يتنوّع المُناخ في المنطقة العربيّة بين الصّحراوي والمُناخ المُتوسّطي المُعتدل مرورًا بالمُناخ شبه الجاف ووصولًا إلى المُناخ المداريّ في أقصى الجنوب العربي، وهي أنواع من المُناخ ملائمة لطائفةٍ واسعة من النّباتات الطّبيّة والعطريّة.
النّباتات العِطريّة والطّبيّة ومُستخلصاتها مطلوبة في الأسواق الدّوليّة ما يجعلها مصدرًا للعملات الأجنبيّة
تكمن الأهميّة الاقتصاديّة للنّباتات الطّبيّة والعِطريّة والأعشاب الصّحراويّة، في استخداماتها في العديد من الصّناعات المُهمّة مثل صِناعة العُطور ومُستحضرات التّجميل والأدوية وكلّها مُنتجات ذات قيمة تسويقيّة عاليّة وهذا يجعل النّباتات العِطريّة والطّبيّة أكثر ربحيّة مقارنةً بالمحاصيل التّقليديّة، كما أنّ هذه النّباتات ومُستخلصاتها مطلوبة في الأسواق الدّوليّة ما يجعلها مصدرًا للعملات الأجنبيّة.
وتصل المساحة المزروعة بالنّباتات العِطريّة والطّبيّة في المنطقة العربيّة حاليًا إلى نحو ٥٠٠ ألف هكتار بالإضافة إلى ما ينمو منها بصورة طبيعيّة في المناطق الصّحراوية، وهي تُعرف بالأعشاب الصّحراوية، ومنها أنواع نادرة تتميّز بها الصّحاري والبوادي العربيّة.
وتساهم منطقة شمال أفريقيا (المغرب العربي) بنسبةٍ كبيرة من الإنتاج العربي في النّباتات العِطريّة والطّبيّة، بحيث تبلغ مساحة المناطق المزروعة بهذه النّباتات نحو ١٢٠ ألف هكتار، وتتميّز كلّ من تونس والجزائر بإنتاج النّعناع والزّعتر واللّافندر ومشتقّاتها، والّتي تُصدّر إلى فرنسا. كما تُعدّ المملكة المغربيّة واحدة من أكبر منتجي الزّعفران في العالم، وهو يُصدّر بأسعارٍ مرتفعة نظرًا لجودته إلى أوروبا وأميركا.
أمّا مصر فتزرع حوالى ٤٠ ألف هكتار من النّباتات الطّبيّة والعِطريّة وتُنتج ١٥٠ نوعًا منها، كالياسمين الذي تحتكر مصر ٧٠٪ من الإنتاج العالمي منه ويُستخلص منه أنواع من الزّيوت الّتي تُصدّر إلى معظم الدّول الأوروبيّة، محقّقةً عائداتٍ سنويّة تصل إلى حوالى ۳۰۰ مليون دولار.
ويزرع السّودان حوالى 10 آلاف هكتار من النّباتات الطِّبيّة والعِطريّة، حيث يصدّر الكركديه والحِنّاء والصِبّار والصّمغ العربي، وهي نباتات تتميّز بجودة عالية وشهرة في الأسواق العالميّة.
وإذا نظرنا إلى الشّطر الآسيوي من العالم العربي، فإنّ سلطنة عُمان تمتلك تراثًا غنيًّا في إنتاج اللّبان، وهو أحد المكوّنات الأساسيّة للعطور.
وتقود الإمارات والسّعوديّة تصدير العطور في العالم العربي، حيث بلغ حجم صادرات العطور من الإمارات حوالى 1.5 مليار دولار في عام 2022، فيما تحتلّ السّعوديّة المرتبة الثّانية بحجم صادرات بلغ 700 مليون دولار.
الأعشاب الطّبيعيّة تدخل في إنتاج الأدوية العشبيّة وبعض هذه الأعشاب تكاد تنفرد بها المنطقة العربيّة
وتزرع السّعوديّة والإمارات حوالى ٨ آلاف هكتار من النّباتات الطّبيّة والعِطريّة التي تجود زراعتها في الطّقس الصّحراوي، وتتميّز السعودية بإنتاج الوَرد الطّائفي المشهور برائحتِه العِطريّة المميّزة، بحيث تُنتج أكثر من ٥٠٠ طن سنويًّا وتصل قيمة الصّادرات منه إلى حوالى ٢٠٠ مليون دولار سنويًّا بالإضافة إلى صادراتها من العود والمِسك، وهي تُعتبر من أكبر مصدّري هذه العطور.
كما تزرع الإمارات المحاصيل ذات المُناخ الصّحراوي مثل الصِبّار والرّيحان بالإضافة إلى ما تستورده من باقي البلدان العربيّة من مُستخلصات العطور كونها مركزًا عالميًّا لتصدير العطور وتعتمد العديد من العلامات التّجاريّة الفاخرة، وتساهم بأكثر من ٢٠٪ من صادرات العطور لكافّة دول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، لقد منحت الطّبيعة العالم العربي أيضًا ثروةً إضافيّة من دون الحاجة إلى أيْ أنشطة زراعيّة، وهي الأعشاب الطّبيعيّة التي أثبتت الأبحاث مدى أهمّيتها وهي تدخل في إنتاج الأدوية العشبيّة التي تُعدّ مساعِدةً للأدوية التّقليديّة، كما أنّها توفر خيارًا للمرضى الذين يفضّلون العلاجات الطّبيعيّة، وأصبح هناك طلب متزايد على تلك الأدوية في الأسواق العالمية. وبعض هذه الأعشاب تكاد تنفرد بها المنطقة العربيّة، الأمر الذي يجعلها مجالًا جذّابًا للاستثمار من قبل شركات الأدوية.
الدول العربية بحاجة إلى زيادة الدّراسات والأبحاث المتخصّصة في تحسين جودة الإنتاج من خلال المُمارسات الزّراعيّة الحديثة
لكن على الرّغم من بعض النّجاحات الّتي تحقّقت في مجال زراعة وتصدير النّباتات العِطريّة والطّبيّة بالعالم العربي، إلّا أنّ هناك العديد من التّحدّيات التي يجب مواجهتها للتوسّع في إنتاجها وتعظيم الاستفادة منها.
وتتمثّل تلك التّحدّيات في حاجة معظم الدول العربية، إلى زيادة الدّراسات والأبحاث المتخصّصة في تحسين جودة الإنتاج من خلال المُمارسات الزّراعيّة الحديثة التي تهدف إلى زراعة الأصناف ذات الإنتاجيّة العالية وتطبيق النُظم التّكنولوجيّة الحديثة في عمليات الاستخلاص وإنتاج المستحضرات ذات الجودة العالية.
من ناحية أخرى، يواجه المصدّرون من الدّول العربيّة منافسةً شديدةً من دول أخرى مثل الهند وتركيا ما يؤكّد حتميّة تطوير المُنتجات العربيّة والإلتزام بمطابقتها للمعايير الدّوليّة للتّصدير. كما يجب تشجيع المُزارعين المحليّين على التوسّع في زراعة النّباتات الطّبيّة والعِطريّة من خلال توفير القروض والدّعم الفنّي.
على البلدان العربيّة الاستفادة من خصوصيّتها التّاريخيّة في مجال العلاج بالأعشاب وإنتاج العُطور
ومن الأهميّة بمكان عدم الاكتفاء بتصدير النّباتات العِطريّة والطّبيّة، بل يجب تعزيز عمليات تصنيعها وتحويلها محليًّا لمُنتجات نهائيّة.
ويجب على البلدان العربيّة الاستفادة من خصوصيّتها التّاريخيّة في مجال العلاج بالأعشاب وإنتاج العُطور والتي تُعتبر جزءًا لا يتجزّأ من التّراث الثّقافي العربي، الأمر الذي يُتيح التّسويق لهذه الأعشاب وطرق العلاج بها كعلامات تجاريّة تنافس مثيلاتها في كافّة الأسواق العالميّة.
كما يمكن استغلال شهرة بعض النّباتات، مثل الورد الطّائفي الذي تشتهر به المملكة العربيّة السّعوديّة لجذب السّياح إلى مناطق زراعته، ولخلق ما يمكن تسميته بسياحة الورود والنّباتات العِطريّة.
(خاص "عروبة 22")