بين غزة وستالينجراد

بعد 470 يومًا من الإبادة والتجويع، انتصر الغزاويون على أعتى عدوان عنصري، وأكبر عملية تطهير عرقي عرفها العالم في تاريخه الحديث، مفشلين مشروع "الهولوكوست الفلسطيني"، فلا القنابل القاتلة والمحرمة دوليًا أو المجاعة أو البرد أو المرض أو التنكيل الوحشي من قبل المحتل، استطاعت كسر صمودهم وإجبارهم على مغادرة أرضهم.

هذا الصمود الأسطوري فاق في عظمته ما أخبرنا به التاريخ، عن صمود ستالينجراد الروسية أمام جحافل النازي خلال الحرب العالمية الثانية، فحصار ستالينجراد دام نحو نصف عام، بينما دام حصار وقصف غزة عامًا وثلاثة أشهر، ومثلما مثلت ستالينجراد باكورة اندحار الجيش النازي، فإن غزة وضعت بداية نهاية حلم النازي الصهيوني الجديد.

والهدنة التي تمت الأحد الماضي، ليست انتصارا لجهود بايدن أو ترامب، أو تنازلًا قدمه نيتانياهو وحكومته العنصرية، ولكنها ثمرة كفاح دفع الغزاويون ثمنه غاليا دماء الشهداء والمصابين والمشردين، فهذا الصمود العظيم من شعب أعزل، أمام جيش احتلال مدعوم من قوى عالمية بأعتى الأسلحة، هو ما أجبر نيتانياهو وحكومته على القبول بما سبق أن رفضوه في مايو الماضي، ودفع صحيفة "هآرتس" (الإسرائيلية) للقول: "الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم".

إن الهدنة ليست نهاية المطاف، فهي هدنة هشة نسجت في بيت عنكبوت، يكشف هشاشتها تصريح نيتانياهو السبت الماضي بأن بايدن وترامب منحا إسرائيل الحق في العودة للقتال، في إشارة لبحثه عن أدني سبب يتيح له خرقها، فالحلم الصهيوني في التوسع والتمدد في الأرض العربية، لا يزال قائمًا توضحه المخططات الاستيطانية التي وضعها المتطرف سموتريتش، لمصادرة أراضي الضفة الغربية، وإحلال مستوطنين محل سكانها العرب، ولإفشال المخطط لابد من اتحاد كلمة الفصائل الفلسطينية، وعمل عربي وإسلامي فاعل ومؤثر، يستفيد من الحراك الذي أحدثه "طوفان الأقصى" عالميًا، لإقامة دولة فلسطين الحرة في حدود ما قبل 1967م.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن