التحديات الماثلة أمام القمة الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما غداة إعلان روسيا انسحابها من مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، بالتزامن مع إعلان الهند منع تصدير الأرز الأبيض، باتت تفرض على الدول العربية تعاطيًا مختلفًا من أجل ضمان أمنها الغذائي، خصوصًا أنّ الأرقام تُظهر تعاظم المخاطر على هذا الصعيد، وقد يكون أحد أبرز عناوين القمة الواجب طرحها هو الذهاب إلى "التكامل" الغذائي العربي، في ظلّ توفّر العوامل التي تتيح تحقيق الاكتفاء الذاتي، سواء على مستوى العوامل الطبيعية والموارد البشرية المتاحة لدى بعض الدول العربية، أو لناحية الإمكانات المالية المتوافرة لدى بعضها الآخر.
وكانت قمة الجزائر التي عُقدت العام الماضي، قد وافقت على عدة خطط، منها البرنامج المستدام للأمن الغذائي العربي والوثائق المكمّلة له، والاستراتيجية العربية للتنمية الزراعية المستدامة، ومبادرة تحسين النوعية التكنولوجية للقمح المنتج محليًا، واستدامة المراعي العربية وغيرها. مع العلم أنّ التركيز غالبًا ما ينصبّ على القمم العربية العادية، التي تحضر فيها الملفات السياسية والأمنية، أكثر من تلك الاقتصادية والاجتماعية، حيث أنّ الدورة السابقة لقمة نواكشوط كانت تلك التي عُقدت في بيروت عام 2019.
من المتوقع أن يصل عدد سكان الوطن العربي في العام 2050 إلى نحو 797 مليون نسمة
في آذار الماضي، صدر تقرير أممي يؤكد أنّ المنطقة العربية لم تكن أصلًا "على الطريق الصحيح" لتحقيق التنمية المستدامة بشأن القضاء على الجوع وتحسين التغذية، وأنّ جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا تسبّبتا في تفاقم الوضع، من خلال خلق اضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة. هذه النقطة تحديدًا تبيّن أنّ الأمن الغذائي العربي ليس بيد الدول العربية، التي تستورد نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح، و75% من الذرة، و55% من الأرز، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية.
الأخطر من الأرقام الحالية، هو ما تكشفه التوقعات بالنسبة إلى المستقبل، حيث كانت المنظمة العربية للتنمية الزراعية قد أشارت، ضمن البرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي الصادر في العام 2022، إلى أنّ حجم الطلب الكلّي العربي على الغذاء يتطوّر عامًا بعد آخر، مدفوعًا بالزيادة السكانية الكبيرة، مع تفاقم المشكلات الموردية والإنتاجية، موضحةً أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان الوطن العربي في العام 2050 إلى حوالى 797 مليون نسمة، وفق تقديرات متحفّظة، ما يزيد على الأعداد في الأوضاع الراهنة بنحو 92%، وهي النسبة التي تمثّل الحد الأدنى لنسبة زيادة الطلب على الغذاء في ذلك العام.
كما لفتت المنظمة إلى أنه، وفق التطورات النمطية الجارية، سترتفع الفجوة الكمّية من الغذاء من حوالى 101 مليون طن في الأوضاع الراهنة إلى حوالى 131 مليون طن في العام 2030، ثم إلى حوالى 190 مليون طنّ في العام 2050. كما سترتفع الفجوة من مجموع الحبوب من 79 إلى 103 ثم إلى 152 مليون طن، وللسكر من 8.6 إلى 11.1 ثم إلى 16.5 مليون طن، ولمجموعة الزيوت من 3.5 إلى 4.5 ثم إلى 6.7 مليون طن، ولمجموعة اللحوم من 3.8 إلى 4.1 ثم إلى 6.1 مليون طن.
السؤال الأساسي: ما الأسباب التي تحول دون الذهاب إلى التكامل العربي؟
وفي حين تُعتبر التغيّرات المناخية والتدهور البيئي والنمو السكاني السريع والأوضاع الاقتصادية الصعبة، أبرز العوامل التي تؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والغذائي لهذه الدول، وعلى قدرتها في تلبية حاجات مواطنيها من الغذاء، فإن السؤال الأساسي يبقى حول الأسباب التي تحول دون الذهاب إلى التكامل العربي في هذا المجال، على اعتبار أنّ مواجهة المخاطر في هذه الحالة ستكون أفضل، وربما تكون هي الحل الوحيد المتاح بالنسبة إلى غالبية الدول العربية، لا سيما تلك التي ليس لديها موارد مالية كبيرة، لكنها في المقابل تمتلك اليد العاملة والمساحات الزراعية الكبيرة.
باختصار، لم يعد من الممكن والجائز التساهل في التعامل مع تحديات الأمن الغذائي العربي، قياسًا على التهديدات التي تطال غالبية الدول العربية، بحيثّ أن فاتورة استيراد الغذاء في الوطن العربي بلغت نحو 40 مليار دولار، ومن المتوقع ارتفاعها إلى 90 مليارًا في عام 2050، بحسب ما أكد المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية إبراهيم الدخيري في حزيران الماضي... فهل تكون قرارات القمة المنتظرة في موريتانيا بحجم هذه التهديدات، أم تبقى الأمور على ما هي عليه اليوم؟
تجدر الإشارة إلى أنّ التقرير الإقتصادي العربي الموحد (ص 85)، الصادر في العام 2022، كان قد اقترح مجموعة من الخطوات، التي رأى أنّ على الدول العربية القيام بها من أجل تحقيق التكامل الزراعي وتوفير الأمن الغذائي، منها:
- وضع البرامج والخطط للعمل المشترك لتحقيق تكامل الموارد، بهدف تحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي في المنطقة العربية.
- وضع سياسة زراعية عربية مشتركة، يتمّ إقرارها في إطار جامعة الدول العربية، لا تستثني أي دولة منها، وينبثق عنها سياسات زراعية قطرية ملائمة.
- التخطيط الإستراتيجي لإنجاز التنمية الزراعية وتحقيق الإكتفاء، والأمن الغذائي، وتوفير القدرة على مواجهة الأزمات المختلفة والحفاظ على الإستقرار الإجتماعي.
- تخصيص الأموال اللازمة لاستثمار الموارد المتوافرة من الأراضي والمياه والثروة الحيوانية والسمكية بالكفاءة المطلوبة، وتحويل الجزء الأكبر من الأموال المخصصة للاستيراد إلى انتاج الغذاء.
- وضع البرامج الملائمة لإدخال التقانات الزراعية والرقمية على نطاق واسع في الزراعة العربية.
(خاص "عروبة 22")