اقتصاد ومال

العالم العربي: الفرص والتحدّيات من الحرب التجارية الأميركية!

أضرمَ الرئيس الجديد - القديم دونالد ترامب النّار في مقصورة سفينة المبادلات التجارية الدولية، التي تقود العوْلمة منذ سقوط حائط برلين عام 1991، بفرض ضرائب ورسوم جمركية جديدة على 182 بلدًا عبر العالم. المبرّر الأميركي المُستنِد إلى الوعود الانتخابية، هو العمل على تقليص العجز المُزمن في الميزان التجاري الذي تجاوز 1.2 تريليون دولار العام الماضي، من إجمالي مبادلات قُدِّرَتْ بنحو أربعة تريليونات دولار. وكشف ترامب أنّه لم يُحابِ أصدقاءه أو حلفاءه، بل جعل شعار "أميركا أوّلًا" ومصلحة المواطن الأميركي، على رأس الأولويات، لإعادة أميركا قويةً من جديد. بعد أن تراجعت حصّتها من التجارة العالمية إلى عشرة في المائة من النّاتج المحلي الإجمالي، وسبقتها دول كانت تُحسب على العالم النّامي قبل خمسين سنة. وأخرى عادت صناعتها إلى الحياة بفضل تمويلات "برنامج مارشال"، الذي أنقذ أوروبا من السّقوط في مخالب "الدبّ السوفياتي" قبل ثمانين سنة.

العالم العربي: الفرص والتحدّيات من الحرب التجارية الأميركية!

عكست تصنيفات التعريفات الجمركية على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تراوحت ما بين 10 و41 في المائة، نظرة الإدارة الأميركية الجديدة إلى العالم العربي، ومواقفها من حكومات المنطقة، التي تُقسّمها إلى دولٍ صديقةٍ أو حتّى حليفةٍ، وأخرى متوجّسةٍ أو مارقةٍ أو محسوبةٍ على تيّار ما تبقّى من الممانعة السّابقة، التي تعتبرها واشنطن خصمًا أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا في آنٍ واحد. وهكذا اختارت واشنطن أن تخفِّفَ الرّسوم على دول قالت عنها "صديقة"، ورفعتها على أخرى بصفتها "زبونًا تجاريًا" فقط.

على الرَّغم من أنّ مرجعيّة معدّلات الضرائب الجديدة تستند إلى حجم الفائض أو العجز التجاري، والنّسب الجمركية المعتمدة لدى الدول الأخرى، إلّا أنّ تفاصيل الأرقام تكشف أنّ الإدارة الجديدة لها ميْل إلى دولٍ بعينها، ذات توجّه اقتصادي ليبيرالي ومنفتح نسبيًا على الأسواق والأسهم والاستثمارات. وقد تكون واشنطن تراهن على تلك الاقتصادات استعدادًا لمرحلةٍ لاحقة، أو أدوارٍ إقليميةٍ في الأفق.

بسبب ضعف التصنيع في جلّ الدول العربية لا تحوز إلّا حصة متواضعة من التجارة العالمية نسبيًا

استفادت 12 دولة عربية من رسومٍ ضعيفة (10%) - التعريفة نفسها على المملكة المتحدة والبرازيل - شملت دول الخليج ومِصر والمغرب واليمن ولبنان والسودان وجيبوتي. في المقابل، فرضت رسومًا بلغت 41% على سوريا، و39% على العراق، و31% على ليبيا، و30% على الجزائر، و28% على تونس، و20% على الأردن. والحقيقة أنّ هذه الدول هي بدورِها تفرض رسومًا جمركيةً مرتفعةً على الواردات الأميركية، تتراوح ما بين 40 و81 في المائة. وباستثناء الأردن، تمرّ علاقات تلك الدول مع أميركا بنوعٍ من عدم الاستقرار، بسبب أوضاعها الداخلية، وضعف تجارتِها مع "العمّ سام"، وأجواء العنف في منطقة الشرق الأوسط.

مبادلات تجارية بقيمة 141 مليار دولار

بلغت إجمالي تجارة السلع الأميركية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي نحو 141.7 مليار دولار. وجاءت الإمارات العربية المتّحدة في المرتبة الأولى بمبادلات بلغت 34.4 مليار دولار، متبوعة بالسعودية ثانيةً بـ26 مليار دولار، ثم مصر ثالثةً بـ8.6 مليارات دولار، والمغرب رابعًا بـ7.4 مليارات دولار، وقطر خامسةً بـ6.5 مليارات دولار، والأردن سادسًا بـ5.4 مليارات دولار، والكويت سابعةً بـ4.1 مليارات دولار. بينما بلغت تجارة بقية الدول العربية الأخرى أقل من 4 مليارات دولار. وِفق المكتب الأميركي للتحليل الاقتصادي "BEA". وهناك دول مثل سوريا تكاد تكون تجارتها منعدمة مع أميركا، بينما تُقدّر بمليارَيْن مع ليبيا، ولا تتجاوز 1.6 مليار دولار مع تونس، بسبب أوضاع اقتصادية داخلية، ومشاكل مع صندوق النّقد الدولي.

بلغت صادرات السلع الأميركية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2024 ما قيمته 80.4 مليار دولار، بزيادة 5.8%. وبلغ إجمالي واردات السلع الأميركية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 61.3 مليار دولار عام 2024، بانخفاض قدره 1.6% عن عام 2023. وهذا يفسِّر أنَّ الجزء الأكبر من الصادرات العربية هي مواد الطاقة والغاز والفوسفات والحديد ومعادن أخرى، إضافة إلى منتجات غذائية وملابس ليست ذات فائض قيمة مرتفع، لكنّها تتأثّر بتقلّب الأسواق. وبسبب ضعف التصنيع في جلّ الدول العربية، لا تحوز إلّا حصةً متواضعةً من التجارة العالمية - باستثناء دول الخليج ومصر والمغرب - نسبيًا.

تكتّل غير متجانس

مع عددٍ مماثل من السكّان داخل الاتحاد الأوروبي، بلغت تجارة بروكسل مع الولايات المتحدة مثلًا 975 مليار دولار، منها 605 مليارات دولار من الصادرات عام 2024، حقّقت بذلك فائضًا في الميزان التجاري بلغ 236 مليار دولار. في المقابل، حقّقت الولايات المتحدة فائضًا تجاريًا مع المنطقة العربية قُدّر بـ19 مليار دولار عام 2024، من مجموع مبادلات بلغت قرابة 142 مليار دولار، بزيادة 40 % عن عام 2023. وقد بلغت تجارتها مع إسرائيل 34 مليار دولار، جعلها الثانية بعد الإمارات. كما ترتبط إسرائيل باتفاقية تجارة حرّة مع الولايات المتحدة منذ 40 عامًا، وتعتبر 98 بالمائة من سلعها معفاةً من الضرائب، على الرَّغم من أنّ ترامب فرض رسومًا بقيمة 17 في المائة على تل أبيب.

يُفضّل البيت الأبيض التعامل مع الحكومات العربية بشكل منفرد بينما يتعامل مع الاتحاد الأوروبي على أساس تكتّل متجانس

يُقدّر النّاتج المحلي العربي الإجمالي أكثر قليلًا من 3.4 تريليونات دولار، في المستوى الفرنسي نفسِه، لكنّه غير متجانس في القوانين والتشريعات، ومتبايِن في الدخل الفردي والحجم الاقتصادي، ويعيش بعضه عدم استقرار اقتصادي بسبب سيطرة الدولة على الحياة الإنتاجية والإبداعية. وما زال جزءٌ من العالم العربي يعيش تبعات النّصف الثاني من القرن العشرين.

ويُفضّل البيت الأبيض التعامل مع الحكومات العربية بشكلٍ منفرد، بينما يتعامل مع الاتحاد الأوروبي على أساس تكتّلٍ اقتصاديّ وسياسيّ إقليميّ متجانسٍ يضم 27 دولة، على الرَّغم من بعض الخلافات.

العرب في النظام العالمي الجديد

يعتقد محلّلون في معهد أتلانتيك الأميركي أنّ الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب إلى الخليج العربي الشهر المقبل، وجعل المملكة العربية السعودية "مقر الوساطة والمفاوضات" للتوصّل إلى صيغة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية الأوروبية، تزيد من فرضيّة جعل العالم العربي جزءًا فاعلًا في النظام العالمي الجديد.

عندما تتوفّر شروط التنمية والتعليم والصحة والعمل والاندماج والاستفادة من ثمرات الثروة تنفصل الأجيال عن التطرّف والعنف

وتُعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحد الرّهانات الاقتصادية للإدارة الجديدة، بحكم عوامل جغرافية وموارد طبيعية ومواد أوّلية وقدرات بشرية وسوق استهلاكية واسعة، تزداد أهمّيتها بتراجع حدّة الحروب وانفراج حلول السلام، وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، والحديث عن مشاريع تتجاوز قيمتها نصف تريليون دولار، تريد واشنطن أن تكون مشارِكةً في تشييدها في إطار خطّة قديمة جديدة تسمى "السلام الاقتصادي". وهذا معناه أنّ الأجيال الصاعدة عندما تتوفّر لها شروط التنمية والتعليم والصحة والعمل، والاندماج، والاستفادة من ثمرات الثروة، تنفصل وتتخلّى عن التطرّف والعنف، المرتبطة بحالة الإقصاء والتهميش الاقتصادي والظلم الاجتماعي، وهي مظاهر تُغذّي الحركات المتشدّدة في المنطقة، وتمدّها بوقود الحرب التي تخدم مصالح الجهات المتطرّفة في الجانب الآخر من الطاولة. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن