صحافة

تراجع أمريكا… وملامح وتحديات تشكيل شرق أوسط جديد!

عبدالله خليفة الشايجي

المشاركة
تراجع أمريكا… وملامح وتحديات تشكيل شرق أوسط جديد!

إعادة التموضع في العلاقات الدولية تعني تحولات وتغير أولويات جيو ـ استراتيجية لتشكيل وتغير تحالفات وصراع بين المتحاربين بأولويات مختلفة ومتباينة بين القوى الإقليمية وعلى المستوى الدولي أيضا. تتأثر التحولات وإعادة التموضع بتغيير الأهداف والأولويات والحلفاء والخصوم والأعداء، وعادة تكون مدفوعة بتحولات ومتغيرات اقتصادية وأمنية وجيو-استراتيجية وبتبدل الأولويات.

ونرى في منطقتنا حجم المتغيرات خلال العقود الثلاثة الماضية مع غزو واحتلال صدام حسين لدولة الكويت، وقيادة الولايات المتحدة التحالف الدولي والحضور العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حتى صارت الولايات المتحدة للبعض قدراً يتحكم بمصير وبقاء الأنظمة. وتكرس صعود وهيمنة الدور الأمريكي مع إسقاط نظام صدام حسين وصعود إيران بمشروعها التوسعي ودعم أذرعها وحلفائها من الخليج إلى المتوسط.

ومع الربيع العربي وعسكرة الثورات وخاصة في سوريا وعودة روسيا إلى المنطقة من البوابة السورية لدعم النظام، إلى بدء تراجع الحضور الأمريكي في عهد الرئيس أوباما بعد الملل من استنزاف موارد أمريكا بـ"حروب الشرق الأوسط الدائمة" ليتراجع وينكفئ حضور الولايات المتحدة الأمريكية. وخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران. وصعود دول مجلس التعاون الخليجي لقيادة النظام العربي قبل وبعد الأزمة، ودور الوساطات الدبلوماسية تتقدمها دولة قطر في حل الخلافات وتقريب وجهات النظر كما نشهد بين حماس وإسرائيل والولايات المتحدة وإيران والولايات المتحدة وطالبان.

وتطبيع دول عربية مع إسرائيل، ولم يمنع توقيع إسرائيل "الاتفاقات الإبراهيمية" مع دول عربية وخليجية وحتى نشط النقاش حول التطبيع بين السعودية وإسرائيل بشروط واضحة وقيام دولة فلسطينية مقابل ضمانات أمنية ومعاهدة عسكرية ملزمة مع واشنطن وبرنامج نووي سلمي. لكن طوفان الأقصى وحرب إسرائيل المدمرة على غزة فرملّا وعطلا تلك المساعي. وخاصة بعد تصعيد وشن إسرائيل حرب إبادة على غزة ضمن حروبها الست على غزة وتهويد القدس واستنساخ إبادة غزة إلى الضفة الغربية، وتهديد إسرائيل الأمن الإقليمي. وهذا ما يفاخر به نتنياهو بتشكيل شرق أوسط جديد بقيادة إسرائيل!

كذلك نشهد إعادة تموضع بتحولات مهمة أبرزها صعود وتراجع دور "الفاعلين من غير الدول" -الحوثيون يواجهون جبروت وقوة الولايات المتحدة في حرب أمريكية جديدة على اليمن وفي المنطقة! وتراجع نفوذ حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي والفصائل المسلحة في العراق، وسقط نظام الأسد بعد أكثر من خمسة عقود من حكم متسلط استبدادي في سوريا.

وكما نشهد تقاربا خليجيا بقيادة السعودية مع إيران بعد المصالحة وعودة العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية قبل عامين وتبادل الزيارات بين مسؤولين في البلدين. وآخرها زيارة تاريخية ملفتة لوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى إيران، حاملاً رسالة خطية للمرشد الأعلى من الملك سلمان لقاء قيادات النظام الإيراني. وكان ملفتا تعليق المرشد الأعلى أن "العلاقة بين البلدين يمكن أن تكمل بعضها البعض ومن الأفضل أن يتعاون الإخوة في المنطقة بدلا من الاعتماد على الآخرين". طبعا لا نغفل اليوم عن تراجع نفوذ ودور وحتى مشروع إيران في المنطقة بعد الانتكاسات التي منيت بها وحلفاؤها العام الماضي.

أبرز أبعاد التحولات الإقليمية ناتجة عن إعادة التموضع والانكفاء الأمريكي منذ عهد الرئيس أوباما و"الاستدارة شرقاً" للابتعاد عن الحروب الدائمة في المنطقة ومواجهة واحتواء الصعود الصيني والتهديدات الأمنية الروسية للأمن الأوروبي، وهذا كان قبل عقد من الزمن قبل حرب روسيا على أوكرانيا. ما يدفع دول المنطقة وخاصة حلفاء الولايات المتحدة للتحوط والبحث عن خيارات بديلة ممثلة بالصين وعلاقتها وشراكتها وطريق الحرير ومشروعها العملاق العالمي "الحزام والطريق الواحد". ومن التحولات الجيوبولتيكية الواضحة، صعود دور وحضور تركيا كلاعب إقليمي بطموح ونسج علاقات مهمة مع دول المنطقة من سوريا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة مع دولة قطر والدعم العسكري والقاعدة التركية في قاعدة العديد ووقوف تركيا مع قطر في الأزمة الخليجية وتوقيع اتفاقيات استثمارات وصفقات أسلحة وخاصة في مجال المسيرات برغم الاعتراف بصعوبة وتعقيدات ذلك.

ويتنامى دور وحضور الدورين الصيني والروسي وتبني روسيا والصين مواقف وسياسات مختلفة كليا مع الموقف الأمريكي الداعم بشكل كلي لحرب إبادة إسرائيل على غزة وعربدتها في المنطقة ودعم قيام دولة فلسطينية ومعارضة تهجير والتطهير العرقي للفلسطينيين في غزة. وخاصة الصين التي نجحت وساطتها بالمصالحة بين السعودية وإيران.

وتصدي وتحدي الصين للولايات المتحدة بمفردها لحرب التعريفات والرسوم الجمركية التي رفعها ثم جمدها الرئيس ترامب على دول العالم ـ باستثناء الصين التي رفعها بنسبة 145٪!! ما يضر بأمريكا كما يضر بالصين التي تستمر بتحدي واشنطن… وردت الصين برفع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية بنسبة 125٪. ولا نغفل الواقع أن الصين ودول شرق آسيا باتت الشريك الأول التجاري والمستورد الأول للنفط والطاقة الخليجية، ما يعني أن الصين باتت الشريك التجاري الأول والأهم لدول مجلس التعاون الخليجي وإيران.

ولذلك في التفكير الاستراتيجي أرى تشكل نظام إقليمي شرق أوسطي وخليجي متعدد الأقطاب وتبقى الولايات المتحدة اللاعب الأكثر نفوذا وتأثيرا ولكن بدور متراجع يقوده ترامب ونظريته "أمريكا أولاً ولنجعل أمريكا عظيمة" وعقليته المركنتالية التجارية المرتكزة على الصفقات والاستثمارات وليس التفكير والتخطيط الاستراتيجي. وخاصة أن سياساته وقراراته ورفع الرسوم الجمركية على الحلفاء: كندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وتهديد أمن حلفائه في المنطقة، بدعم حرب إبادة إسرائيل وحتى التوصل لصفقة مع إيران يجمد برنامجها النووي مقابل تنازلات وإبقاء نفوذها الإقليمي، لا يعزز ثقة الحلفاء المتراجعة بمواقفه وخططه والتعويل على الحليف الأمريكي المتقلب والمتراجع والمنكفئ والغارق في حروب وصراعات داخل أمريكا المنقسمة والمنعزلة وحرب في المنطقة!!

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن