بين 2019 و2022 شغلت بريتي باتيل حقيبة الداخلية في حكومة بوريس جونسون، حيث عقدت صفقة لترحيل اللاجئين في بريطانيا إلى رواندا، وصادقت على ترحيل جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة، وخالفت منظومة السلوك الحكومية في حوادث تنمّر عديدة. بعد خسارة المحافظين في انتخابات السنة الماضية، رشحت نفسها لقيادة الحزب وفشلت أمام كيمي بادينوك، الذي عيّنها وزيرة خارجية الظلّ.

اليوم تعود باتيل إلى عناوين الصحف من بوّابة تشريع يعود إلى عام 2021، قضى بتوسيع قانون بريطاني سابق لعام 2001 كان قد صنّف الجناح العسكري لـ"حركة المقاومة الإسلامية" في خانة "جماعة إرهابية"، بحيث بات يشمل حركة "حماس" بأسرها، السياسي في صفوفها والعسكري على حدّ سواء. إبطال هذا التوسيع هو موضوع الدعوى القانونية التي رفعتها "حماس" مؤخراً، وتطالب الحكومة البريطانية بشطب الحركة من لائحة الإرهاب، استناداً إلى كونها حركة مقاومة تناضل من أجل حقّ الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير.

كذلك ساجل محامو "حماس"، في سياق دعوى وقّعها عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، بأنّ استمرار التصنيف الحالي مخالف لالتزامات بريطانيا حسب القانون الدولي، ويتعارض مع واجب التدخل لمنع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. والتصنيف يمسّ حق التعبير السياسي السلمي ما دامت الحركة ليست معادية للسامية، ولا تمثّل أيّ تهديد أمني على الأرض البريطانية أو الدول الغربية، إذْ لم تنفذ أي عمليات مسلحة خارج حدود فلسطين التاريخية.

وأن يختلف المرء أو يتفق مع "حماس"، في كثير أو قليل، وخاصة خياراتها التحالفية المتقلبة أو حساباتها العسكرية والسياسية القابلة للجدل والمساءلة؛ أمر لا يُبطل صواب اللجوء إلى القضاء البريطاني كما تفعل اليوم، على أمل تصحيح وضع قانوني جائر لا تتوقف مفاعيله عند الجوانب المعنوية وحدها، بل ينطوي على أخذ الأفراد بجريرة الانتماء إلى الحركة أو حتى التعاطف معها.

من جانب آخر، ليست بلاغة سياسية أو مجازية أن تشدد الدعوى على مبدأ مركزي راسخ يؤكد أنّ مقاومة "الاحتلال الأجنبي بكلّ الوسائل المتاحة، بما في ذلك العمل المسلح، هو حقّ أخلاقي وشرعي ومكفول صراحة في القانون الدولي". كما أنّ ردود أفعال المناهضين لهذه الدعوى، ابتداءً من باتيل نفسها وليس انتهاءً بمجموعات الضغط الصهيونية في بريطانيا وخارجها، ليست بدورها بلاغة جوفاء؛ بل هي أقرب إلى كاشف عن بواطن سياسية وأخلاقية مطلقة الانحياز لدولة الاحتلال.

وقد تكون ضئيلة، أو حتى منعدمة، حظوظ كسب الدعوى ضد الحكومة البريطانية في هذه السياقات السياسية تحديداً، حيث السعار ضدّ "حماس" خصوصاً وحقوق الشعب الفلسطيني عموماً، بات يتعامى عن أشدّ جرائم الحرب وحشية وصفاقة. غير أنّ المبادرة تبقى جديرة بالعناء في الحدود الدنيا، لأنها أيضاً تعيد التذكير بالمواقف المخزية التي اتخذها رئيس الوزراء الحالي كير ستارمر نفسه خلال الأسابيع الأولى من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، بما يضع المحافظين والعمال على قدم المساواة تقريباً لجهة الصمت أو تقديم العون لدولة الاحتلال أو التواطؤ.

وفي كتابه "تشرشل واليهود"، اعتبر مارتن جلبرت أنه إذا كان اللورد بلفور هو قاطع الوعد الشهير المشؤوم، فإنّ السير ونستون هو أوّل مَن شرع في الوفاء به، وهو الذي ظلّ أبرز الساهرين على حسن تنفيذه. وليس عجيباً، بل هو بعض أوضح دروس التاريخ الكولونيالي على وجه الخصوص، أن يكون بعض ساسة بريطانيا من أصول مهاجرة هم في طليعة "الصقور" الكواسر ضدّ نصرة الشعوب وحقوقها. كأنّ "حماس"، في قراءة أخرى للدعوى الأخيرة، تقاضي تشرشل نفسه أيضاً، صحبة اللورد بلفور وباتيل ووسويلا برافرمان وستارمر والزمرة الحاشدة.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن