قضايا العرب

"طوفان" سدّ النّهضة... الكارثة تقترب!

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

تُعيد سلسلة الزلازل التي تعرّضت لها إثيوبيا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، الجدل من جديد حول سيناريوات مُفزعة قد تتعرّض لها مصر والسّودان، جرّاء انهيارٍ محتمل لسدّ النّهضة قد يُخرج، حسب أكثر هذه السيناريوات تشاؤمًا، بلدًا مثل السّودان بكامله من خرائط الجغرافيا!.

تشير خرائط فضائيّة حديثة منسوبة إلى وكالة "ناسا"، إلى دخول إثيوبيا منطقة الفالِق الزلزالي الأفريقي، وهو ما يفسّر حسب خبراء، تعرّضها خلال فترة وجيزة لأكثر من سبع هزّات أرضيّة عنيفة في زمنٍ قياسي، باتت تُنذر بقرب حدثٍ زلزالي ضخم من شأنه أن يؤدّي إلى تدميرٍ كامل للسدّ، الذي يحمل خلف جداره ما يزيد على 65 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يجعله أقرب الى قنبلةٍ مائيةٍ قابلة للانفجار في أي لحظة!.

ولا يستبعد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، حدوث هذا السيناريو في ظل ما يمكن أن يسبّبه ضغط المياه المتراكمة خلف جسم السدّ، من تغيّرات كبرى في القشرة الأرضية للمنطقة الواقعة بالقرب منه، والتي تبعد نحو 600 كيلومترٍ فقط عن منطقة الانهيارات الأرضيّة التي تعرّضت لها منطقة "جوفا" في جنوب إثيوبيا في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما قد ينتهي إلى انهيارٍ مفاجِئ تجرف معه المياه المخزّنة خلف جسم السدّ بلدانًا بكاملها، بما فيها العاصمة السّودانيّة الخرطوم، فضلًا عن تشريد أكثر من 20 مليون سوداني يعيشون على طول "النّيل الأزرق".

وترسم العديد من الدراسات المتخصّصة، التي صدرت عن مراكز بحثيّة وعلميّة عدّة في مصر، صورةً مفزعة لما يمكن أن يتسبّب فيه انهيار السدّ الإثيوبي بكوارث على مصر والسّودان، تقترب إلى حدٍّ كبير، حسبما يقول شراقي، من "طوفان نوح" الذي ضرب الأرض في الأزمان الغابرة، وتحذر هذه الدراسات من أن السّودان سوف يدفع ثمنًا فادحًا لهذا الانهيار الكبير، فالمياه التي سوف تتدفّق على وقع انهيار السدّ (الذي يبعد عن الخرطوم نحو 500 كيلومترٍ فقط ويقع في منطقة أعلى من العاصمة السّودانية بنحو 350 مترًا) سوف تجرف في طريقها كل شيء، قبل أن تصل إلى سدَّيْ الروصيرص وسنار وتتسبب في انهيارهما، لتغمر المياه مدينة الخرطوم بأكملها في غضون دقائق، بحيث سيتراوح عرض الموج في المتوسط (حسب دراسة أعدها باحثون من المركز القومي لبحوث المياه وجامعة بنها حول تقييم مخاطر هذا الفيضان الكبير المحتمل) ما بين 10 و150 كيلومترًا في مدينة الخرطوم وحدها، فيما ستتراوح سرعة المياه في السدود الواقعة أسفل النهر ما بين 9 و36 مترًا في الثانية، قبل أن تتّجه الكارثة إلى مصر، لتصل المياه (حسب الدّراسة نفسها)، إلى بحيرة ناصر بعد نحو 22 يومًا و9 ساعات من الكارثة، وعندها سوف ينخفض مستوى المياه من 175 إلى 173 مترًا، بعدما ينجح "مفيض توشكى" في سحب ما يقدّر بنحو 300 مليون متر مكعّب يوميًا من المياه، ليبلغ إجمالي حجم المياه الواصلة إلى بحيرة ناصر ما يقدّر بنحو 43.25 مليار متر مكعّب بعد شهرين من الفشل.

إذًا الكارثة تقترب، حسب الدكتور شراقي، بعد وصول المياه المتسرّبة من سدّ النهضة بين الفوالق والشقوق الأرضيّة في منطقة الفالق الأفريقي العظيم، إلى نحو 20 مليار متر مكعب، وهي نسبة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في حدوث نشاط كبير لحركة الزلازل في المنطقة، التي تصنّف ضمن أكثر المناطق عُرضةً للنشاط الزلزالي المدمّر.

لكن السلطات الإثيوبية تتجاهل الأمر وتنفيه جملةً وتفصيلًا، وتعتبر أنّ كل ما يُنشر حول تعرّض السدّ لخطر الزلازل "ملفّق وعارٍ من الصحّة"، فالسدّ حسبما قال المدير العام للمعهد الجيولوجي الإثيوبي لوكالة الأنباء الإثيوبيّة قبل أسابيع، بُني بعد دراسة شاملة لتقييم المخاطر المحتملة من الزلازل والأحداث الجيولوجية الأخرى، وهو ما ينفيه الدكتور أحمد عبد الله الشّيخ، أستاذ الجيولوجيا المساعد في جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا بالولايات المتّحدة الأميركيّة، مشيرًا إلى أنّ حوض نهر "النّيل الأزرق"، يصنّف حسب العديد من الدراسات المتخصّصة باعتباره منطقة زلزاليّة نشطة، وهي حقيقة يجب التسليم بها، وأخذها دومًا في الاعتبار عند تصميم أي أعمال هندسيّة في المنطقة. ويقول الشّيخ: من وجهة نظر "تكتونيّة"، فإنّ المنطقة الممتدّة من شمال إريتريا حتى بحيرة مالاوي وموزمبيق، تدخل ضمن نظام الصّدْع في شرق أفريقيا، التي تشمل هضبة إثيوبيا الغربيّة، حيث يقع حوض "النّيل الأزرق"، وكما هو معروف علميًّا فإنّ نظام الصّدْع في شرق أفريقيا يصنّف منطقةً تتميّز بالصدوع الهشّة والأنشطة البركانيّة والزلازل، وهو ما يفسّر ما انتهت إليه العديد من الدراسات الحديثة، لناحية وجود كسورٍ في منطقة خزّان السدّ، وهي كسور يجب أن تثير مخاوف حقيقيّة، بشأن استقرار بناء سدّ النهضة، وتفرض على الدول الثلاث مصر والسّودان وإثيوبيا إدراج قضية استقرار السدّ على رأس جلسات المفاوضات المرتقبة، بل واعتبارها القضيّة المركزيّة الأولى في تلك المناقشات.

ويرى الشّيخ أنه لا بديل عن مواجهة تلك الكارثة المرتقبة، سوى سماح السلطات الإثيوبية لفريق دولي من الخبراء بتثبيت أجهزة رصد الزلازل في محيط خزّان سدّ النهضة، لمراقبة أي نشاط زلزالي أثناء عمليّات ملء وإيقاف الخزان، ونشر محطّات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لقياس أي تحرّكات للكتل "التكتونيّة"، ودراسة السّلوك المتوقّع للقشرة تحت خزان السدّ، وهي خطوة بالغة الأهميّة بالنظر إلى هبوط القشرة الملحوظ تحت مدينة هيوستن، بعد إعصار "هارفي" الذي ضرب تكساس في الولايات المتحدة الأميركية عام 2017.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن