مراجعات

"السّنة صفر": الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في ضوء منعطف 7 أكتوبر!

نادرة هي الفعاليات البحثيّة العربية التي انخرطت في حوارات ثنائية مع الآخر الإسرائيلي، خارج الوطن العربي، من أجل قراءة تطوّرات الحرب الإسرائيلية المفتوحة ضدّ الشعب الفلسطيني، خصوصًا أنّ المشهد لا يعود يُحتمل من هوْل الدروس والخلاصات، سواء ما همّ الشقّ الإنساني الصرف، وهو الأهم، لأنّه يُحيل إلى مقتل ما يناهز 50 ألفًا من الفلسطينيين، أو همّ الشق السياسي والجيوسياسي، وعنوانه تكريس الضعف العربي شبه المُعمَّم، في سياق يتميّز أساسًا بمرور عدّة دول عربية من تحديات حقيقية، أو همّ الشق الفكري والدّيني، أخذًا بعين الاعتبار التبايُن في أداء العديد من الأقلام الفكرية والدّينية العربية مع هذه الأحداث الجسام، وهي المواقف التي انقسمت إلى عدّة تيارات أو توجهات: اتجاه كان منصفًا في قراءة الصورة المركّبة، اتجاه آخر التزم الصمت (وهو اتجاه موزع بدوره بين عدّة تيارات)، واتجاه ثالث انخرط في تمرير مواقف اختزالية أو أحادية.

الحال أنّ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب المدمّرة التي أعقبتها، تُعدّ منعطفًا محوريًا في السياق الجيوسياسي الرّاهن، بدليل أنّها أعادت خلط أوراق الجغرافيا السياسية العالمية، كما تقف وراء تطرّف النقاش العام في أوروبا والولايات المتحدة والوطن العربي أيضًا، ومن هنا صدور كتاب يروم تعزيز العودة إلى نقاش هادئ ومتناقض، والحديث عن كتاب صدر في الساحة الفرنسية وعنوانه "إسرائيل - فلسطين، سنة صفر" في ضوء منعطف أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، بعنوان فرعي دالّ يتحدّث عن "صدمة عالمية".

ورش تفكير جماعي بهدف قراءة ما جرى واستشراف ما هو قادم

المقصود بـ"السّنة صفر" من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، الدّمار الذي أصاب القطاع، مع أمل في مضامين العمل بأن نعاين انخراط الولايات المتحدة الأميركية والدول العربية على حدٍّ سواء في إطلاق عملية سياسية حقيقية.

يتضمّن الكتاب مساهمات مجموعة من الباحثين، من مقالاتٍ وحوارات، بما يشمل مساهمات أربعة أسماء فلسطينية وأربعة أسماء إسرائيلية، انخرطت في ورش تفكير جماعي، بهدف قراءة ما جرى واستشراف ما هو قادم، وليس صدفةً أنّ الورقة النظرية التأطيرية للكتاب تحدّثت عن "ندرة التحليلات الدقيقة" المواكِبة لهذه الأحداث، وتقف هذه الندرة ضمن أسباب صدور الكتاب.

يُقدّم العمل الجماعي قراءات مركّبة في الجوانب العسكرية والدبلوماسية والسياسية والمجتمعيّة للمأساة الفلسطينية المستمرّة ويكشف تداعياتها على الساحة الإقليمية والدولية. كما يرسم صورةً للظروف التي من شأنها أن تجعلَ من الممكن رسم أفقٍ دبلوماسي جديد نحو السلام، انطلاقًا من الإجابة على الأسئلة التالية: ما هو السبيل للخروج من الأزمة؟ ما هو مستقبل إسرائيل وفلسطين ولبنان؟ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى العربية في بلاد الشام والخليج؟.

نقرأ ضمن عناوين المساهمات: "إسرائيل في مأزق خطير"، "مرض عضال يُسمّى الأمل: نظرة مواطن أصله من غزّة في المنفى"، "حكم غزّة بعد الحرب: منظور فلسطيني"، "الحروب في غزّة وأوكرانيا"، "بين إسرائيل وفلسطين: عودة معسكر السلام؟"، "محور جديد للرباط والرياض والقدس؟"، "في الضفة الغربية، الحفاظ على خيْط الحوار الضعيف ضد إغراء العنف"، "الخلاف الكبير لليسار"، "الرّأي العام الأوروبي في مواجهة الحرب في الشرق الأوسط"، "حماس وإسرائيل، أربعة أظلال من أوروبا"، "الرّاديكالية السياسية والتعصّب الديني. هل لا يزال للسلام مستقبل؟".

العودة إلى الوضع قبل اندلاع الحرب ليست خيارًا لا من الجانب الإسرائيلي ولا من الجانب الفلسطيني

في مساهمة تحت عنوان "مرض عضال يُسمّى الأمل: نظرة مواطن أصله من غزّة في المنفى"، يرى المحلّل الفلسطيني الأميركي أحمد فؤاد الخطيب، الباحث في مركز أبحاث المجلس الأطلسي، الذي غادر قطاع غزّة في سن 15 عامًا قصْد الاستقرار في الديار الأميركية، بأنّه اختار أن يلتزم بالسلام، مع أخذه مواقف نقدية ضدّ الاحتلال أولًا وضدّ حركة "حماس"، ومردّ ذلك أنّه فقد العديد من أقاربه خلال هذه الحرب، وهي الحرب التي يُحلّلها انطلاقًا من هذا النقد المزدوج: نقد الاحتلال الإسرائيلي تحصيل حاصل، لأنّه أصل الأزمة، أمّا نقد الحركة المعنية، فسببه الصراع بينها وبين حركة "فتح"، مستشهدًا بمظاهرات جرت في صيف 2023 ضدّها.

في المعسكر الآخر، نقرأ لعالمة الاجتماع إيفا إيلوز، أنّ "كلًّا من المعسكريْن محاصر في إسقاط ضحيته، فقط التدخل الخارجي هو القادر على إحياء عملية السلام وحلّ الدولتين"، مضيفةً أنّه سواء تعلّق الأمر بالفلسطينيين أو بالإسرائيليين، فإنّهم يرون بعضهم البعض بطريقة متشابهة. إنّهم جزءٌ من تاريخ مأساوي ومؤلم تميّز بالهولوكوست من جهة والنكبة من جهة أخرى"، والحال، تضيف إيلوز، أنّه "تتم الإحالة إلى الحدثيْن التاريخييْن من الجانبيْن معًا، بهدف تبرير رفضهما تقديم تنازلات".

خلاصة حاضرة في ثنايا الكتاب: الوضع لا يبعث على التفاؤل

توقّف الباحث الفلسطيني غيث العمري، عند الظروف التي يمكن أن تكون عليها لعودة الأصوات الفلسطينية المعتدِلة لمزاحمة حركة "حماس"، معتبرًا أنّ هذه مهمّة شبه مستحيلة في مثل هذا السياق المدمّر، حتّى لو حمّل العديد من الفلسطينيين "حماس" المسؤولية عن هذه المأساة التي كان من الممكن تجنّبها، في نظرهم، مضيفًا أيضًا أنّ العودة إلى الوضع قبل اندلاع الحرب ليست خيارًا، لا من الجانب الإسرائيلي ولا من الجانب الفلسطيني، وذلك بسبب حجم الصدمة التي عانى منها الشعب الفلسطيني، متوقفًا كذلك عند تأثير البُعد الدّيني، وإن كان ظلّ ثانويًا من وجهة نظره، مقارنةً بالبُعد السياسي والوطني، لكنه يتساءل: "كيف يمكنك قبول حلّ وسط عندما تكون الأرض المطالب بها قد أعطتها لك السماء؟".

الوضع لا يبعث على التفاؤل، خلاصة حاضرة في ثنايا الكتاب، ومن مؤشِّرات ذلك أنّ احتمالات السلام تبقى متواضعة، لكن لا مفرّ من بعض الأمل، كلٌ من مقامِه: صنّاع القرار داخل وخارج المنطقة، عبر إرادة سياسية حقيقية لتسوية الأزمة، وأهل النّظر من مفكرين وباحثين، في سياق قراءة تشعبات وتعقيدات الأزمة/المأساة الفلسطينية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن