أمّة عربية ديموغرافية بلا حدود (70% من الشباب)، وغنيّة بالموارد البشرية والمادية، ولديها استثمارات طموحة وفاعلة مع الأسواق العالميّة، لكن على مسافة بعيدة من المؤشّرات الدوليّة المعتمدة في مواردها ومخرجاتها وبيئاتها الحاضِنة لاكتساب التكنولوجيا وآليات تحفيز الابتكار واستثماره في موازاة الإنتاج والخِدمات في بقاع العالم.
هل يفتقر العرب إلى إعداد الأطر الكفؤة للانخراط بفعالية في مضمار التفاعل البنّاء، وتكوينها وتحفيزها في مجالات حيويّة والبناء على جذور علميّة ومعرفيّة ولّدت حواضِر ٳنسانية، قبل أن تنطلق ظواهر مستحدثة في طريقِها ٳلى الأفلاك والنّجوم، مثل شركات الـ"غافا" بمخصصّاتها ومخرجاتها وأسواقها وبورصاتها المالية (10 تريليونات دولار).
المليارات التي يستثمرها العرب في الخارج تساعد على الهيمنة وتدعم الرغبة الٳمبريالية عند ترامب
إنّ ثورة الرؤساء التنفيذيّين في وادي السيليكون وهم ينافسون بقوّة على مزايا المسارات المختلفة نحو مستقبل "ما بعد الٳنسان"، حيث يحل الذّكاء الاصطناعي محل البشر، أو الرّكيزة البيولوجية، تفترضُ أن يكون للعرب وبقية العالم فيها مكان من التميّز في البحث العلمي بفضل تنوّع ثقافاتهم، واكتسابهم القدرة على الدفاع عن قيَمهم.
العالم العربي ليس وحده الذي يفقد سحره، ويصبح الأمر مرعبًا عندما يتمّ فصل العرب وأوروبا عن المستقبل في مواجهة الولايات المتحدة والصّين، والوقت الحاضر هو الأمثل قبل وصول العالم إلى المجهول.
مستقبل العرب مرهون بحجم الاستثمارات المطلوبة منهم لتوظيفها في تطوير منح تكنولوجية (تستثمر الولايات المتحدة الأميركية 500 مليار دولار في البنى التحتية للذّكاء الاصطناعي)، مع العلم أنّ بعض الدول العربية باتت تشهد جهودًا مكثّفةً بهذا الاتجاه. أما ما تمّ إنشاؤه من مراكز للأبحاث وحاضنات للتكنولوجيا، فقد مُنِحَ لاستضافة شركات، غالبًا ما تمثّلها شرائح النّخبة ومكاتب إقليمية للشركات الأميركية أو المتعدّدة الجنسية، ولا تضع المشكلات التنمويّة المُلحّة بين أولوياتها، ولا توفِّر في نهاية المطاف فرصًا وفيرة لعمل الشرائح الشابة (نموذج Meta).
المليارات التي يستثمرها العرب في الخارج تساعد على الهيمنة، وتدعم الرغبة الٳمبريالية عند دونالد ترامب، ومن المؤكّد أنّ هذه الاستثمارات تسمح بالنّشر المكثّف للأدوات ذات القدرات العربية على تأسيس منصّاتها الخاصة. هذا يندرج في اقتصاد حرّ وسوق من المنافسة، ويمكن أن يستخدم العرب الأسلحة نفسها في السّياق نحو الابتكار وتعزيز مكانة الشركات العربية بشراكات عالية الجودة، ويمكن اتخاذ موقف بهذا الشأن، والمصادر مفتوحة بروح "ديب سيك" في الدعاية لصالح النظام الصّيني وبمحتوى يُشبه المستخدِم العربي.
لا يشكو العرب من التعزيز الجيني، أو المواجهات التاريخانية مع الابتكارات والعلوم التي سبقوا العالم ٳليها، وسيكون ٳطلاق ورش تسمح على المدى الطويل بالنّهوض من الاستعمار البشري للكون (ٳيلون ماسك). وهذا يتطلّب تنظيمًا حكوميًّا ومزيدًا من البحث العلمي والتفاعل الاقتصادي والأنظمة الديموقراطية التي تسمح بالتنافس على قدم المساواة، والعرب لديهم التراث الثقافي والفني والخوارزمي والمكتبات والبيانات المفيدة لذلك.
دعونا نعتقد أنّ أصولنا تسمح بذلك مع عدم تجاهل مخاطِر الواقع مثل النزاعات الأهليّة والمجاعات والهجرات والفقر المدقع، واعتبار أنّ التطور آتٍ بمستقبل آخر غير الاستثمار مع ماسك وزملائه من أصحاب المليارات.
يحتاج العالم العربي ٳلى الذين يحقّ لهم أن يفرضوا أنفسهم على العالم بأحلامهم الجامحة وبمنصّات خاصّة بهم
لن يحدث هذا قبل تطوير العرب لأنفسهم، وهم لا يرون أي سبب للإذعان للأشخاص الأقل موهبة، الذين يعتقدون أنّ طريق اليوتوبيا الابتكارية التكنولوجية خاصّة بهم.
عرْض الخدمات ليس عالميًّا فحسب، بل ٳنه يستهدف جميع المواطنين المتّصلين، ويجب التقدّم في القدرة على تقديم الخدمات بشكل مباشر لصالح الناس.
يحتاج العالم العربي ٳلى الذين يحقّ لهم أن يفرضوا أنفسهم على العالم بأحلامهم الجامحة، وبمنصّات خاصّة بهم، من دون الإضرار بقيمه الإنسانيّة أو إنكارها، شرط التصميم على محاربة اليأس في الحرب الإيديولوجية/التِّكنولوجية، كما فعلت الصين في خلق التزامات بمنصّات خاصّة (تيك توك)، وأجيال جديدة من الذّكاء الاصطناعي AI. الأهم هو تحديد خريطة الطريق والرؤية.
(خاص "عروبة 22")