ابتهال أبو السّعد.. "شجاعة أن أكون"!

إنّها ابتهال أبو السّعد، المهندسة والمبرمجة المغربية (وُلدت عام 1999)، وقد تخرّجت من جامعة "هارفارد" الأميركية، أكبر وأهمّ الجامعات العالمية على الإطلاق، وتخصّصت في مجال الذّكاء الاصطناعي (AI)، والتحقت عام 2022 بالعمل في كبرى شركات البرمجة والتّكنولوجيا في العالم، وهي شركة "مايكروسوفت" العالمية. عملت ابتهال في قسم الذّكاء الاصطناعي، ضمن فريق طوَّر تقنيات متقدّمة ومنتجات للشركة، من أهمّها برنامج الخدمات السحابية "مايكروسوفت أزور" (Microsoft Azure). وكذلك ضمن فريق تطوير تقنيات العمل في مجالات المراقبة والتحليل البياني.

ابتهال أبو السّعد..

في احتفال الشركة بالذكرى الخمسين لتأسيسها، وبحضور رئيس الشركة، وكلّ المعنيين بالمجال في العالم، وعبْر شاشات التلفزة العالمية، صدمت ابتهال الجميع بموقفِها الشجاع، واحتجاجها، ورفضها، وتنديدها بتواطؤ "مايكروسوفت" مع استخبارات وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت أنّ "مايكروسوفت" تقوم بتسخير أدوات الذّكاء الاصطناعي الخاصّة بها لخدمة جيش الاحتلال.

بشجاعة "أكون أو لا أكون"، قاطعت ابتهال أبو السعد كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذّكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان (بريطاني الجنسية من أصل سوري)، واحتجّت على علاقات الشركة مع إسرائيل، وإبرامها عقدًا مع وزارة الدفاع الإسرائيلية بقيمة 133 مليون دولار، لتخزين بيانات ضخمة عبر خدمة "مايكروسوفت أزور"، الأمر الذي يُعتبر مساهمةً في مراقبة الفلسطينيين. واتهمت الشركة بأنها تُسَخّر الذّكاء الاصطناعي لـ"مايكروسوفت" لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وقالت للمدير التنفيذي: "أنت تزعم أنّك تهتم باستخدام الذّكاء الاصطناعي للخير، لكن "مايكروسوفت" تبيع أسلحة الذّكاء الاصطناعي إلى الجيش الإسرائيلي. 50 ألف شخص ماتوا، ومايكروسوفت تدعم هذه الإبادة الجماعية في منطقتنا".

الذّكاء الاصطناعي من "مايكروسوفت" يُشغّل أكثر المشاريع حساسية وسرية للجيش الإسرائيلي

أكدت ابتهال أنّ الذّكاء الاصطناعي من "مايكروسوفت" يُشغّل أكثر المشاريع حساسيةً وسريةً للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك بنك الأهداف وسجلّ السكان الفلسطيني. كما اتهمت ابتهال الشركة من خلال موقع "ذا فيرج" (The Verge) الأميركي أنّها تقوم بقمع أيّ معارضة من زملائها الذين حاولوا إثارة هذه القضية، كما فصلت الشركة موظفَيْن اثنَيْن لمجرد تنظيمهما وقفةً احتجاجيّة (قبل أن تعود الشركة فتفصل ابتهال نفسها).

إنّ موقف ابتهال أبو السعد الشجاع من شركة "مايكروسوفت" يرتبط بتاريخها في مجال عملها في تكنولوجيا المعلومات، وتدريب الأفراد على استخدام تقنيات متقدّمة، وهي واحدة من المتخصّصين في تطوير البرمجيّات، ومرتبطة بمفاهيم وأدوات "مايكروسوفت".

القشّة التي قصمت ظهر البعير

أمّا القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت ابتهال تخرج عن صمتِها، فكانت عندما علمت أنّ الشركة ستبيع أفكارها وأعمالها للجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية للتجسّس على الصحافيين والأطباء، وعمّال الإغاثة مما يترتّب عليه بلا أدنى شك قتل عائلات مدنية بأكملها.

هنا قررت التصعيد، وعبر شاشات التلفزة، وأمام العالم أجمع، وما يؤكّد كلامها هو أنّ استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذّكاء الاصطناعي من "مايكروسوفت" و"أوبن إيه.آي" في مارس/آذار 2025 تضاعف نحو 200 مرة مقارنةً بمرحلة ما قبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

العرب والذّكاء الاصطناعي.. نكون أو لا نكون!

السؤال المثير للجدل والقلق والحيرة هو: أين نحن العرب من تكنولوجيا الذّكاء الصناعي في مجال الاستخبارات العسكرية؟ لقد أصبح الذّكاء الاصطناعي ضرورةً حتميةً، ومن دونه لن يكون لنا مكان تحت الشمس. فقد انتهى عصر الحروب التقليدية، وجاء عصر حروب الذّكاء الاصطناعي، الذي أصبح جزءًا أساسيًا في العديد من المجالات العسكرية، بما في ذلك الاستخبارات العسكرية، واستخدام الذّكاء الاصطناعي في هذا المجال يُتيح تحسين القدرة على جمع، وتحليل المعلومات، واتخاذ قرارات سريعة وفعّالة. ومن خلاله نتمكن من تحليل البيانات الضخمة التي يتمّ جمعها من مصادر متعدّدة مثل: الأقمار الصناعية، الطائرات من دون طيار (درون)، وأجهزة الاستشعار، والإنترنت.

الذّكاء الاصطناعي يغيّر بشكلٍ جذريّ طريقة عمل الاستخبارات العسكرية

وهنا يتمكّن الذّكاء الاصطناعي من معالجة البيانات بسرعة وبدقة فائقة، مما يساعد المحللين العسكريين على استخراج المعلومات التي قد تكون مخفية بين كمّيات هائلة من البيانات. كذلك، يمكن التعرّف إلى الأنماط في البيانات من خلال تقنيات مثل: التعلّم الآلي (Machine Learning) والتعلّم العميق (Deep Learning)، ويمكن استخدام هذه الأنماط لتوقّع تحرّكات الأعداء، أو تحديد تهديدات محتملة قبل حدوثها. مثلًا، يمكن للذّكاء الاصطناعي تحديد مواقع تجمّعات عسكرية معادية بناءً على حركة المركبات العسكرية، أو حتّى على سلوك قوات معيّنة.

كذلك يُستخدم الذّكاء الاصطناعي في الطائرات من دون طيار لتوفير دعم استخباراتي فعّال، ويمكن لـ"درون" أن يطير بشكلٍ مستقلٍ بناءً على أوامر مسبقة، أو حتّى استجابة للتغيّرات في البيئة المحيطة، والذّكاء الاصطناعي يساعد على تحديد الأهداف المهمة، ومراقبة التحركات العسكرية المعادية من دون تدخّل بشري مباشر.

الأمن السيبراني والاستخبارات مفتوحة المصدر

ويُستخدم الذّكاء الاصطناعي أيضًا لتعزيز الأمن السيبراني في المجال العسكري. فيمكن من خلاله اكتشاف الهجمات الإلكترونية بشكل أسرع وأكثر فعّالية من البشر، مما يحمي البنية التحتيّة العسكريّة من المخاطر الأمنية المتزايدة.

كما يساعد على تحليل أساليب الهجوم، وتوقّع أساليب جديدة تهدّد الشبكات العسكرية، وليست مأساة "تفجيرات البيجر"  ببعيدة.

الذّكاء الاصطناعي يمكنه معالجة وتحليل كميّات ضخمة من البيانات المفتوحة المصدر مثل الأخبار، مواقع الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي. من خلال هذه البيانات، يمكن تحديد الأنشطة العسكرية أو السياسة المستقبلية لدولة معينة. والذّكاء الاصطناعي يغيّر بشكلٍ جذريّ طريقة عمل الاستخبارات العسكرية، ويعزّز من القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة.

ساعة العمل دقّت وانطلق النداء الأخير للعرب

هكذا... كانت شركة "مايكروسوف"، وبكلّ ما وصلت إليه من قمّة التّكنولوجيا الحديثة في خدمة جيش الكِيان الغاصب، ودعمته في ارتكاب تلك الجرائم المروّعة، والإبادة الجماعية لشعب مظلوم، يريد أن يعيش في سلام. وكما أنّ التّكنولوجيا الحديثة ساعدت هذا الجيش الدموي على ارتكاب تلك الجرائم، وهي التكنولوجيا ذاتها التي فضحت هؤلاء القتلة، المخضّبة أيديهم بدماء الأطفال والنساء والشيوخ، وصارت أعمالهم اللاإنسانية أمام أنظار الجميع في كلّ بقاع الدنيا، ليدرك الجميع كم كانت المأساة الكبرى، ولا تزال، وهي مأساة سوف تبقى علامة سوداء في تاريخ البشرية.

في نهاية المطاف؛ ولأن ساعة العمل قد دقّت، وانطلق النداء الأخير للعرب، الذين لا يزالون في سباتهم العميق، أفيقوا يرحمكم الله...!

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن