موقف عربي جيد

بما أن كثيراً من الخبراء والمحللين يتحدثون عن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رجل عملي برغماتي يؤمن أساساً بالصفقات والحلول العملية، ولا يؤمن إطلاقاً بقواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي والمواثيق والاتفاقيات والحقوق والواجبات، فالمطلوب من الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن ودول الخليج، ومعها الدول الإسلامية الكبرى، طرح أفكار وحلول بديلة ومحددة، وقابلة للتنفيذ لمقترح دونالد ترامب، المتعلق بنقل وتهجير سكان غزة الفلسطينيين إلى خارج القطاع. من الواضح أن ترامب بدأ يتراجع بهدوء عن مقترح التهجير، فهو قال نصاً، مساء الجمعة الماضي: "تفأجات بموقف مصر والأردن الرافض للتهجير رغم أن خطتي جيدة، لكنها مجرد توصية، ولن أفرضها".

هناك آمال عربية كبرى على نتائج اللقاء الأخوي التشاوري، الذي انعقد في الرياض، أول من أمس الجمعة، وضم قادة خمس من دول مجلس التعاون الخليجية ومصر والأردن. انعقاد هذا اللقاء الأخوي سيكون خير ضمانة لنجاح القمة العربية الطارئة، التي ستنعقد في القاهرة يوم 4 مارس المقبل، وربما هناك قمة إسلامية تعقبها في القاهرة أيضاً، بحيث يكون لدينا في النهاية خطة عربية واضحة، تتعامل مع خطة ترامب. مرة أخرى هذا تطور جيد، لكن المهم أن يستمر التوحد، لأن أسوأ سيناريو هو أن ينشغل العرب بالشجب والاستنكار والإدانة فقط.

الإسرائيليون وعدد كبير من دول الغرب تفرح كثيراً بمثل هذا التصرف العربي، وتستغله أسوأ استغلال، لأنها تصور العرب باعتبارهم غير قادرين على تقديم الحلول والبدائل، وأنهم مجرد ظاهرة صوتية. هل يعنى هذا الكلام التنازل عن الحقوق والمبادئ والقيم والأخلاق؟ الإجابة هي لا قطعاً. وإذا كان الجانب الفلسطيني أو العربي يملك القوة الخشنة لتحرير الأرض منذ البداية فلن يكون هناك حاجة أساساً للتفاوض.

لكن وبما أن الفلسطينيين هم الطرف الضعيف، وبما أن الولايات المتحدة تضمن تفوق إسرائيل النوعي على كل العرب مجتمعين سياسياً وعسكرياً، وبما أن الرئيس ترامب يتبنى تقريباً كل مطالب وأفكار ورؤية وأهداف إسرائيل؛ فمن الواجب على العرب والفلسطينيين التسلح بكل الأوراق الموجودة في أيديهم، واستخدامها في ساحة التفاوض بصورة صحيحة وناجزة، تحقق الأهداف على الأرض أو الحد الأقصى منها.

أظن أن التحرك المصري كان مفيداً وعملياً، ويسير في الاتجاه الصحيح، خصوصاً ما أعلنه وأكده وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، أن مصر لديها أكثر من خطة عملية لإعادة إعمار قطاع غزة، مع بقاء الفلسطينيين في أرضهم، ومن دون تهجيرهم. وقد تم الكشف رسمياً علي لسان رئيس الوزراء المصري، مصطفي مدبولي، عن بعض ملامح الخطة الأربعاء الماضي حيث قال نصاً: "نحن نتحدث عن 300 ألف وحدة سكنية، ونؤكد أن الشركات المصرية والعربية ومن الدول الإسلامية المجاورة قادرة على تنفيذ هذه الوحدات، والخدمات المطلوبة لها في فترة تصل إلى 3 سنوات، حتى لو تجاوزت بضعة أشهر، إذا تم التوافق على هذا الإطار والخطة. جزء من النقاش في القمة المصغرة هو تحقيق التوافق على خطة عربية واضحة، للتعامل مع عملية إعادة إعمار غزة".

طبعاً تمرير هذه الخطة العربية يتطلب شرطاً جوهرياً هو أن تكف إسرائيل يدها عن القطاع، ولن يحدث ذلك إلا بضمانة حقيقية أمريكية فلولا ترامب ما وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي، بعد 15 شهراً متواصلة من العدوان. على الدول العربية أن تقدم خطة تفصيلية واضحة، وبجداول تنفيذ زمنية محددة، خصوصاً فيما يتعلق بالتمويل والأطراف المشاركة في هذه العملية، خصوصاً أطرافاً إقليمية ودولية، آخرها يمكن إقناعها بهذه الفكرة.

وطبقاً لما تسرب من معلومات من المصادر المصرية والعربية فهناك خطة مفصلة بالفعل، وتحظي ليس فقط بالتأييد العربي والإسلامي، بل بتأييد عالمي كبير. بالطبع فإن إسرائيل لن تشجع أو تقبل هذه الفكرة، لأنها تتمنى تنفيذ ما أعلنه الرئيس ترامب بتهجير الفلسطينيين، والاستيلاء على غزة وإدارتها. لو تحقق مقترح ترامب فسوف تكون أفضل هدية حصلت عليها إسرائيل منذ النكبة عام 1948، لأنها تنهي عملياً فكرة حل الدولتين، بل وتضمن تصفية القضية الفلسطينية بصورة نهائية.

وسوف تتفنن إسرائيل في وضع كل المعوقات والعراقيل أمام أي مبادرة عربية جادة لإعادة إعمار القطاع. هذا باعتبار أنها لن تستأنف العدوان مرة أخرى على غزة بدعم كامل من الرئيس ترامب، وبالتالي فالمهم للعرب أن يقنعوا ترامب بأفكارهم وبدائلهم، وإذا حدث ذلك فسوف يسعى لإقناع إسرائيل بوقف العدوان، وعدم تنفيذ المخطط.

المطلوب عربياً في الفترة المقبلة، وبعد الإصرار على رفض مخطط التهجير، المزيد من الخطوات العملية لدعم الشعب الفلسطيني في أرضه، ليس فقط في غزة، ولكن في الضفة الغربية التي هي الهدف الأساسي للإسرائيليين. مطلوب من العرب والعالم استمرار تدفق المساعدات الإغاثية، والمعدات الثقيلة لإزالة ركام وحطام العدوان، وإلى خيام وبيوت جاهزة "كرفانات"، حتى يستمروا صامدين في أرضهم، وكل ما سبق موجود في اتفاق وقف إطلاق النار.

ومطلوب من الفلسطينيين التوحد والتصرف بهدوء وعقلانية وإنهاء الانقسام، والتخلي عن الخلافات الشخصية، وتفويت الفرصة على اليمين المتطرف في إسرائيل وأنصاره في أمريكا. ليس من الحكمة توفير المبررات المجانية لإسرائيل كي تستأنف عدوانها على غزة، وتكمل تهويد الضفة.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن