وغالبًا ما يواجه اللاجئون صعوبات في أسواق عمل البلدان المضيفة لهم حيث ينافسون العمال المحليين ويلجأون إلى العمل غير المنظم بأجور منخفضة وظروف عمل غير ملائمة، مما يشكل ضغوطًا على الموارد والبُنى التحتية فتزيد بذلك التوترات بين الوافدين والسكان في المجتمعات المستقبلة.

كما سجّل التقرير ظهور اتجاهات ناشئة في سوق العمل العربي منها نمو اقتصاد المنصات الرقمية وهي حسب التقرير قد تضيف تعقيدات جديدة متعلقة بالأمان الوظيفي والأجور وساعات العمل المناسبة لها واحترام معايير العمل الدولية، ويدعو التقرير إلى استراتيجيات شاملة ومبتكرة حتى لا يتخلف أحد عن الركب.

وفي الأخير، يتوقع التقرير رغم مخاطر التغيّر المناخي أنّه من المحتمل أن تشهد الاقتصاديات العربية زيادة قدرها 200 مليار دولار أمريكي في الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى خلق 2 مليون وظيفة وذلك من خلال تبني سياسات صناعية قوية تؤدي إلى اقتصاد قادر على التكيّف مع التغيّر المناخي، أو ما اصطلح عليه "سيناريو المرونة المناخية".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن