أوضح البيان المشترك لوزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والصومالي أحمد معلم فقي، دعم مصر لسيادة الصومال وسلامة أراضيها، مع الالتزام بإعلان أنقرة الذي جسّد مصالحة مؤقتة بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
مشاركة عسكرية
وارتبط الحديث عن أهمية الإسراع في تشكيل البعثة الأفريقية الجديدة في الصومال، وتوفير التمويل اللازم لها، بتأكيد فقي تطلع بلاده لمشاركة مصرية "نوعية وفعالة"، على خلفية ما وصفه بالقدرات العسكرية المصرية المتطورة وخبراتها الممتدة في مكافحة الإرهاب. وكان لافتًا حرصه على الاشارة إلى بروتكول التعاون العسكري مع مصر في أغسطس/آب المنصرم، وإدراجه حضورها العسكري في إطار مساندة جهود الجيش الصومالي لمكافحة الإرهاب وصيانة مقدرات الدولة، من دون إغفال تأثير الاضطرابات في المنطقة والبحر الأحمر على حركة التجارة والملاحة الدوليّتين.
مصر، التي جهزت فعليًا وحدات عسكرية للاشتراك ضمن القوات الأفريقية في الصومال، نجحت في عزل هذا التحرك، بمنأى عن التوتر مع إثيوبيا، على خلفية السنوات الـ13 من المفاوضات العبثية، حول تشغيل سد النهضة.
تحرك الصومال باتجاه القاهرة، تزامن مع تحرك براغماتي مماثل، لكن بدرجة أقل، صوب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عبر زيارة لوزير الدولة الصومالي للشؤون الخارجية علي عمر.
اتهامات جديدة ومخاوف قديمة
وبرغم ما مثلته وساطة تركيا، من فرصة لتهدئة المخاوف، لكنها تجددت بعدما اعتبرت الحكومة الصومالية أنّ هجوم القوات الإثيوبية على مواقع لقواتها العسكرية والأمنية، وأسفر عن سقوط ضحايا عسكريين ومدنيين، يمثّل انتهاكًا صريحًا لإعلان أنقرة وعلاقات حسن الجوار، ويتزامن مع إرسال وفد صومالي رفيع المستوى إلى أديس أبابا.
وجدد هذا التطور، اتهامات الصومال لإثيوبيا، بزعزعة الأمن والاستقرار، بسبب إرسال أسلحة جوًا في مدينة كسمايو بالجنوب، عقب احتجاجات محلية، بينما اعتبر الرئيس الصومالي أنه من غير المقبول على الإطلاق منع الجيش الوطني من الذهاب إلي أي منطقة في البلاد، في إشارة إلى تمركز أثيوبيا في عدة مدن صومالية.
يعني هذا عودة المخاوف بشأن الحرب، التي تختمر بين الطرفين، على خلفية مذكرة التفاهم المثيرة للجدل، بين أديس أبابا وإدارة إقليم "أرض الصومال"، العام الماضي.
ويثير الهجوم الأثيوبي شكوكًا حول إعلان أنقرة، الذي لعبت واشنطن دورًا محوريًا فيه، عبر تشجيع آبي أحمد على حضوره، قبل أن يعلن إردوغان أنّ الرئيس الصومالي سيقدّم الدعم اللازم لتحقيق ما وصفه آبي أحمد، بـ"وصول آمن وموثوق به" إلى البحر الأحمر.
لكن السفير الصومالي في القاهرة، علي أواري، أبلغ "عروبة 22 "، أنّ هذا الاتفاق لا يتعارض مع اتفاقية الدفاع العسكري التي أبرمتها بلاده مع مصر مؤخرًا، مشيرًا إلى أنّ الحديث ليس عن قواعد عسكرية، بل موانئ تجارية فقط.
طمأنة القاهرة
وفي محاولة لطمأنة القاهرة، أكد الصومال احتفاظه بالسلطة النهائية لاختيار الدول المساهمة في القوات الأفريقية، ما فسّر غياب إثيوبيا، عن اجتماع ترأسه مؤخرًا وزير الدفاع الصومالي، في العاصمة مقديشو، لقادة قوات الدول المشاركة في القوات الأفريقية.
ما بين الترحيب بأي اتفاق يدفع نحو الاستقرار والتنمية في المنطقة، وبين الشكوك حول تفرّغ آبي أحمد لمراقبة مصر وإفشال خططها في القرن الأفريقي، ترى القاهرة أنّ هذه التطورات تعزز دورها الإقليمي، على حساب الطموح الأثيوبي.
الطموح التركي
وبدا أنّ تركيا، بصدد انتهاز النجاح النسبي، الذي حققته، عبر محاولة أردوغان، استغلال عملية أنقرة، كما وصفها لحل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، لعرض الوساطة في سبيل حل الخلافات بين السودان والإمارات.
وعزز هذا الطموح، إشادة عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس الانتقالي السوداني، بجهود تركيا لإحلال السلام في المنطقة والإقليم ومواقفها الداعمة لبلاده. وتركيا النشطة في القرن الأفريقي للوصول إلي التنقيب عن النفط والغاز، تواصل حضورها، بعدما بنت في الصومال أكبر قاعدة عسكريّة لها في الخارج، كما أنّها ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا.
نوايا إثيوبية
ومثلت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إثيوبيا فرصة لإعادة إحياء سلاح البحرية، في إطار اتفاق عسكري منذ عام 2019، يشمل مساعدتها كدولة حبيسة في بناء قوة بحرية، رغم ضخامة التمويل.
بينما وجهت مصر، برفضها أي تواجد لأي طرف غير مشاطئ للبحر الأحمر، ضربة حيوية لطموح إثيوبيا البحري، باعتبارها مسألة استراتيجية لنظامها الحاكم، وعمودًا فقريًا لسياسة آبي أحمد، منذ صعوده للسلطة عام 2018، كونه مكلفًا بإعادة إحياء الإمبراطورية الإثيوبية القديمة، إذ تتمحور عقيدته حول "حتمية" الوصول البحري سلمًا أو حربًا، وأنّ الفشل يعني الصراع.
وعلى الرغم من تعقيدات المشهد في القرن الأفريقي، تعزز مصر نفوذها في الصومال وعينها على إثيوبيا، التى تخلط نواياها السياسية بتحركات عسكرية مريبة هناك، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التحركات تستهدف فعليًا دعم الاستقرار.. أو أنها مقدّمة لصراع إقليمي أوسع!.
(خاص "عروبة 22")