المرأة العربية

استفحال العُنف ضدّ التونسيّات: عندما تُسَنُّ القوانين ولا تُطبَّق!

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

ارتفعَ منسوبُ العُنْفِ المُسلط ضدّ النّساء وتَزايدَت جَرائِمُ قَتْلِهِنَّ في تونس، خلال السّنوات الأخيرة لتصلَ إلى أرقامٍ مُفْزِعَة دَفَعَت الجمعيّات النّسويّة لدقّ ناقوس الخطر. وتعاني النّساء في تونس من هذا الخَطر في ظلِّ التّطبيعِ مع العُنفِ القائمِ على النّوع الاجتماعي، وعدمِ نَجاعةِ النُّصوصِ القَانونيّة، والإفْلاتِ من العِقاب، وغياب السّياسات النّاجعة الكفيلَة بحمايَةِ النّساء.

استفحال العُنف ضدّ التونسيّات: عندما تُسَنُّ القوانين ولا تُطبَّق!

في يونيو/حزيران المَاضي، أقدمَ رجلٌ على ذَبْحِ زوجتِه في الطّريق العامّ في ثاني أيام عيد الأَضْحَى في محافظة القَيْرَوَان (وسط غرب) بعد مطاردتِه لهَا. وكانت الزّوجة قد حَاولَت الفِرارَ من زوجها الذي قامَ بِتعنيفِها، ولكنّها لم تَستطِع الإفلاتَ منه ليُمسِكَ بها ويَطعنهَا في عدّة مواطِن من جَسَدِهَا ثم يَقوم بِذَبْحِهَا قبل أن يتدخّل الجيران ويُمسكوا به.

أَثارَت هذه الجريمة المُروِّعَة صدمةً كبيرةً في تونس، بعد أن باتَ قتْلُ النّساء وذَبحهنَّ يحدث على قارعة الطّرقات وعلى المَلأ. ولكنْ لم يُغيِّر ذلك من التّعاطي الرَّسمي مع هذه الظّاهرة بحيث تَلَت هذه الحادثة حوادث قتْل أخرى طالت عددًا من النّساء في عدّة محافظات بالبلاد، ليتمّ تسجيل 25 جريمة قتل للنّساء منذ بداية سَنة 2024 ولغاية نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها، مُوزّعةً بين 15 ولاية، 87 بالمئة من الضّحايا تتراوح أعمارهنّ ما بين 18 و59 عامًا. علمًا أنّه خلال سنة 2023 سُجِّلَ أيضًا 25 جريمة قتل. بينما تَضاعفَ عددُ جرائمِ قتلِ النّساء أربع مرات ما بين يناير/تشرين الثاني 2018 و30 يونيو/حزيران 2024، حسب تقريرٍ لوزارة المرأة والطُّفولة وكبار السّن.

وعلى الرّغم من تِرسانةِ التّشريعاتِ التي يُمكن الاعتمادُ عليها لمحاسبَة الجُناة وحمايةِ النّساء ضحايَا العُنف، وخاصّة القانون الرّقم 58 لسنة 2017 المُتعلّق بالقَضاء على العُنف ضدّ المّرأة، إلّا أنّها ظَلَّت "حبرًا على ورق" ولم تَلتزِم مختلف الجِهات المعنيَّة (الأمن والقضاء) بالتّطبيق الشّامل والجادّ للقانون.

وفي العام 2017، تبنّى البرلمان التّونسي قانونًا لمُناهضَةِ العُنفِ ضدّ المَرأة وُصفَ حينَها بـ"الثّوري"، واعتُبِرَ أحد أهمّ الأطُر القانونيّةِ الهادِفةِ إلى تحقيقِ القضاءِ على العُنف الجَسدي والمَعنوي والجِنسي والاقْتصادي والسّياسي ضدّ المرأة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتَضَمُّنِه العديد من التّدابير المُهمّة لحمايةِ النّساء من العُنف. حيث عُرِّفَ العُنفُ ضدّ المرأة على أنّه "كلّ اعتداء مَادّي أو مَعنوي أو جِنسي أو اقتصادي ضدّ المرأة أساسُه التّمييز بسبب الجِنس والّذي يتسبَّبُ في إيذاءٍ أو ألمٍ أو ضررٍ جَسديٍ أو نَفسيٍ أو جِنسيٍ أو اقتصاديٍ للمَرأة ويشملُ أيضًا التّهديد بهذا الاعتداء أو الضّغط أو الحِرمان من الحُقوق والحرّيات سواء في الحياة العامّة أو الخاصّة". ونصّ على عقوبات مادّيَّة وأحكام مُشدّدة بالسّجن ضدّ المُخالفين، وفرض على الدّولة تأمين الحِمايةِ للمُعَنَّفَاتِ، وألزمَها بتوفيرِ الرّعايةِ الصّحيّةِ والنّفسيّةِ والقانونيّةِ للنّساءِ في مواجهةِ ظاهرةِ العنف.

ولكنْ على الرّغم من أهمّية هذا القانون، إلّا أنّ النّساء ضحايا العُنف في تونس، يُعانَيْنَ من تقاعسِ مختلفِ السّلطاتِ في تطبيقِ القانون، إذْ لا تُبدي الشّرطةُ أي رغبةٍ في تطبيقِ القانونِ ومساعدةِ النّساءِ اللّاتي يلجأنَ إليها بسببِ العنف، وتُبالغُ في طلبِ إثباتِ حصولِ العُنف ما يجعلُهنَّ يتردَّدْن في اللّجوء للشّرطة على الرّغم من تَعَرُّضِهِنَّ للعُنف. كما تواجهُ النّساء تَحَيُّزَ أغلب القُضاة للرّجال ورفضهِم تطبيق القانون الرّقم 58 وإصدارهِم أحكامًا مُخفَّفَة ضدّ المُعَنِّفِين ما يشجع الرّجال على تكرار العُنف ضدّ النساء طالما أنّ العقوبات مُخفَّفَة، هذا فضلًا عن عدم توفّر التّخصُّص لدى القضاة في مجال العُنف ضدّ النساء.

من جهةٍ أخرى، لا تعملُ السّلطاتُ التّونسيّة على توفير ميزانيّات لتطبيقِ القانون، بخاصّة ما يتصل بمسألة تأمينِ مراكز إيواء للنّساء ضحايا العُنف اللّاتي يَضْطَرِرْنَ للعودةِ إلى منزل المُعتدِي عليهنَّ بسبب عدمِ توفُّر المَأوى، ليكون مصيرُ بعضهنَّ القتل!.

الحُقوقيّة التّونسية، فتح الله غنيمة، تقول لـ"عروبة 22": "على الرّغم من أهمّية القانون الرّقم 58 وقوّته، نشهد تقاعُسًا في تطبيقِه وتنفيذِه من طرفِ مؤسّساتِ الدّولة بالصّرامةِ والجِدِّيَّةِ اللّازمتَيْن، مع أنّ هذه الخُطوة تُعتبرُ مدخلًا أساسيًّا لإنقاذِ النّساء من العُنفِ الذي يصل في بعض الأحيانِ لجرائمَ قتل. ولعلّ الأمرَ الأكثر إثارةً للقلق هي الأحكامُ التي يُصدرهَا القُضاة ضدّ الجُناة في ملفّات قتلِ النّساء، والتي لا توازي غالبًا حجْمَ الجريمةِ المُرْتَكَبَةِ، وهذه معضلة كبيرة تُساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في تزايُد العُنف ضدّ النّساء وارتفاع جرائم القتل ضدّهنّ. كما أنّ تَكرار العُنف ضدّ النّساء وارتفاع جرائم قتلهِنَّ يعود إلى عدم معالجة إشكالاتِ العنف ضدّ النساء بأبعادِها المَادِّيَّة والنَّفسيّة المُختلفة، وحالة اللّامبالاة التي تواجِهُ بها الدّولة هذه الظّاهرة".

وكشف تقريرٌ صادرٌ عن مركزِ البُحوثِ والدّراساتِ والتّوثيقِ والإِعلامِ حول المرأة "الكْرِيديِف" الحكومي، في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ العُنفَ النّفسي هو أكثرُ أنواعِ العنفِ ضدّ النِّساء في تونس. وقد بلغت نسبتُه 44.4 بالمئة، يليه العُنف اللّفظي بـ26.7 بالمئة، ثم العُنف الجِنسي بـ15.6 بالمئة، والعُنف الاقتصادي بـ11.4 بالمئة، ثم العُنف الجَسدي بـ5.3 بالمئة.

وقُدِّرَت نسبةُ الزّوجات المُعنَّفَات، وفق التّقرير واستنادًا إلى تصريحاتِ المُسْتَجْوَبَاتِ بـ41.8 بالمئة، يليها العُنف في الأماكن العموميّة بـ28.1 بالمئة، فيما بلغت نسبة النّساء المُتعرِّضات للعُنف في الوسطَيْن العائلي والزّوجي 58 بالمئة أي أكثر من النّصف.

وكانت وزارة الأسرة والمَرأة والطُّفولة وكِبار السِّنّ التّونسيّة، قد أعلنت سابقًا عن ارتفاع العُنفِ ضدّ المرأة في تونس، وأنّ العنف الزّوجي بات يُمثّل أعلى نسبة من أشكالِ العُنف المُسجّلة من حالاتِ العُنف الذي تعاني منه النّساء، إذ تلقّى "الخطّ الأخضر" 1899 الذي تضعُهُ الوِزارة في خدمة النّساء المُعنَّفَات خلال الربع الأوّل من عام 2023، زهاء 921 حالة عُنف، منها 654 حالة القائمُ بالعنفِ فيها هو الزّوج، أي بمعدّل 71 في المئة، مع العلمِ أنّه في الربع الأوّل من عام 2022 بلغت إشعارات العنف الزّوجي 168، أي أنّ الظاهرة تَضاعفَت أكثر من ثلاث مرّات!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن