بلغت الرسوم الجمركية الجديدة على الواردات 20% على دول الاتحاد الأوروبي، ونحو 34% على الصين، ونحو 24% على اليابان، ونحو 26% على الهند، ونحو 25% على واردات السّيارات من كل العالم. وتمّ فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على عددٍ من الدول أبرزها بريطانيا وأستراليا والبرازيل وسنغافورة وتركيا. أما الدول العربية فتراوحت الرسوم ما بين 10% على كلّ من مصر والسعودية والمغرب ودول أخرى، وهي نسبة هامشية التأثير ويمكن الردّ عليها بالمثل، ونحو 39% على العراق، ونحو 30% على الجزائر، ونحو 25% على تونس، ونحو 41% على سوريا التي لا يوجد لها تعاملات تجارية مع الولايات المتحدة أصلًا!.
آلية تحقيق الأحلام "الترامبية" هدمت نظام الحرّية التجارية الذي قاتلت الولايات المتحدة نفسها من أجل تحقيقه
لم ينسَ ترامب إلغاء الإعفاء الجمركي على الطرود الصغيرة المستوردة من الصين في إطار التجارة الإلكترونية، وهو إجراء سيؤدّي إلى رفع أسعار السلع المستوردة فرديًا، وسيعاني الشعب الأميركي بشكلٍ فوريّ، وربّما يخصم من شعبية ترامب. والضرائب الجمركية الجديدة هي في النهاية ضريبة جديدة يتحمّلها المستهلكون وتتناقض مع أهداف ترامب بتخفيض الضرائب وتقليص التضخّم، فضلًا عن أنّها ستكبح النموّ الاقتصادي العالمي.
أحلام ترامب المضطربة
اعتبر ترامب أنّ إجراءاته هي "يوم التحرير" و"الاستقلال الاقتصادي" الذي سيؤدّي إلى إنعاش الاقتصاد الأميركي وتحقيق نتائج إيجابية كبرى على الشركات الأميركية، وإلى تدفّق الاستثمارات على الولايات المتحدة، وإلى خلق الوظائف للأميركيين. لكنّ تلك الآلية لتحقيق الأحلام "الترامبية" غير المضمونة، وربما غير الممكنة التحقيق أصلًا، هدمت نظام الحرّية التجارية الذي قاتلت الولايات المتحدة نفسها ووكيلاها صندوق النقد والبنك الدوليان من أجل تحقيقه لسنوات طويلة توّجت باتفاق "غات" وتأسيس منظمة التجارة العالمية التي تضمنه وتراقب التزام الأعضاء به والذي عصفت به إجراءات ترامب.
يتوقع ترامب تحقيق تريليونات الدولارات من عائدات الرسوم الجمركية الجديدة، ووعد بتوجيهها لسداد الديون الحكومية وخفض الضرائب. ونظرًا لأنّ الواردات الأميركية بلغت نحو 3376 مليار دولار عام 2022، ولو افترضنا أنّ متوسط الرّسوم الجمركية الجديدة على العالم عمومًا سيكون في حدود 25%، فإنّ العائدات ستكون في حدود 844 مليار دولار بافتراض عدم انخفاض تلك الواردات بعد الرسوم الجديدة. فماذا ستفعل تلك الأموال في عجز الموازنة العامة للدولة الذي بلغ 1800 مليار دولار في العام المالي 2023 - 2024، وماذا ستفعل في عجز الميزان التجاري الذي بلغ 1311 مليار دولار عام 2022 وفقًا لبيانات منظمة التجارة العالمية، وماذا ستفعل في الديون الحكومية الأميركية التي بلغت 36.2 تريليون دولار عام 2024؟!
رزايا وجود الرّأسماليين في الحكم مباشرة
من يتأمل ضرائب ترامب الجمركية، وبالذات فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات من كل العالم، والتهديد بفرض رسوم جمركية تبلغ 200% على واردات السيارات من المكسيك، والتهديد برسوم مضاعفة على الواردات الأميركية من السيارات الكهربائية والتي ستستفيد منها شركة "تسلا" المملوكة لإيلون ماسك مستشار ترامب وموجّه سياساته الاقتصادية، سيدرك الآثار الوبيلة لوجود رجال أعمال في الحكْم.
من حيث يريد ترامب استعادة "عظمة" أميركا فإنّ إجراءاته يمكن أن تعجّل بتراجعها وبتأكيد تعدّد الأقطاب في العالم
والمعتاد أنّ الرّأسمالية تسيطر وتحكم من خلال الطبقة السياسية التي تعبّر عن مصالحها مع وجود مسافة بين الطرفيْن يعتبر اختراقها نوعًا من الفساد والإفشاء، وذلك للحفاظ على القاعدة الذهبية للنظام الرّأسمالي وهي "العلم المتزامن بظروف وتغيّرات السوق" بين كل الرّأسماليين وحتّى الجمهور، والتي يتم تدميرها كليًّا عندما يتواجد بعض الرّأسماليين في السلطة مباشرة، حيث يعلمون بتلك التغيّرات قبل الغير ممّا يحقّق لهم ولشركاتهم استفادة كبرى، بل ويصنعون القرارات في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم الضيّقة حتّى ولو على حساب باقي قطاعات الرّأسمالية.
انفجار التضخّم في أميركا وارتفاع الذهب واضطراب البورصات العالمية
تُعتبر النتيجة الأولى والمباشرة للرسوم الجمركية الجديدة هي ارتفاع معدّل التضخّم في الولايات المتحدة، حيث تُشكّل الواردات السلعية الأميركية أكثر من 14% من إجمالي الاستهلاك الأميركي. وهذه الرسوم الجديدة يمكن أن تضيف نحو 3.5% إلى معدّل التضخّم الأميركي الذي بلغ نحو 3% عام 2024. وكانت التوقّعات تشير إلى أنه سيبلغ نحو 1.9% عام 2025. لكنّ الرسوم الجمركية الجديدة سترفعه على الأرجح إلى نحو 5.4%.
سوف تتراجع ثقة الدول وشركاتها في استقرار إدارة الاقتصاد الأميركي وإذا لم يتراجع ترامب فإنّ بلاده قد تكون الخاسر الأكبر
ونتيجة توقّع حَمَلة الأسهم لتضرّر الشركات المعتمِدة على التصدير للسوق الأميركية، فإنّ اضطراب البورصات في الدول ذات العلاقات التجارية الوثيقة بالولايات المتحدة هو أمر متوقع إلى أن تستوعب الدول والأسواق إجراءات ترامب وتواجهها. ومن المنطقي أن يزداد الطلب على الذهب كملاذ آمن، وأن يتعاظم الاتجاه لتقليص الاعتماد على الدولار كعملة احتياط دولية. ومن حيث يريد ترامب استعادة "عظمة" الولايات المتحدة، فإنّ إجراءاته يمكن أن تعجّل بتراجعها وبتأكيد تعدّد الأقطاب الاقتصادية والسياسية في العالم.
أمّا توقعات ترامب بتدفّق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على بلاده بما يساهم في خلق المزيد من الوظائف، فإنّه توقّع غريب في مناخ عدائي وحمائي أشعله هو نفسه بإجراءاته. وسوف تتراجع ثقة الدول الأخرى وشركاتها في استقرار إدارة الاقتصاد الأميركي. وربّما تتّجه المراكز الاقتصادية الرئيسية في العالم لتكثيف وتعميق التعاون الاقتصادي والتجاري بينها، وتحديدًا الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وروسيا والمكسيك والبرازيل وكوريا الجنوبية والهند وباقي دول شرق وجنوب شرق آسيا. كما أنّ الولايات المتحدة تستقبل استثمارات أجنبية مباشرة هائلة بلغ الرّصيد المتراكم منها حتى عام 2022، نحو 10462 مليار دولار. والمشكلة أنّها تعاني من ارتفاع دوال التكلفة بالمقارنة مع البلدان الأخرى بسبب أجور العمالة والضرائب وأسعار الخامات، وبالتالي تتوجّه الشركات إلى الأسواق الأكثر ملائمةً لمصالحها بما في ذلك الشركات الأميركية نفسها التي توطّن استثماراتها في الصين والمكسيك ودول أخرى.
لقد بدأ ترامب الحرب التجارية العالمية، وباقي المراكز الاقتصادية العالمية لديها ما تردّ به، وإذا لم يتراجع فإنّ بلاده قد تكون الخاسر الأكبر!.
(خاص "عروبة 22")