العرب وطموح الوحدة

لعلّنا نستوعب دروس "المجلسَيْن"

في السادس عشر من مثل هذا الشهر في عام 1989 جرى الإعلان عن قيام مجلس التعاون العربي الذي ضمّ مصر، والعراق، والأردن، واليمن. وعندما استرجعَت الصحف ذكرى قيام الاتحاد في ذلك اليوم من ذلك الشهر، فإنّها نشرت صورةً تجمع الرئيس حسني مبارك، والرئيس صدام حسين، والملك حسين، والرئيس علي عبد الله صالح، وهُم يستقلون سيارة مكشوفة، ويلوّحون للجماهير على جانبَيْ الطريق، بينما السيارة تشقّه الى آخره في القاهرة.

لعلّنا نستوعب دروس

لا بدّ أنّ الكثيرين منّا يذكرون الآن أجواء قيام المجلس وإعلان نشأته. يذكرون ذلك ولسان حالهم يقول: أين مجلس التعاون العربي وأين أيامه، بلْ أين الحكام الأربعة الذين غادروا الدنيا من بعدها واحدًا تلو الآخر؟ صحيح أنّ ثلاثة منهم غادروا الحكم بطريقة دراميّة، وصحيح أنّ الملك حسين جاء بطائرته من مستشفاه في الولايات المتحدة الأميركية إلى بلاده في مشهد لا نزال نذكره، ولكنّ مشهد مغادرة الثلاثة الدرامي موضوع آخر، وكذلك بالطبع المشهد المؤثِّر لعودة الملك.

الموضوع هو كالآتي: لماذا لم يصْمد المجلس، ولماذا انقضى سريعًا، ولماذا لم يعد يذكره أحد؟ لماذا هذا كله مع حاجتنا كعرب الى أن تبقى الصيغة الاتحادية التي قام بها المجلس حيَّةً بيننا طول الوقت؟

إنّ ما يُقال عن مجلس التعاون العربي، يُقال بالدرجة نفسها عن الإتحاد المغاربي الذي قام هو الآخر ذات يوم بين ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، ثم لم يكن حظّه في البقاء على قيد الحياة بأفضل من حظّ مجلس التعاون العربي.

الوضع الاقتصادي وأوضاع أخرى متقاربة بين دول مجلس التعاون الخليجي هو ما رجّح نجاح صيغته

ومن قبل، كان الحظ ذاته في انتظار تجربة الوحدة التي قامت بين مصر وسوريا عام 1958، ثم لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات، عاد بعدها كلّ بلد من البلدين إلى المربّع الأول الذي انطلقت منه التجربة بينهما.

هذه تجارب ثلاث قامت ثم لم يعد لها أثر، ولم يعد لها وجود إلّا في كتب التاريخ التي تؤرّخ للفترة التي قامت فيها كل تجربة على حدة، وقد كان المنتظر أن يكون الوجود والتواجد للتجارب الثلاث على الأرض وفي واقع الناس، لا هناك في صفحات التاريخ المكتوبة.

ربما يكون الاستثناء الوحيد في هذا الملف، هو مجلس التعاون الخليجي، الذي قام بين دول الخليج الست ثم دام واستمرّ على عكس التجارب الثلاث، وهو لم يستمر فقط، ولكنّه يضيف إلى كِيانه في كلّ سنة ما يؤهله لأن يبقى، ويأخذ من قمّته التي تنعقد في كل سنة ليضيفَ إلى قمّة السنة التالية، وتتحدث رئاسته هذه الأيام عن قطار يربط الدول الست، وعن التنقّل لمواطنيها ببطاقة الهوية لا بجواز السفر، وعن أشياء أخرى كثيرة ترجّح البقاء له والتطوّر في اتجاه اكتمال ملامح التجربة.

فما السبب؟ أو ما هو الشيء الذي نشأ مع مجلس التعاون الخليجي فجعله يبقى؟ وما هو الشيء الذي افتقدته الصِّيَغُ الأخرى في المقابل فلم يرجّح لها البقاء، ولا الاستمرار، ولا القدرة على القفز فوق العقبات التي تعترض الطريق.

أظنّ من بين الأسباب أنّ تقاربًا في مستوى المعيشة والدخل كان موجودًا ومتاحًا في حالة مجلس التعاون الخليجي، ولم يكن موجودًا ولا متاحًا في حالة الاتحادات والمجالس الثلاثة الأخرى، فالمَثَلُ الإنكليزي يقول ما معناه، إنّك إذا أحببْت أن تقارِن فلتكن المقارَنة بين برتقالة وبرتقالة، لا بين تفاحة وبرتقالة، وإلّا فإنّ المقارنة تبقى خاطئة وفي غير محلّها.

علينا أن نكرر صيغة مجلس التعاون الخليجي بين دول عربية أخرى ولا نقع من جديد في خطأ مجلس التعاون العربي

مجلس التعاون الخليجي قام بين برتقالة وبرتقالة، أو بين تفاحة وتفاحة، إذا تحدّثنا بمنطق المثل الإنكليزي الشهير. والمقصود بالبرتقالة أو التفاحة هنا هو الوضع الاقتصادي بالأساس، أو الحالة الاقتصادية، أو الكيان الاقتصادي في كل بلد من البلاد الستة، وبالطّبع كانت هناك أوضاع أخرى متطابقة، أو متشابهة، أو متقاربة بين الدول السّت، وهذا ما رجّح نجاح الصيغة وبقاءها.

ولو طبَّقنا المثل الإنكليزي نفسه على الاتحاد الأوروبي فسوف نجده صحيحًا، ولذلك دام الاتحاد واستمر، ولو شئنا الدقّة لقلنا إنّه تطوّر باستمرار من اتحاد للفحم والصلب في البداية، إلى سوق أوروبية مشتركة، إلى اتحاد قائم، وماثل، وقوي.

وحتى لا نكون كمن يقارِن بين برتقالة وتفاحة، فإنّ علينا أن نعقد مقارنةً بين مجلس التعاون الخليجي وبين مجلس التعاون العربي، فنتوقف أمام صيغة الأول في المستقبل ونكرّرها بين دول عربية أخرى بخلاف الدول الست، ولا نقع من جديد في خطأ الثاني... هذا إذا شئنا أن نستوعب دروس المجلسَيْن.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن