سياسات الدول واستراتيجياتها لا تُلقى على ناصية وسائل التواصل الاجتماعي، لكن "البرتقالي"، الرئيس الأميركي رقم 47، فعلها منذ يومه الأول في البيت الأبيض، ولا زال.
القادم للانتقام ممن أفشلوه، عاد بعد مرحلة عابرة في تاريخ أميركا، تحمل اسم سلفه المريض جو بايدن.
الصهيوني الهوى، عاد ليحدد للعالم بأسره الخطوط الحمراء، من دون أن ينظر خلفه.
بسلطته المطلقة ونزعته الاستعراضية، قفز إلينا في بحر غزّة، الملطخ بدماء الفلسطينيين..
حينما أفشلنا خطة التهجير التي اقترحها عليه نتنياهو، عاد بخطة "تهريج"، هذه المرة تحمل اسم "قناة السويس".
الأسلوب الترامباوي الشهير نفسه: قايض ثم قايض ثم قايض.
العائد بخفي حنين من معركة الرسوم الجمركية مع الصين، والمراوغ مع حلفائه، والمستكين لإسرائيل، أرغى وأزبد عبر تغريدة مسمّمة.
نحن الجالسين على ضفاف النيل، اعتدنا الأمر، لكنه لم يعتدنا بعد..
في تلموده المزيف وإنجيله السياسي المحرّف، اخترع ترامب العجلة مجددًا، وسعى لتصديرها لنا.
تلك استراتيجية الإرباك الصادم: لكننا لا نصاب بالذهول بسهولة.
لقد اعتدنا الأمر وتكيّفنا معه، نزوات عابرة ومشاريع متصهينة، تقف عند باب حدودنا يتيمة، بعدما تنصّل منها صانعوها وإن لم يتبرّأوا منها بعد..
سيعبر ترامب وغيره التاريخ، لكننا سنبقى وكذلك قناة السويس، فلا زال "أبو الهول" لم ينطق كلمته بعد..
لدينا معركة مؤجّلة قالها قبل سنوات بعيدة الجنرال عمر سليمان، كبير البصاصين في المحروسة دومًا وأبدًا.
لكن المعركة قد تبدو وشيكة، فـ"أولاد العم" الخونة يدقون طبولها ويرقصون كالهنود الحمر حول نيرانها.
بيد أننا اعتدنا الأمر، فماذا بعد؟
ليس لدينا أكثر مما خسرناه، بسبب ما يجري على تخوم البحر الأحمر.
10 مليار دولار، دفعة واحدة، ذهبت مع رياح الحوثيين الطائشة بدعوى "دعم غزّة".
لكن الأمر كله يتعلق بالحصار، فتلك خريطتنا باتت في مرحلة ما بعد الاشتعال.
لذا أطلق "البرتقالي" قنبلته الصوتية في وجهنا مجددًا، ليس وجهًا لوجه بعد..
اختبار الصبر فنّ، و"الست" منذ زمن قالت إنّ له حدودًا وأسيادًا.
نحن هؤلاء وأكثر.. من حسن الطالع أن ليس من بين رفاق السيسي، صلاح سالم ليكرّر عليه نصيحته لناصر: "استسلم للأعداء"...
بيد أنه من سوء الطالع، أن ليس بيننا مغامر جسور كالشاذلي.
في الحالتين يتعيّن أن نحمي القناة وندافع عن سيادتنا...
لا شيء بالمجان، قالها رئيس البلاد وجعلها سردية حكمه..
المسالة أضحت على المحك...
لا يعرف المصريون من كثرة ما عاينوا، الذهول...
تلك لحظات يجب ألا يكون فيها وجل، ولا ذعر...
فللقناة رب يحميها، وجيش لديه شعب وراءه...
ثمّة رسوم يتعيّن دفعها، حتى لـ"سفن الفضاء"، وسفن أمريكا ليست استثناء، وينبغي أن لا تكون...
القناة ليست سبيلًا للعابرين، ولا تعرف في تاريخها البلطجة السياسية...
في لعبة "البرتقالي"، يخسر من يبكي أولًا، تمامًا كما كنا نفعل ونحن صغار، فنعتاد كتم الألم وعدم الصراخ، حتى لا يتغذى عليه الآخرون..
"مصاص الدماء" الذي نعاينه في البيت الأبيض، رمى حجرًا على زجاجنا المشروخ.
حسنا، لا بأس، فقد اعتدنا الأمر...
إما أن تصلح الزجاج، أو أن تستبدله بالحديد...
إذا كان القابع في واشنطن قد تنكّر لإرث "أيزنهاور"، فعلى المقيم في القاهرة، أن يتذكّر أنّ السادات لحظة إعادة افتتاح القناة، قال نصًا: "ونحن قادرون على حمايتها"!.
(خاص "عروبة 22")