صحافة

"المشهد اليوم"...مفاوضات غزّة بين شروط نتنياهو وعرائض الاحتجاج "صفحة جديدة" في العلاقات اللبنانية - السورية وحرب السودان تدخل عامها الثالث

من الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الرغم من أجواء التفاؤل التي سرت في الايام القليلة الماضية لجهة امكانية التوصل الى اتفاق لوقف النار في غزة واطلاق سراح المحتجزين، تشير المعطيات الراهنة الى "تعثر" مفاجىء طرأ على المفاوضات بعد تسلّم الوسيط المصري مقترحًا اسرائيليًا جديدًا تم نقله الى "حماس" بانتظار ردها عليه في اقرب وقت ممكن. ويتضمن المقترح، لأول مرة، نزع سلاح الحركة ضمن مفاوضات المرحلة الثانية وسط اصرار تل أبيب على وقف مؤقت للنار، فيما تركز "حماس" على نقطتين أساسيتين وهما: ارساء اتفاق دائم لوقف النار والانسحاب الاسرائيلي الكامل من القطاع.

وفي هذا الصدد، علّق رئيس الدائرة السياسية لـ"حماس" في الخارج سامي أبو زهري، على التطورات الأخيرة بالقول: "إن المقترح لم يُلب المطلب الأساسي للحركة والمتمثل في التزام إسرائيل بوقف الأعمال القتالية تمامًا". وشدد على أن "تسليم سلاح المقاومة هو مليون خط أحمر وهو أمر غير خاضع للسماع فضلا عن النقاش". وكانت الحركة اجرت اجتماعات في العاصمة المصرية، القاهرة، بمشاركة مسؤولين قطريين بهدف دفع المفاوضات قدمًا، مؤكدة وجود نوايا حقيقية باطلاق سراح عدد اكبر من الرهائن المحتجزين لديها ولكن بما يضمن انهاء الحرب بشكل تام وادخال المساعدات الى القطاع المحُاصر والمنكوب.

ووفق مصادر لصحيفة "الشرق الأوسط"، فإن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "طالبت بإطلاق سراح 10 مختطفين، من بينهم الجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان الكسندر، إلى جانب عدد مماثل من الجثث، وأن يكون وقف إطلاق النار بين 45 و55 يومًا، مع نزع سلاح "حماس" وتأكيد تنازلها عن إدارة القطاع". هذا ومع كل مقترح جديد وقرب التوصل الى صفقة ما، يقوم الجانب الاسرائيلي بعرقلة الاتفاق عبر فرض بنود جديدة لم يتم التطرق اليها سابقًا في تنصل واضح لالتزاماته وتعهداته. وضمن السياق، استنكر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني "كل محاولات تقويض المسارات التفاوضية أو استهداف الوسطاء التي لا تهدف إلا إلى تخريب جهود الوساطة"، وذلك بحسب البيان المشترك الذي صدر عنهما عقب زيارة قام بها السيسي الى قطر لتعزيز الموقف المشترك.

الاوضاع المأساوية في قطاع غزة، والتي تفرض نفسها على أجندة الدول العربية، تتزامن مع استمرار الضغوط الداخلية المُمارسة على حكومة نتنياهو، حيث وقّع نحو 150 جنديًا إسرائيليًا خدموا في "لواء غولاني" عريضة تطالب بإعادة الأسرى، ولو كان الثمن وقف الحرب فورًا. وينضم هؤلاء الى الآلاف من الإسرائيليين العسكريين كما المدنيين الذين وقعوا على عرائض مشابهة خلال الايام القليلة الماضية داعين الى اعطاء اولوية قصوى لحل ملف الأسرى وعدم المماطلة به وتسويفه.

في الأثناء، كشفت مصادر عسكرية في تل أبيب أن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، إيال زامير، تطرق خلال جلسة رسمية لـ"الكابنيت" الى النقص الحاد في عديد القوى البشرية داخل الجيش، مشيرًا الى انعكاسات ذلك على مسار استكمال أهداف الحرب في قطاع غزة، لاسيما مع غياب الدعم السياسي الفعال، محذراً من أن استمرار الجمود في البحث عن بديل لحكم "حماس" من شأنه أن يقوض أي مكاسب ميدانية، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة " يديعوت أحرونوت" التي لفتت الى أن نسبة جنود الاحتياط الذين يلتحقون بالوحدات القتالية تصل إلى ما بين 60 و70% في أحسن الحالات، وهناك من يتحدث عن نسبة منخفضة تتراوح بين 40 و50%.

هذا وتستغل اسرائيل انشغال العالم بما يجري في غزّة، لتحكم سيطرتها على مخيمات الضفة الغربية المحتلة حيث يعمد العدو الاسرائيلي الى احداث تغييرات جذرية تمهد لعدم عودة سكان المخيمات اليها وفرض وقائع جديدة في الميدان. وبالتالي، فإن كل المعطيات تشير الى أن المخططات الاسرائيلية لتوسيع الاستيطان تسير على قدم وساق خاصة ان الاختلاف الفلسطيني - الفلسطيني يعمّق من الأزمة ويسهم في تمكين تل أبيب من تحقيق مآربها ومخططاتها التوسعية.

التطورات الفلسطينية تترافق مع ما يجري من ترتيبات لاستضافة الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والولايات المتّحدة. فبعد الحديث عن امكانية عقدها في العاصمة الإيطالية، روما، جزمت ايران بأنها ستكون في مسقط، كما الجولة الأولى. وتدرك طهران دقة الوضع وحساسيته، ولهذا فإنها تقف أمام منعطف خطير يدفعها لاتخاذ قرارات سيكون لها تداعياتها على المديين القريب والبعيد. من جهته، يستغل الرئيس دونالد ترامب اي فرصة لتوجيه "تحذيرات" و"تهديدات" لطهران، حيث شدد على أن "إيران لا بد أن تتخلى عن السعي لامتلاك سلاح نووي وإلا ستواجه عواقب قاسية قد تشمل توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية".

الى ذلك، يبرز الدور السعودي المتقدم في مختلف المجالات، خاصة أن المملكة تعتمد مقاربة جديدة في حل القضايا واعادة تعزيز وجودها بعد غياب قسري فرضته الظروف الماضية كما أنها تنشط لتحضير الظروف المناسبة لاستقبال الرئيس الأميركي، الذي اختار السعودية، كأول وجهة في اطار زياراته الخارجية بعد اعادة انتخابه رئيسًا. وعلى ضوء ما يجري من أحداث، بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيريه السوري أسعد الشيباني والإيراني عباس عراقجي، تطورات الأوضاع في المنطقة والجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار.

الاتصال السعودي - السوري يأتي غداة اللقاء الذي جمع الرئيس أحمد الشرع برئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي نجم عنه في أولى مفاعيله الايجابية الاعلان عن استئناف الرحلات الجوية، وذلك في خطوة من شأنها تعزيز الروابط الجوية والاقتصادية بين البلدين. وتنشط الادارة السورية الجديدة منذ الاطاحة بالنظام السابق الى تمتين العلاقات مع الدول العربية وذلك ضمن مساعيها لاعادة الاستقرار الى البلاد بعد حرب دامية استمرت ما يزيد عن 12 عامًا وخلفت وراءها الكثير من المشاكل والأزمات.

في غضون ذلك، برزت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، على رأس وفد وزاري إلى دمشق، في خطوة اعتبرت بأنها تجسد فتح "صفحة جديدة" في العلاقات بين البلدين تقوم على أساس الاحترام المتبادل وحُسن الجوار. وقد ناقش سلام مع الرئيس أحمد الشرع العديد من الملفات والقضايا واتفقا على تشكيل لجنة وزارية لمتابعة كل المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها ترسيم الحدود بحرًا وجوًا وإعادة اللاجئين السوريين وضبط المعابر كما ملف المعتقلين اللبنانيين والمخفيين قسراً في سوريا.

على المقلب الأخر، تدخل حرب السودان عامها الثالث دون ان يلوح في الأفق أي بوادر لاتفاق وشيك يضع حدًا لمعاناة السودانيين المستمرة من قتل وجوع وتشرد. وقدرت تقارير أممية الخسائر المادية بـ200 مليار دولار، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار أكثر من 60% من البنية التحتية، وتشريد نحو 15 مليون شخص بين نازح ولاجئ، في أزمة وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها الأسوأ في القرن الـ21، فيما قالت منظمة الهجرة الدولية بأنها "أكبر كارثة نزوح في العالم". وتتوجه الانظار اليوم الى العاصمة البريطانية، لندن، التي تستضيف مؤتمر دولي بمشاركة وزراء خارجية 20 دولة هدفه مناقشة الازمة السودانية والاطر الممكنة لإنهاء الصراع الدامي.

الموضوعان الفلسطيني والمفاوضات الايرانية - الاميركية احتلا سلم اولويات الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث نرصد في الجولة الصباحية:

ركزت صحيفة "الوطن" القطرية على أهمية قمة الدوحة التي عُقدت بين الرئيس السيسي وأمير البلاد لتواكب "الأحداث المتسارعة والحرجة، التي تتعرض لها المنطقة، والتي تحتاج إلى التنسيق والتباحث والتشاور وتبادل الرؤى،"، واضعة اياها في خانة "الفرصة المهمة والضرورية للتشاور حول سبل تهيئة الظروف لإعادة الإعمار في غزة، ونجاح مؤتمر القاهرة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار، بما يضمن بقاء الفلسطينيين على أراضيهم".

بدورها، شددت صحيفة "الرياض" السعودية على أن "ارتفاع وتيرة الانتقاد السعودي للبربرية الإسرائيلية ليس مجرد صرخة في واد، بل تحذير للحكومات الغربية بخطورة هذه الممارسات الوحشية التي لا تقتصر على تهديد أمن لبنان وسورية فحسب بل ينذر بالتمدد إلى دول عربية أخرى". وقالت: "رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعد لزج المنطقة في حروب لا نهاية لها لأنه يمارس "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بينما لا يحق لشهداء الشعب الفلسطيني أن يلفوا بكفن يليق بكرامة الموتى".

وتحت عنوان "اسرائيل خارج الخدمة!"، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية عن المفاوضات الايرانية - الاميركية وما أسمته "مفاجأة استبعاد إسرائيل من البداية، خاصة أن هذا التحول يمثل بُعدًا جديدًا في العلاقة بين إيران وأميركا، لأن إسرائيل تعتبر نفسها شريكًا أساسيًا في المواجهة مع إيران"، معتبرة أنه "في حال نجاح المفاوضات وحسم قضية المشروع النووي، فسوف يكون هناك مستقبل آخر بين ترامب وإيران، يقوم على ميراث قديم بين البلدين ما زال يحمل جسوراً كثيرة بين شاه إيران وأميركا"، بحسب تعبيرها.

أما صحيفة "الغد" الأردنية فلفتت الى أن "لهجة التهديد والتصعيد المتبادلة بين واشنطن وطهران تراجعت بشكل ملحوظ وحلت مكانها عبارات دبلوماسية متفائلة بإمكانية إبرام صفقة تاريخية مع إيران تطوي ملف البرنامج النووي والدور الإقليمي المقلق لطهران"، لكنها لاحظت أن "إسرائيل وأنصارها الذين فوجئوا في المسار التفاوضي، يرفضون بشدة الصفقة حيث تراهن حكومة نتنياهو على انهيار المفاوضات عندما يبدأ الحديث في التفاصيل، حيث يمكن لإسرائيل حينها أن تزرع شياطينها لتفجير المفاوضات".

الموضوع نفسه تناولته صحيفة "عُمان" العمانية التي رأت أنه "وبرغم سنوات القطيعة بين البلدين إلا أن واشنطن وطهران تدركان قيمة كل منهما للأخرى وتثقان في عودة العلاقات بينهما في وقت ما، برغم مرارة الخلافات بينهما". وتابعت: "هناك في واشنطن من يدرك مخاطر الحروب وتكاليفها من المعدات والقوى البشرية. ومن هنا فإن من يقومون بدور الوساطة الموثوق فيها يحتاج العالم إليهم بشدة والكثير سيتوقف على الجولة القادمة وما بعدها من المحادثات الأمريكية الإيرانية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن