مراجعات

عندما تحمل الآلات السّلاح: الذّكاء الاصطناعي نموذجًا

لم يسلم موضوع الذّكاء الاصطناعي من التفاعُل، محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، مع تبايُنٍ في مضامين ما يُنشر من دراساتٍ ومقالات، أو ما يُنظّم من مؤتمراتٍ وندوات. 

عندما تحمل الآلات السّلاح: الذّكاء الاصطناعي نموذجًا

إنّنا إزّاء ثورة رقميّة تفرض حضورها على الجميع، ولا تحتمل التجاهل كما جرى إقليميًّا منذ عقدٍ تقريبًا، حين كانت نسبةً لا بأس بها من أقلام الساحة العربيّة، تصرف النظر عن الخوض في الموضوع، بل منها ما كان يعتقد أنّ المسألة حينها تندرِج في باب الترف الفكري إلى أن فرضت الثورة نفسها على الجميع، مما يُفسّر بعض أسباب التفاعل أعلاه، الكمّي والنّوعي، بما في ذلك مقالات صدرت في منصّة "عروبة 22" ومنها على الخصوص المقالات التي تطرّقت إلى التوظيف العسكري الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي في الحرب على قطاع غزّة.

في سياق قراءة مضامين هذه التّفاعلات، نجد التّفاعلات الاختزاليّة والمتواضعة، كما نجد التّفاعلات النوعيّة والرصينة، ونزعم أنّ الكتاب الذي نتطرّق إلى بعض مضامينه في هذه المقالة، يندرج في الشقّ الثاني من القراءات.

الحديث عن كتابٍ حديث الإصدار في الساحة الفرنسيّة، لمؤلّفته لور دي روسي روشغوند، وصدر تحت عنوان "الحرب في عصر الذّكاء الاصطناعي: عندما تحمل الآلات السلاح".

والباحثة للتذكير، هي مديرة المركز الجيوسياسي للتقنيّات في المعهد الفرنسي للعلاقات الدوليّة (IFRI) منذ فبراير/شباط 2024. عمِلت سابقًا باحثةً في مركز الدراسات الأمنيّة في المعهد منذ مارس/آذار 2020، حيث اشتغلت بالتّحديد على التطبيقات العسكريّة للذّكاء الاصطناعي والصّراع المعياري والحدّ من الأسلحة، وهي باحثة مشاركة أيضًا في مركز البحوث الدوليّة، ومقرّه باريس.

يُسلِّط الكتاب الضوء على نقاط القوة والمعضلات الأخلاقيّة لأنظمة الأسلحة التي تعمل بالذّكاء الاصطناعي

ترى المؤلِّفة أنّه في عالم الاختصارات العسكريّة، يشير مصطلح "الأنظمة المسلّحة المستقلّة الفتّاكة" إلى الروبوت القاتل، والذي لا يزال حاليًّا في طور التجريب ــ إلّا في أفلام الخيال العلمي ــ بل ربّما لن يتمّ تطوير هذه الروبوتات الذكيّة في المستقبل القريب، وعِوض ذلك، يعرف العالم صعود جيلٍ من منظومات الأسلحة التي تتضمّن استقلاليّةً إلى درجات قد تكون في الواقع عاليةً جدًا بالفعل، ولكنها تظل مُبرمجةً لإجراءات محدّدة وتفتقر إلى حرّية التصرّف بشكلٍ مستقلّ في بيئة معقّدة ولا يمكن التنبّؤ بها. ومن بين الأمثلة العمليّة في هذا السياق، حالة روبوت الحراسة SGR-A1 الذي صمّمته شركة "سامسونغ تيكوين"، ونشرته كوريا الجنوبيّة في المنطقة المنزوعة السّلاح بين الكوريتَيْن.

يُسلِّط الكتاب الضوء على نقاط القوة ومعها المعضلات الأخلاقيّة لأنظمة الأسلحة التي تعمل بالذّكاء الاصطناعي، ويُحسبُ للمؤلِّفة التوقّف عند مجموعةٍ من الأسئلة المرتبطة بهذه المعضلة التي تجمع الأسلحة بالذّكاء الاصطناعي، أي معضلة الروبوتات القاتلة، ومنها: هل يمكن للمسؤولين اليوم، في ضوء التطوّرات الرهيبة للذّكاء الاصطناعي، التحكّم بشكل كلّي في الروبوتات القاتلة؟ ماذا ينطوي استخدام هذه التقنيّات؟ ما هي آثارها على من يستخدمونها، وعلى الخصوم الذين يواجهونها؟ هل يمكن لهذه الثورة أن تُعيد النّظر في طبيعة العلاقات الدوليّة، والأمر عينه مع تأثير هذه المعضلة في العلاقة بين الدولة ومواطنيها؟ وأخيرًا، هل تتوافق هذه الروبوتات مع قوانين الحرب؟

تنتشر الأنظمة الآليّة بين قدراتٍ عسكريّة هجوميّة أو دفاعيّة، مما يُقلّل من سرعة اتخاذ القرار أو السماح بعمليّاتٍ محفوفةٍ بالمخاطر، لكن دخول الأسلحة التي تعمل بالذّكاء الاصطناعي يعقّد الأمر أكثر، حتى مع تأكيد العديد من الدّول والمؤسّسات العسكريّة رغبتها في أن يبقى الإنسان المسؤول الأول عن صنع القرار الخاص في هذا المضمار، لكن المؤلِّفة تحذّر من أنّ سيناريو الهروب الذي يتبعه انتشارٌ سريعٌ على نطاقٍ عالمي لأنظمة الأسلحة فائقة السّرعة، والتي من المحتمل أن تكون قادرةً على التفوّق على جميع مستويات الذّكاء البشري في المستقبل، هذا السيناريو أصبح الآن متوقّعًا.

روبوتات عسكريّة أصبحت قادرة على استخدام القوّة بمفردها وليست الحرب في غزّة ولبنان سوى ترجمة للمخاوف

تضيف المؤلِّفة أنّ التقدّم الرّهيب لتقنيّات الذّكاء الاصطناعي والروبوتات، وخصوصًا تطبيقها في مجال الدفاع، يعطينا لمحةً عن ظهور أنواعٍ جديدة من الروبوتات العسكريّة، التي أصبحت أكثر استقلاليّة، أي قادرة على استخدام القوّة بمفردها، وهو التخوّف عينه الذي تطرّقت إليه العديد من الأعمال البحثيّة خلال السنوات الماضية، إلّا أنّ الجديد مع هذا العمل، كونه يهمّ شنّ الحروب في حقبة تتميّز بكثرة الصراعات الاستراتيجيّة، وليست الحرب في قطاع غزّة والضفّة الغربية ولبنان، سوى ترجمة للمخاوف أعلاه.

في الشقّ القانوني الخاصّ بالموضوع (حتى نترك الشقّ الأخلاقي أو في الأحرى الشقّ الإنساني بمقتضى إعادة النّظر في هذه المرجعيات في ضوء أحداث السّاحة في المنطقة العربيّة على الأقلّ) ترى المؤلِّفة أنّ هذه الروبوتات الذكيّة تساهم في تعقيد المفاوضات لتنظيم القوانين، كما تساهم في تعقيد حسابات الذّكاء الاصطناعي العسكري، وإن كانت مجموعة من المناقشات قائمة منذ عام 2013، في مجلس حقوق الإنسان بدايةً وأيضًا مع اتفاقيّة الأسلحة التقليديّة المعيّنة، ومع أنّ هذه الأخيرة تُعتبر بؤرة النّقاش العالمي حول استقلاليّة منظومات الأسلحة، إلّا أنّها لا تثير ضجةً تُذكر وفقًا للجمعيّات المعنيّة بهذه القضايا المصيريّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن