اقتصاد ومال

ترند "الطبقية" في مصر: الساحل "الطيّب" و"الشرير"!

القاهرة - منى أبو النصر

المشاركة

مع دخول فصل الصيف تجدّد الصراع على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بين مجموعات تقترب في تعصّبها وانحيازها إلى مشجعي "الألتراس"؛ مجموعة تشجع فريق "الساحل الطيّب"، والأخرى تنحاز إلى "الساحل الشرير"، وثالثة تهاجم الاثنين باعتبارهما لا يمثّلان عموم الشعب المطحون.

ترند

اتجهت الأنظار مع ارتفاع درجات الحرارة في يونيو/حزيران الماضي، إلى الساحل الشمالي، وهو وجهة لقضاء فصل الصيف الأشهر في مصر، ولكن هذه المرة ارتبط بمسألة المُغالاة اللافتة في أسعار الخدمات التي يقدّمها الساحل لزبائنه، وهو الانتقاد الذي تمّ تسليط الضوء عليه مع بداية الموسم الصيفي عبر منشورات ومقاطع فيديو حازت على متابعات واسعة لعدد من المُدوّنين، والفنانين والفنانات.

لعل أشهرها مقطع فيديو للفنانة المصرية الشابة جوري بكر، تندّرت فيه وتذمّرت من سعر زجاجة المياه التي وصلت إلى 200 جنيه (6.5 دولارات) في بعض المحال، متهمةً أصحاب الكافهيات بسرقة الناس واستغلالهم، إنتوا حرفيًا بتسرقوا الناس.. يعني إيه عيّل صغير يروح يجيب إزازة مياه بـ200 جنيه، هيّ مياه من الجنّة!".

وفي مقطع آخر على "يوتيوب" تحدثت المحامية والناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان عن تجربتها في "الساحل الشرير" الذي اضطرت فيه لشرب كوب من الشاي بمبلغ 150 جنيه (5 دولارات تقريبًا).

على هذه الوتيرة، سرعان ما توالت التدوينات الموسومة بتعبير "الساحل الشرير"، كناية عن هذا المكان الذي لا يتسع سوى لأصحاب الطبقة العليا من المجتمع، القادرين على تملّك وحدات بالملايين في هذا الموقع الراقي، أو مُجاراة نمط الحياة "الاقتصادي" المرتفع به.

وبعد وصفه بـ"الشرير" مدّ رُواد مواقع التواصل الخيط بطرافة، ودشّنوا وسمًا نقيضًا بعنوان "الساحل الطيّب" الذي يعبّر عن بعض المناطق التي تنتمي جغرافيًا للساحل الشمالي ولكنها تقع خارج نطاق المنتجعات الباذخة، فأسعاره معقولة نسبيًا سواء في الإقامات الفندقية أو الإيجارات أو حتى مشتريات الشاطئ، ويحمل هذا الانتماء لـ"الساحل الطيب" وصفًا رمزيًا لهؤلاء الذين لا يستطيعون مُجاراة نمط الحياة الصاخب وتكلفتها العالية في نظيره "الشرير".

انقسم شاطئ البحر المتوسط في شمال مصر إلى شاطئين، أحدهما "طيّب" ويضم القرى السياحية التي تمتد من منطقة سيدي كرير غرب الإسكندرية وتصل إلى مركز الحمام أول مراكز محافظة مرسى مطروح، والثاني "شرير" يبدأ من "مراسي" ويصل إلى ما قبل مدينة مرسى مطروح.

"فين أيام الساحل الطيّب؟" تتساءل الفنانة المصرية الشابة ملك زاهر عبر حسابها على "انستغرام"، في مُواكبة لـ"ترند" صار الأشهر بين ترندات مواقع التواصل.

وحسب آمال عصام الدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، فإنّ "مشاركة الفنانين والفنانات الشباب في هذا الترند، عبر الشكوى من ارتفاع أسعار الساحل، ضخّم من الانطباع بأنّ هناك هُوّة اقتصادية واسعة تفصل بين رُواد الساحل الشمالي وغيرهم، خاصة أنّ هؤلاء الفنانين محسوبين ضمن الفئة الاقتصادية الأعلى دخلًا، حسب الصورة النمطية لهم مُجتمعيًا". كما تقول في حديثها مع "عروبة 22".

ويُعدّ الساحل الشمالي من أطول سواحل البحر المتوسط في شمال أفريقيا، ويشير الخبير السياحي المصري محمد كارم إلى أنّ الساحل الشمالي بدأ في ترسيخ شهرته كمنتجع سياحي ووجهة لقضاء الصيف مع نهاية الثمانينات، بالتزامن مع تأسيس منتجعات تتيح أنشطة ترفيهية واسعة وأشهرها "مارينا"، وما تلاها من منتجعات أحدث وأكثر فخامة، وأعلى سعرًا مثل "مراسي"، و" هاسيندا".

ويُعتبر الساحل الشمالي وجهة استثمارية جذابة ليس للمطوّرين العقاريين وشركات السياحة المصرية والعربية فحسب، بل انضمّ عدد من مشاهير الفن إلى الاستثمار في تلك المنطقة، كان آخرهم المطرب المصري الأشهر عمرو دياب الذي ارتبط في العقد الأخير بالساحل من خلال حفلاته الصاخبة كاملة العدد، لكنه هذا العام أضاف نشاطًا آخر إلى الحفلات الغنائية، إذ افتتح قبل شهور شاطئًا خاصًا في منطقة "مراسي" والتي تُعدّ إحدى أفخم وجهات الساحل، وهو الافتتاح الذي حضره لفيف من الشخصيات عامة ورجال الأعمال.

ويرى كارم في حديثه مع "عروبة 22" أنّ "الساحل الشمالي استحوذ على اهتمام الرأي العام منذ سنوات، لا سيما مع بدء استضافته حفلات لنجوم الصف الأول، مثل عمرو دياب وتامر حسني وغيرهما، ما كان يثير جدلًا واسعًا مع تسريب أسعار تذاكر حفلاتهم للجمهور، والتي تصل إلى أرقام فلكية، ومع ذلك كان يتم الإعلان عن نفاد التذاكر وسط تساؤلات عن أصحاب القدرة المالية على شراء تلك التذاكر".

ويضيف الخبير السياحي: "الساحل الشمالي كموقع ووجهة بارزة للسياحة الساحلية، يتّسع للعديد من المستويات الاقتصادية ما بين المتوسطة والفاخرة، لذلك فإنّ أسعار الخدمات داخله تتراوح هي الأخرى حسب كل منتجع أو فندق، ولكنّ وسائل التواصل عادةً تُسلّط الضوء على الأماكن ذات الأسعار الباهظة، وهذا في حدّ ذاته يثير الفضول والتساؤلات حول تلك الأماكن بما يزيد من شهرتها بالجدل المُثار حولها" كما يقول.

وتشير هنا أستاذة علم الاجتماع آمال عصام الدين، إلى ما تُطلق عليها "ثقافة الساحل" التي صارت ترتبط بالعديد من الانقسامات "الطبقية" منذ سنوات حسب تعبيرها، وتقول: "قبل تصاعد "ترند" الساحل الطيّب والساحل الشرير، كان هناك انقسام سابق مُحتدم حول ملابس البحر، ما بين (بيكيني) و(بوركيني) الذي ارتبط هو الآخر بنظرة طبقية تحمل كثيرًا من التعالي من جهة، والتهكّم من جهة أخرى من أنصار كل فريق".

وترى الباحثة الاجتماعية أنّ "الترند" كظاهرة في حد ذاته يُغذّي هذا التناحر، فهو يلعب على فكرة المُفارقات، و"كلما اتّسعت المفارقة كلّما اشتعل "الترند"، وخطورة هذا الأمر يكمن في تأثيره الاجتماعي، عبر تزكية أفكار مُجتمعية لا تؤدي إلا لمزيد من الاحتقان في وقت نعاني فيه أزمة اقتصادية غير مسبوقة".

وتفاقمت في مصر منذ العام الماضي، أزمة اقتصادية تجلّت تبعاتها في انخفاض سعر العملة المحلية بنحو 50 في المئة أمام الدولار، ما أدى إلى ارتفاعات قياسية في أسعار السلع والخدمات، وموجات متعاقبة من التضخم الذي قفز معدله إلى 38.2% بحسب آخر بيان للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وسط توقعات بارتفاعه مجددًا، ما يحمّل الطبقات الفقيرة والمتوسطة أعباء جديدة، ويدفعها إلى إعادة النظر في تخصيص أجزاء من دخلها للرحلات المصيفية أو الترفيه بشكل عام.

مع ذلك، وحتى الآن، يبدو أنّ "الساحل الشمالي" قادر على خلق ضجة موسمية كل عام، خاصة مع قدرته على اجتذاب رجال الأعمال والفنانين في أمسيات صاخبة، يلهث الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي خلف صورها ومشاهدها، وكأنّ "نشرة أخبار" الساحل الشمالي باتت فقرة صيفية ثابتة في مصر، بكلّ ما تثيره من فضول وانقسامات و"ترندات" يشارك فيها البعض، بعد تجارب عملية، فيما يتابعها أغلب الناس كمتفرجين فقط يتفاعلون ويحلمون... ويتحسّرون.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن