صحافة

بعد مفاوضات الهدنة.. إشكاليات كبرى في غزة والإقليم

طارق فهمي

المشاركة
بعد مفاوضات الهدنة.. إشكاليات كبرى في غزة والإقليم

 من الواضح أن إشكاليات اليوم التالي في قطاع غزة بين حركة "حماس" وإسرائيل ستكون معقدة في ظل تمسك كل طرف بما يطرح في المفاوضات الراهنة، والتي لن تتوقف حتى مع احتمالات تنفيذ الاتفاق بين الجانبين، ولمدة الـ60 يوماً للبدء في تنفيذ الاستحقاقات من قبل الجانبين، خاصة أن الوسطاء على مقربة من التوصل للاتفاق في ظل تمسك كل طرف بما يطرحه ويناور للحصول عليه، ووفقاً لاستراتيجية واقعية تعلي من شأن المتطلبات الأمنية والاستراتيجية، ومخاطبة كل طرف جمهوره.

الواضح أن حركة "حماس" تخاطب جمهورها للخروج بأفضل المكاسب، خاصة مع حجم الخسائر التي ضربت البنية العسكرية للحركة، والتي وصلت لتدمير أكثر من 80% من قدراتها العسكرية، وتخوفها من إبعادها من المشهد بصورة نهائية من خلال التصميم الإسرائيلي على إخراج قياداتها من القطاع إلى الخارج، ونزع سلاحها ولو بصورة تكتيكية. وبرغم صعوبة ما يطرح وعدم تقبل حركة "حماس" لما يتردد إلا أن استمرارها سيكون مرتبطاً بدورها الخدمي، ووجود عناصرها في القطاع حال قبولها بفكرة لجنة الاسناد المجتمعي، وتعجيل الرئيس محمود عباس بتنفيذ هذا الخيار الذي قبلت به الحركة، وتراضت به ما يؤكد أن الحركة مستمرة في المشهد، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي بخروج القوات الإسرائيلية من القطاع، والانسحاب الكامل أو الجزئي، ووقتها سيكون لكل حادث حديث متعلق بحكم القطاع وإدارته والتعويل على الدور العربي ودعم الوسطاء، ومن يريد من الأطراف الأوروبية في إطار ترسيم جديد للمشهد، وفق حسابات جديدة.

وفي المقابل تتحرك إسرائيل في دائرة محددة لن تبارحها في الدعوة لإخراج "حماس" من القطاع ونزع سلاحها، وإنْ كانت ستقبل تكتيكياً وجود الحركة ولو لمرحلة زمنية (تسليم كل المحتجزين أحياءً وأموات)، مع تأجيل حسم مقدراتها العسكرية في الوقت الراهن، ما يؤكد أن إسرائيل قد تتجاوب مع الطرح الأميركي، وفي ظل امتلاكها الكثير من الأوراق التي تملكها، اعتماداً على انتشارها على مساحة 70% من القطاع بالكامل مع الاعتماد على استراتيجيات متعددة، ومنها مخاطبة مكونات ائتلافه مع طرح العديد من الأفكار، ومنها ضم المستوطنات وشرعنة وجودها، مع التأكيد على مشروع الضم الذي سينفذ في العام الجاري 2025، وفقاً لاتفاق الشراكة الحزبية للحكومة وبناء على ما طرحه وزير المالية بتسئيل سيموستريش، أي أنه سيطرح نتنياهو مقايضة جزء من تفاصيل ملف غزة بملف الضفة مع الاتجاه إلى تنفيذ مخطط التهجير بالكامل، سواء الطوعي أو الجبري.

ولعل ما تردد في لقاء الرئيس ترامب نتنياهو مؤخراً في البيت الأبيض، والتأكيد على خيار التهجير بتفاصيله ما يؤكد هذا الأمر، وبصرف النظر عن مناورات حركة "حماس" ومسعاها للإمساك بتفاصيل التفاوض، ومحاولة تعزيز ما تملكه من أوراق في مواجهة الحركة، حيث لاتزال إسرائيل تناور بورقة الميليشيات المناوئة، ومحاولة إيجاد قوى بديلة لحكم القطاع، كما لا تزال ترى أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على العمل بمفردها، وإنْ كانت ستضطر للعمل معها لاحقاً.

لن تتعجل إسرائيل الحل، بل ستمضي وفق مخطط تدريجي، مع السعي لاسكات الشارع الإسرائيلي في حال تنفيذه استحقاقات الهدنة، خاصة أن الأولويات الراهنة لإسرائيل حسم ملف إيران بالكامل، وإنهاء الخطر "الحوثي" بمزيد من العمل العسكري، وبالتنسيق مع الإدارة الأميركية التي تريد أن تتجه نحو المرحلة التالية من خلال إقرار الترتيبات الأمنية والاستراتيجية، سواء في غزة، أو في دول جوارها من خلال الحل الإقليمي، والتعجيل بإبرام مسار التسوية المحتملة بين إسرائيل، وكل من سوريا ولبنان أولاً، وفقاً لما يدعو إليه ترامب في إطار الترتيبات النهائية لترسيم شكل الإقليم.

حسابات الإدارة الأميركية تسير وفق رؤى مختلفة، ما سيفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة يمكن من خلالها إعادة تقديم إسرائيل لنطاقها الاستراتيجي، مع الحفاظ على الموقف داخل الدوائر الأميركية واللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل قبل مواجهة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، خاصة أنها أول مواجهة سياسية داخلية للإدارة الأميركية، ومدى ما سيعطي من دلالات على شعبية الرئيس ترامب رجل السلام القادم، والذي يريد أن يتوج تاريخه بحصوله على جائزة نوبل للسلام، وبما يؤكد أنه قادر على صنع السلام في العالم برغم أن الرئيس ترامب وفعلياً لم يحقق أي إنجاز أو اختراق حقيقي، وأن كل ما تم يأتي في إطار تحركات وإدارة للأزمات مع إبداء حسن النوايا بعدم توظيف القوة العسكرية في أية أزمات راهنة.

ومن ثم فإن الواقع السياسي في الشرق الأوسط سينطلق من غزة إلى سوريا ولبنان، ومنها إلى بقية الإقليم، وفقاً لمقاربة الرئيس ترامب، والتي لا تملك استراتيجية حقيقية للعمل أو وثيقة عمل، خاصة أن الرئيس ترامب على عكس كل الرؤساء الأميركيين السابقين لم يقدم استراتيجية محددة للحكم برغم أنه كان قد قدم إطار أشمل لهذه الاستراتيجية في الولاية الأولى لترامب.

ويمكن التأكيد إن التفاهمات التي ستجري في غزة مقدمة لما هو آت من تطورات محتملة، وإنْ كانت ستتسم بالتدريجية، وليست الحاسمة مع التوقع باحتمالات الاستمرار في تبني الخيار العسكري، فما زالت إيران على موقفها، ولا تزال الأوضاع في سوريا غير مستقرة، الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل هشاً، وقابل للاشتعال ووارد، ومن ثم ستبقى كل الخيارات قائمة، وكل السيناريوهات محتملة في الشرق الأوسط.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن