صحافة

"المشهد اليوم"… زيارة سعودية لإيران عشية استئناف المفاوضات النووية"حماس" تطالب بإتفاق ينهي الحرب وعشرات القتلى والجرحى في ضربات اميركية على الحوثيين

خلال اللقاء الذي جمع وزير الدفاع السعودي والمرشد الإيراني في طهران أمس (وكالات)

تحمل زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الى ايران الكثير من الدلالات في طياتها، خاصة أنها تأتي على وقع انعقاد الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، المقرّر عقدها غدًا السبت، كما انها تشير الى التحسن المطرد في العلاقة بين البلدين، والتي لطالما شهدت الكثير من التجاذبات والتقلبات وصولًا الى القطيعة التامة قبل اعادة وصلها عام 2023 في ما يُعرف بـ"اتفاق بكين". واللقاء على أهميته يزخر بالعديد من الرسائل، وخاصة للولايات المتحدة الاميركية مع زيارة مرتقبة لرئيسها دونالد ترامب الى الرياض والدور الذي يمكن أن تضطلع فيه المملكة لتقريب وجهات النظر وإبعاد "كأس" الفوضى عن المنطقة لما تملكه من علاقات مميزة مع واشنطن باعتبارها من الحلفاء الاستراتيجيين.

وتعتبر هذه الزيارة الرفيعة المستوى الثانية منذ عام 1979، وذلك بعد زيارة أولى وُصفت بـ"التاريخية" للراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى طهران مطلع عام 1999، وتشكل نقطة تحوّل في العلاقات السعودية - الايرانية، بما يشي بمرحلة جديدة وتغيرات في الاجندة الدولية ما يمكن ان ينعكس ارتياحًا ويعزز فرص التفاوض على حساب الحلول العسكرية، التي لا تزال توضع على الطاولة. وفي التفاصيل، سلّم وزير الدفاع السعودي المرشد الإيراني علي خامنئي رسالة خطية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كما ناقش معه القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك بحضور رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري.

وشدد خامنئي خلال اللقاء على أن "التواصل سيكون مفيدًا لكلا البلدين، ويمكن للدولتين أن تكونا مكملتين لبعضهما البعض"، مؤكدًا أنه "من الأفضل أن يتعاون الإخوة في المنطقة بدلًا من الاعتماد على الآخرين". بينما أعرب وزير الدفاع السعودي عن سعادته قائلًا: "أتيت إلى طهران بجدول أعمال يركز على تعزيز العلاقات والتعاون في كافة المجالات، ونأمل أن تؤدي المحادثات البناءة التي جرت إلى علاقات أقوى من أي وقت مضى بين السعودية وإيران". هذا ويُذكر أن هذه الزيارة أتت بدعوة من رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية وكانت مقررة قبل التطورات الاخيرة مع واشنطن.

من جهته، وصف السفير الإيراني لدى السعودية علي عنايتي، في حديث خاص لصحيفة "الشرق الأوسط" الزيارة بـ"المهمة للغاية"، موضحًا أنها "دليل على تحرك العلاقات بوتيرة متسارعة منذ عودتها قبل أقل من سنتين". وشدد على أن "الإقليم يحتاج إلى التكاتف والتعاضد بين دوله، خاصة السعودية وإيران"، متابعاً: "عندما نتحدث عن الأمن أو الاستقرار الإقليمي، لا يمكن أن يتحققا إلا بتضافر الجهود لجميع دول المنطقة، وأن تجلس دول الإقليم وترسم مستقبله بيديها".

وتزامنت هذه التطورات الاقليمية مع ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن منع الرئيس ترامب خطة إسرائيلية لضرب مواقع نووية إيرانية، وذلك على خلفية انقسامات داخل إدارته بشأن كيفية التعاطي مع طموحات إيران لبناء قنبلة نووية، حيث تبرز مخاوف من أن يؤدي التصعيد الى ادخال المنطقة وخاصة دول الخليج في عقود من التوترات. هذه المعطيات لم يؤكدها الرئيس الأميركي الذي قال أمس "لست في عجلة من أمري للقيام بضرب المنشآت النووية الايرانية، لأنّني أعتقد أنّ طهران لديها فرصة لأن تصبح دولة عظيمة". بدورها، كشفت "هيئة البث الإسرائيلية" أن واشنطن تواصل نقل مئات القنابل إلى تل أبيب، ففي خلال 24 ساعة فقط هبطت في قاعدة "نيفاتيم" 9 طائرات شحن أميركية تحمل مئات القنابل، وفق الهيئة، التي وصفت عمليات نقل الأسلحة بأنها جسر جوي غير مسبوق منذ سنوات. كما ربطت بين نقل القنابل وتمكين إسرائيل من ضرب منشآت ايران النووية في حال فشل المفاوضات الجارية.

في غضون ذلك، بدت لافتة زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الى موسكو في هذا التوقيت الشديد الحساسية، حيث حمل معه رسالة خطية من المرشد الإيراني الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورغم انه لم يتم الكشف عن مضمونها، الا ان المعطيات رجحت أن تتعلق بالمفاوضات الجارية من اجل الملف النووي الايراني وامكانية ان تسهم موسكو، بما تملك من حيثية وعلاقات، بلعب دور أكبر في هذا الاطار، انطلاقًا من دورها السابق كضامن في اتفاق عام 2015 عندما تم التوافق على إعادة كميات من اليورانيوم المخصب إلى مستودعات خاصة في موسكو.

هذه الحماوة السياسية تتلاقى مع احداث اخرى لا تقل أهمية وتتعلق بمصير قطاع غزة ومفاوضات وقف النار وارساء هدنة لا تزال ظروفها غير مكتملة رغم القتل اليومي والعنف المستشري وتوسيع الاحتلال عملياته العسكرية. وفي حين كان متوقعًا ان تربط حركة "حماس" اي اتفاق بوقف الحرب بشكل كامل والانسحاب الاسرائيلي مقابل اطلاق سراح المحتجزين لديها، الا ان رفضها المقترح الاسرائيلي الجديد يعيد المفاوضات الى نقطة الصفر بانتظار تدخل الوسطاء لايجاد "مخارج" جديدة او وضع مقترحات اخرى يمكن ان تسهم بتقليص فجوة الاختلاف بين الطرفين. وفي هذا الاطار، أكد رئيس حركة "حماس" في غزة خليل الحية استعداد الحركة للبدء الفوري في مفاوضات الرزمة الشاملة، وتتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

الى ذلك، تزداد الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب واستعادة الاسرى فورًا، فيما هو مصر على اعتماد التصعيد العسكري كسبيل لاطلاق سراح المحتجزين. ويستفيد نتيناهو من الدعم الاميركي اللامتناهي له وغياب المواقف الدولية والعربية الحازمة خاصة مع تكرار مشاهد احتراق الجثث وتعمد اسرائيل استخدام سلاح التجويع كأداة للضغط على سكان القطاع الذين يعانون من ظروف كارثية واوضاع مأساوية دفعتهم الى الخروج للشوارع ضد حكم "حماس" مطالبين بعقد صفقة فورًا تنهي ما يعيشونه منذ ما يقارب العام ونصف العام.

ومن غزة واوضاعها الى اليمن، حيث أعلن الحوثيون عن مقتل 33 شخصًا وإصابة 80 آخرين في حصيلة أولية للضربات الأميركية على ميناء رأس عيسى النفطي في محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر. وكانت القيادة المركزية الأميركية أشارت، في وقت سابق، إلى أن قواتها نفذت ضربات أسفرت عن تدمير مرفأ الوقود في ميناء رأس عيسى النفطي الذي تستخدمه جماعة الحوثي. وأضافت ان استهداف الميناء يهدف لحرمان الحوثيين من "الإيرادات غير المشروعة التي موّلت جهودهم لإرهاب المنطقة بأكملها لأكثر من 10 سنوات".

أما على المقلب السوري فيبدو ان الانسحاب الاميركي بات أمرًا واقعًا بعدما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين اشارتهم الى أن الجيش الأميركي بدأ، أمس، سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، ويعمل على إغلاق ثلاث من قواعده العسكرية الثماني هناك. وقال المسؤولون إن الجيش الأميركي سيخفض عدد قواته في سوريا من ألفَي جندي إلى نحو 1400، وسيعمل القادة بعد شهرين على تقييم إمكانية إجراء تخفيضات إضافية في عدد أفراد القوات. وسبق لهذا الانسحاب محاولة اسرائيلية للضغط على الادارة الاميركي للبقاء الا ان القرار اتخذ بالانسحاب التدريجي وفق خطة الرئيس ترامب لتقليص عدد القوات العاملة حول العالم.

الاوضاع السورية تحتل اولوية خاصة بظل محاولات لتخفيف العقوبات المفروضة على البلاد من اجل الانطلاق بعملية اعادة الاعمار وتحسين الظروف الاقتصادية الضاغطة على السوريين. وتسعى دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، الى تقديم المساعدات وتوفير الدعم اللازم لتمكين الادارة السورية الجديدة من مواجهة الازمات والمخاطر المحدقة بها. بينما كان بارزًا ما اعلنت عنه الرئاسة السورية عن لقاء جمع الرئيس احمد الشرع برئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني برعاية قطرية، ما يمهد الى ارساء تفاهمات خاصة بظل ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة.

على المقلب الاخر، يطغى ملف سلاح "حزب الله" على المشهد اللبناني بعدما عقدت الحكومة جلسة أمس، لم يخرج بموجبها اي قرارات جديدة متعلقة بهذا الملف الحساس، رغم الضغوط التي يتعرض لها لبنان من اجل تطبيق القرار 1701 وبسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها. ويقارب رئيس الجمهورية جوزاف عون هذا الموضوع من باب التشاور وعقد اتفاقيات تسهل الوصول الى نتائج بعيدًا عن دخول البلاد في اتون صراعات جديدة مع التشديد على ضرورة الانسحاب الاسرائيلي الكامل من لبنان ووقف اعتداءاتها اليومية. وفي جديد الانتهاكات، استهدفت مُسيّرة إسرائيلية بصاروخ دراجةً نارية على طريق النقعة في بلدة عيترون، جنوب لبنان، ما ادى الى مقتل شخص، ادعت اسرائيل انه نائب مجمع محيبيب في "حزب الله" عبد النبي حجازي.

الزيارة السعودية لايران كانت محور الصحف العربية الصادرة اليوم الى جانب مسألة معالجة لبنان لسلاح "حزب الله" واستعادة حصرية القرار. وفي هذا السياق نوجز أهم ما ورد:

اشارت صحيفة "الرياض" السعودية الى أن زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى طهران "تأتي في إطار توثيق العلاقات وأخذها إلى مراحل جديدة من التعاون في مختلف المجالات"، مشددة على أن "المملكة وإيران دولتان لهما وزنهما الكبير وتستطيعان من خلال التعاون تحقيق العديد من الإنجازات التي ستعود بالفائدة عليهما، وإن كانت الفائدة الأكبر هي عودة الاستقرار إلى المنطقة واتجاهها إلى التركيز على التنمية المستدامة من خلال التعاون المبني على أرضية من الثقة المتبادلة والنوايا الصادقة".

واعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية ان الزيارة الرسمية السعودية الى ايران تشكل "تعبيراً عن مدى اهتمام المملكة ودول الخليج بالمفاوضات الايرانية - الاميركية التي سوف ترسم، في حال نجاحها، مسارًا جديدًا للعلاقات بين واشنطن وطهران، ثم بين دول المنطقة على ضفتي الخليج العربي، بما يضع حدًا لكل الخلافات في العلاقات الإقليمية والدولية، ويدعم العمل المشترك بما يسهم في تعزيز السلم والأمن والاستقرار". وأضافت "المهم أن قطار المفاوضات انطلق، وبذلك فتحت نوافذ التفاؤل، وأغلقت نوافذ التصعيد والتهديد، وطويت خطط الحرب التي كانت تسعى لها الحكومة الإسرائيلية".

ومن وجهة نظر صحيفة "الصباح" العراقية فإنه "لا يمكن التكهن بنتائج المفاوضات الايرانية - الاميركية لغموض القرارات التي يتخذها الرئيس ترامب، وإنما نستطيع أنْ نقيم كل جولة وكل اجتماعٍ وما تفرزه من معطيات؛ لأنَّ هذه المفاوضات مرشحة للانهيار في كل يومٍ ولحظة"، لافتة الى أن "كل الاحتمالات حاضرة على طاولة المفاوضات، اتفاقٌ مرحلي، اتفاقٌ دائمٌ على مراحل، لا اتفاق، تفاهماتٌ مرحليَّة.. والأمر يتعلق بالأفكار التي تُطرح".

صحيفة "الراي" الكويتية علّقت على الشأن اللبناني حيث اوضحت أن لبنان الرسمي اختار ان يكون الحوار الثنائي بين الرئاسة الاولى و"حزب الله" بشأن السلاح "جسر العبور الرئيسي فيها، مع مراعاة مسألتين: الأولى حساسية الوضع الداخلي والثانية، ضرورة الارتقاء إلى "المعايير المُطابقة" للدولة الكاملة والمكتملة المواصفات والتي تنتظم تحت مظلة الشرعيتين العربية والدولية كـ "ناظِم" يَضْمَن عودتها بعد سنوات من وضعها ضمن مصافي "الدولة الفاشلة" و"الممرّ" لزعزعة استقرار أكثر من بلدٍ وصولاً إلى اقتياد البلاد لحرب مدمّرة مع اسرائيل"، بحسب تحليلها.

الموضوع نفسه تطرقت له صحيفة "اللواء" اللبنانية التي تحدثت عن "ان مسعى الرئيس عون لمعالجة ملف سلاح "حزب الله" سيواجه تعقيدات وصعوبات كثيرة إذا استمرت المواقف التصعيدية، سواء من الجانب الأميركي والإسرائيلي أو من القوى السياسية في داخل لبنان"، مؤكدة أن "عملية بسط سيادة الدولة على أراضيها تفترض إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ثم انضباط كل الأطراف السياسية اللبنانية في هذه العملية كما الفصائل الفلسطينية المسلحة، عدا ذلك يبقى كل الكلام بلا جدوى".

من جهتها، انتقدت صحيفة "الوطن" القطرية ما يجري على الصعيد العربي من احداث متتالية، لاسيما في قطاع غزة مع مواصلة آلة القتل الاسرائيلية الوحشية، حيث أن "المشهد العربي الحالي كئيب إلى أقصى درجة. وهي كآبة تؤكد أننا في حاجة إلى العود على بدء وأن نفكر من الصفر فنبدأ في تحديد ملامح رابطة عربية جديدة بمواصفات متواضعة نستطيع الحفاظ عليها". وقالت: "فالعرب باللسان متقاربون. لكن اللسان وحده لا يبني نظامًا إقليميًا متماسكًا"، على حدّ وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن