العرب وتغيّر المناخ

تلوّث الهواء ومسألة المجتمع!

ربّما لم نفكّر بعمق وبالجدّية اللاّزمة في آفة تلوّث الهواء في مختلف البلدان العربية. ولا يُقصد بهذا التّفكير الشّعور بالأزمة نتيجة دقّ المنظّمات الدّولية عبر تقاريرها جرس المخاطِر التّي يُسبّبها هذا الثلوّث. بمعنى آخر، هناك ما يشبه الوعي المقرون باللّامبالاة في التصدّي لهذه الآفة بما يجعلها مشروع دولة ومجتمع، يقتضي وجود رؤية وخريطة عمل لتطويقِها في اتّجاه بلوغ الأمن الإنساني كما هو مطلوب.

تلوّث الهواء ومسألة المجتمع!

صحيح أنّ هناك إجراءات يعتمدها بعض الدّول العربية في سياق وضع سياستها العمومية، كالإمارات ومصر والسّعودية والمغرب، ولكنّها تبقى إجراءات معزولة عن شرطها الاستراتيجي مهما كانت تُحدّد أحيانًا سقفًا للإنجاز وِفق خطّة عمل كمشروع إدارة تلوّث الهواء وتغيّر المناخ في القاهرة الكبرى، والمرسوم الملكي السعودي الخاص بتنظيم ورصْد جودة الهواء. لأنّ هذه الإجراءات لم تُدْمج في رؤية شمولية ومستدامة تكون فيها مساهمة المجتمع عبر إشراكه، بعد تحسيسه وتعبئته، حجر الزّاوية. وهذا ما جعل رؤية الإمارات على الرَّغم من تماسكها وقوّتها، عبر أجندتها الوطنيّة لجودة الهواء، غير مكتملة ولا وظيفيّة لأنّها حصرت بلوغ أهداف الأجندة الوطنيّة لجودة الهواء في سنة 2031 في تنسيق المكوّنات الحكومية فقط، أو في ما يُعرف بلغة الباحثين في التّنمية "الالتقائية الحكومية"، في أفق بلوغ أهداف مئويّة الإمارات 2071 المتمثّلة في شعار جودة الحياة.

استمرار أزمة الدّيموقراطية في البلاد العربية لن يجعل من مشاريعها الاستراتيجية إلّا إنجازًا فوقيًّا لن يُكتب له النّجاح

هذا يعني أنّ غياب إشراك المجتمع في هذه الرؤية، بمكوّناته المدنية والسياسية والثّقافية، لن يجعل من أيّ نوع من هذه الرؤى إلّا صيحة من دون صدى، سرعان ما تنتهي من دون أثر. الأمر الذي تنبّهت إليه المنظّمات العالمية في تنظيمها للأيام العالمية من خلال اليوم الدولي لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء في 7 سبتمبر/أيلول من كلّ عام. والهدف منه هو التّأكيد على تعبئة مكوّنات المجتمع وحشد الجهود المشتركة لمكافحة تلوّث الهواء. من هنا جاءت مبادرة "معًا من أجل هواء نظيف" التي برز فيها المجتمع المدني في الغرب بمختلف تلاوينه ابتداءً من 2023 كطرف أساسي في إنجاح مخطّطات الدّولة ورؤيتها الاستراتيجية في الموضوع.

من دون دمقرطة العلاقة بين الدولة والمجتمع والتّعاون في جوّ من الثّقة والشّفافية، لن تكون مبادرة المجتمع المدني، على الرَّغم من قوّة إرادته في تعبيره العملي عن مواطَنته، إلّا لحظة عابرة وسطحية من دون تأثير جوهري في تعبئة مختلف فئات المجتمع والمساهمة في صدّ آفة تلوّث الهواء. وهذا ما حدث مع الكثير من التّعبيرات المدنية والثّقافية في أكثر من بلد عربي، حيث تمّ تضييق الخناق عليها أو إبطال مبادرتها بحجّة غياب التّرخيص، مخافة أن يتحوّل المجتمع المدني إلى سلطة حقيقية مضادّة لسلطة الدّولة. بمعنى آخر، إنّ استمرار أزمة الدّيموقراطية في مختلف البلاد العربية وطغيان البيروقراطية فيها لن يجعل من مشاريعها الاستراتيجية مهما بلغت من الدّقة التقنيّة إلّا إنجازًا فوقيًّا لن يُكتب له النّجاح مهما سعى، لأنه يفتقد إلى الشّرعية الممهورة بميسم المجتمع.

افتقاد شرعية المجتمع في بلوَرة أيّ مشروع إصلاحي وتنموي لا يُجدي نفعًا في بلوغ الأهداف التّنموية الكبرى

تُقدّم منظّمة "غرينبيس" الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منظّمة بيئيّة، يقال عنها مستقلّة تأسّست عام 2018، دليلًا على أن افتقاد شرعية المجتمع في بلوَرة أيّ مشروع إصلاحي وتنموي لا يُجدي نفعًا في بلوغ الأهداف التّنموية الكبرى، مهما حاولت الدّولة اللّاديموقراطية الالتفاف حول هذه المشروعيّة وتزويرها، بإيعاز من توصيات مراكز الليبيرالية المتوحّشة، كما حدث مع منظّمة "غرينبيس" التي سعت إلى تدجين المجتمع المدني في الدول العربية من دون جدوى. بدليل أنّ هذه المنظّمة لم يكن لها أي تأثير يُذكر في مكافحة تلوّث الهواء وجعل مسألة البيئة مسألة وعي اجتماعي بالأساس.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن