الأمن الغذائي والمائي

استراتيجيات مائية لا بديل عنها!

مرّ الثاني والعشرون من شهر مارس/آذار المُنقضي، من دون أن ينتبه الكثيرون منا إلى أنه يوافق اليوم العالمي للمياه، أو اليوم العالمي للأرض... لا فارق... فلا حياة على الأرض بغير مياه، وبالتّالي، فالرّبط بين اليوميْن، أو حتّى الخلط بينهما، لا شيء فيه يضرّ. وعندما أقول إنّه لا حياة على الأرض بغير مياه، فإنّني أعني ما تعنيه الآية الكريمة التي تقول: "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ".

استراتيجيات مائية لا بديل عنها!

من كثرة الأيام التي تُسمّيها منظمة الأمم المتحدة على مدار السنة لموضوعات بعينها، يبدو أنّ الانتباه إليها، أو إلى كل يوم منها وما يعنيه، ليس هو الانتباه الواجب والذي يتعيّن أن يكون بيننا... وإلّا... فماذا بالله أفاد تخصيص يوم 18 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، على سبيل المثال، يومًا عالميًّا للّغة العربية؟... لا شيء تقريبًا سوى البكاء على حال "لغة القرآن" كلّما جاء يوم لغة الضّاد أو انقضى، ولكن هذا موضوع آخر يطول فيه الشرح والكلام.

أمّا اليوم العالمي للمياه أو للأرض، فلم أصادف اهتمامًا يليق به وبأهمّية موضوعه هنا في منطقتنا التي تعاني شحًّا في الماء، وتراجعًا في نصيب الفرد من المياه سنويًا، وهو النصيب الذي حدّدته الهيئات العالمية المعنية بألف مترٍ مكعبٍ في السنة.

موارد المياه في أشدّ الحاجة إلى استراتيجية تحكم عملية إدارتها

لم أصادف اهتمامًا حتّى على المستوى الإعلامي، إذا عزّ علينا الاهتمام السياسي أو الحكومي الذي لا بدّ أن يكون حاضرًا وجاهزًا. الاستثناء الوحيد في الإعلام في حدود ما تابعتُ وطالعتُ، كان هو صحيفة "الأيام" البحرينية، لصاحبها الأستاذ نبيل الحَمَر، فقد أفردت الصحيفة ملفًا كاملًا خصّصته للاحتفاء باليوم العالمي للمياه، وأضافت اهتمامًا آخر بالطبع على مستوى قضية المياه في البحرين. وشرحت الصحيفة كيف أنّ استهلاك المواطن البحريني من المياه زاد 12% خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، ثم راحت تتقصّى الأسباب وتضع للمشكلة ما تراه من دواء أو علاج.

ولكنّ الذي استوقفني أكثر في ملف الصحيفة عن الموضوع، هو الأسباب الستة التي رأتها وراء أزمة المياه في البحرين، وكان السبب الخامس منها يتحدث عن "ضعف استراتيجيّات إدارة الموارد المائية".

والحقيقة أنّ هذا السبب إذا كان قد قيل عن البحرين، فإنه يظلّ صالحًا لأنْ يقال عن كلّ بلدٍ عربيّ آخر، ولن تجد فارقًا فيه بين دولة هنا تُجاهد بشق النّفس لتحصل على ما يكفي مواطنيها من الماء، وبين دولة أخرى هناك تعيش على نهر يجري فيها أو أكثر من نهر.

إنّ موارد المياه في كلّ بلد عربي، وفي كلّ بلد في العموم، لا تخرج عن موردٍ يأتي من نهر يجري، أو موردٍ آخر يأتي من آبار محفورة تخرج منها المياه الجوْفية، أو من موردٍ ثالث يأتي من أمطار تُرسلها السماء إلى حيث تشاء، أو موردٍ رابع يأتي من محيطات عن طريق التحلية... هذه هي المصادر الأربعة، ولا يوجد مصدر آخر في حدود ما نعرف، ولأنّها كذلك، فهي تظلّ في أشدّ الحاجة إلى استراتيجية تحكمها، أو تحكم عملية إدارتها كما تقول الصحيفة البحرينية نقلًا عن الإحصاءات والأرقام التي توافرت لها.

أمّا لماذا تظلّ هذه المصادر الأربعة في حاجة إلى ذلك؟ فلأنها لا تتوفّر كلّها لدولة واحدة، وإنّما يتوفّر منها في العادة مصدر أو اثنان، بينما الحاجة إلى المياه متزايدة ولا تتوقّف عند حدود، لأنّ السّكان المستهلكين للماء لا يكفّون عن الزيادة في الأعداد.

الكفاءة غائبة في استهلاك المياه ولا تحتاج شيئًا لتكون حاضرة وفاعلة بقدر حاجتها إلى العمل على الوعي

وإذا كتب الله أن توجدَ مثل هذه الاستراتيجية ذات يوم في أيّ عاصمة عربية، فسوف تكون أحوج ما تكون كاستراتيجية موضوعة الى أن تقوم على ما يشبه الإدارة التي استحدثها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إدارته، ثم وضع الملياردير إيلون ماسك على رأسها، واختار لها اسمًا دالًّا هو: "إدارة الكفاءة الحكومية".

القَصْد هو أن يكون إنفاق المياه أو استهلاكها إنفاقًا ذا كفاءة، أي أن يستهلك الفرد على قدر ما يحتاج، لا على قدر ما هو متاح من كميات المياه أمامه. فكثيرًا ما تكون الكفاءة غائبة في الاستهلاك، ولو أنّ دراسةً جرت عن أسباب تزايد استهلاك الفرد البحريني خلال 15 سنة، فالغالب أنّ عدم الكفاءة في الاستهلاك سيكون واحدًا من الأسباب. ولا تحتاج مثل هذه الكفاءة شيئًا لتكون حاضرةً وفاعلةً، بقدر حاجتها إلى العمل على الوعي بها طوال الوقت بين الجمهور.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن