في الحرب العالميّة الأولى كانت الكيمياء هي التّكنولوجيا المُسيطرة، وجدنا ذلك في البارود والقنابل... إلخ. الفيزياء تصدّرت المشهد في الحرب العالميّة الثّانية متمثّلةً في القنبلة الذريّة. في الحرب العالميّة الثّالثة سيكون الفضاء السّيبراني هو أرض المعركة، أي أنّ التّكنولوجيا أصبحت أكثر أهميّة من ذي قبل وبالتّحديد التّكنولوجيا الرّقميّة.
وسائل الاتّصالات جعلت العالم قريةً واحدة تتحرّك فيها المعلومات وتتوالد
هذا العالم الرّقمي الذي نعيش فيه يعتمد على تكنولوجيّات عديدة تتفاعل فيما بينها:
- رقائق الكومبيوتر (Chips) والتي تدخل في تصميم أغلب ما نستخدمه في حياتنا من السّيارة والطّائرة إلى الخدمات البنكيّة والحكوميّة واستخدام الإنترنت وحتى التّلفون المحمول والسّاعة الذّكيّة.
- تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعي الذي أصبح حديث العالم في السّنوات العشر الماضية.
- تكنولوجيا تصميم الحاسبات فائقة السّرعة.
- تكنولوجيا إنترنت الأشياء.
- تكنولوجيا الاتّصالات.
القائمة أطول من ذلك كثيرًا، ولكنّنا ذكرنا التّكنولوجيّات الأكثر شهرةً وأهميّة. في الجزء الأول من مقالنا هذا سنستعرض بعض هذه التّكنولوجيّات، ثم نسأل عن حال الوطن العربي تجاهها لنُنهي بـ"روشتة" للمستقبل في الجزء الثاني من المقال.
عندما تتفاعل على مواقع التّواصل الاجتماعي فإنّك تتعامل مع أجهزة كومبيوتر عملاقة تُدير هذه المواقع
نسمع منذ الصّغر أنّنا في عصر السّرعة أي أنّنا نريد أن نحصل على نتائج أي عمل بسرعة وننجز أي مهمّة بسرعة، لكن في الوقت عينه أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا، عدد السّكان في ازدياد ووسائل الاتّصالات جعلت العالم قريةً واحدة تتحرّك فيها المعلومات وتتوالد، وإنجاز أي مهمّة يحتاج إلى معلومات. كمّ هذه المعلومات أصبح ضخمًا ويفوق قدرة الطّاقة البشريّة على التّعامل معه لإنجاز أي مهمّة بسرعة لذلك احتجنا إلى أجهزة الكومبيوتر.
حتى نستخدم أجهزة الكومبيوتر في كل مناحي الحياة نحتاج إلى "الرّقمنَة" أي تحويل كل شيء إلى الشّكل الّذي يفهمه الكومبيوتر، أي من الورق والسّجلّات إلى داخل وحدات التّخزين في أجهزة الكومبيوتر. على سبيل المثال، إذا أردنا تغيير اتّجاهات مرور السّيارات في بعض الشّوارع لتقليل الاختناقات المُروريّة والحوادث فذلك يَستلزم بيانات عن عدد السّيارات الّتي تمرّ في كل شارع على مدار اليوم وعدد الحوادث والاختناقات المُروريّة لعدّة أشهر أو حتّى سنوات، ثم يتمّ تحليل تلك البيانات لمعرفة أفضل اتّجاه مروري لكل شارع. هذه المهمّة قد تستغرق أشهرًا إذا قامت بها مجموعة من البشر لكن الكومبيوتر يقوم بها في عدّة ساعات وأقلّ.
الكومبيوتر موجود الآن في كل مكان: في ساعتِك أو هاتفِك المَحمول أو التابلِت، وحتّى عندما تتفاعل على مواقع التّواصل الاجتماعي فإنّك تتعامل مع أجهزة كومبيوتر عملاقة تُدير هذه المواقع. أجهزة الكومبيوتر بمختلف أشكالها تعتمد على رقائق الكومبيوتر، والمصانع المسؤولة عن تصنيع تلك الرّقائق عددها قليل في العالم على رأسها شركة (TSMC) التّايوانيّة الّتي تُصنّع أكثر من نصف الرّقائق في العالم، وعندما حدث الإغلاق نتيجة وباء "كوفيد" أثّر ذلك في تصنيع الرّقائق وبالتّالي في جميع المُنتجات الّتي نعتمد عليها من أجهزة الكومبيوتر إلى السّيارات والطّائرات.
الأجهزة المتناهية الصّغر والعملاقة تحتاج إلى برمجة مختلفة عن البرمجة العاديّة التي يستخدمها أغلب المبرمجين
أجهزة الكومبيوتر العملاقة تحتوي على الآلاف من تلك الرّقائق. مع التّقدّم في صناعة أجهزة الكومبيوتر والزّيادة الكبيرة في قدراتِها الحسابيّة، أصبح بالإمكان استخدام برمجيّات الذّكاء الاصطناعي على نطاقٍ واسع، هذه البرمجيّات تحتاج إلى قدراتٍ حسابيّة كبيرة لإعطاء نتائج أقرب إلى الصّحّة. إذا نظرنا إلى الجانب الآخر من أجهزة الكومبيوتر وهي الأجهزة الصّغيرة جدًّا التي يمكن وضعها في مجسّات (sensors) لتحليل التّربة مثلًا وتحديد ما إذا كانت تحتاج لسماد أكثر أو للرّيْ، أو يمكن وضعها في الطّرق لحساب عدد السيارات الّتي تمرّ في الطّرق وسرعتها والاختناقات المروريّة... إلخ. هذه الأجهزة متناهية الصّغر هي ما نُطلق عليها الآن إنترنت الأشياء الذّكيّة. في الماضي، كانت تلك الأجهزة مجرّد مجسّات تقيس المطلوب وترسله عبر الانترنت لأجهزة كومبيوتر قويّة تقوم بتجميع البيانات ثم تحليلها، أما الآن فإنّه يمكن وضع أجهزة كومبيوتر صغيرة داخل تلك المجسّات وتقوم بعمل التّحليلات الأوّليّة وتُرسِل نتائج تلك التّحليلات لأجهزة الكومبيوتر القويّة لتقوم بتحليلات أكثر عُمقًا. طبعًا كل تلك الأجهزة من المتناهية الصّغر حتى العملاقة تحتاج إلى طرق في البرمجة مختلفة عن البرمجة العاديّة التي يستخدمها أغلب المبرمجين.
بعد هذه الرّحلة السّريعة في عالم التّكنولوجيا نُجيب في الجزء الثاني من هذا المقال عن السّؤال الجوهري: أين نحن من كل هذا في الوطن العربي؟.
(خاص "عروبة 22")