صحافة

تقاطعات النفوذ في آسيا الوسطى

السيد صدقي عابدين

المشاركة
تقاطعات النفوذ في آسيا الوسطى

في السادس والعشرين من إبريل (نيسان) عقد الاجتماع السادس لوزراء خارجية الصين وجمهوريات آسيا الوسطى الخمس كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجيكستان. من بين ما ناقشه الاجتماع الإعداد للقمة الثانية بين الجانبين بعدما كانت الصين قد استضافت القمة الأولى في مايو (أيار) من عام 2023. وكانت القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى قد عقدت في الأسبوع الأول من شهر إبريل (نيسان) 2025.

مثل هذه الاجتماعات تدل على تعاظم الاهتمام بهذه المنطقة من قبل القوى الدولية، بحكم ما تمتلكه من موارد طبيعية، بما فيها المعادن النادرة، وكذلك بحكم موقعها الجغرافي المتميز، والذي يشكل حلقة ربط مهمة في الفضاء الأوراسي. هذا الاهتمام لا يقف عند الصين والاتحاد الأوروبي، وإنما هناك اهتمام أمريكي متواصل، ومن قوى إقليمية مجاورة مثل تركيا وإيران، كما أن دولاً مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية لا تخفي تطلعاتها للاستفادة مما هو متوفر لدى هذه المنطقة.

ولا يمكن إغفال الدور الروسي المتميز فيها حيث أنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وهناك الكثير من صيغ التعاون بين روسيا وهذه المنطقة، ومن ضمنها اتفاقية منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم ثلاثة من جمهوريات آسيا الوسطى إلى جانب كل من بيلاروسيا وأرمينيا رفقة روسيا. وقد كان للمنظمة الدور الأكبر في عودة الهدوء إلى كازاخستان بعد الاحتجاجات العنيفة التي وقعت في بداية عام 2022، حيث تم إرسال قوات عسكرية من الدول الأعضاء لمساعدتها في هذه الظروف.

هذا التفرد الروسي في العلاقات مع تلك المنطقة تدركه القوى الدولية الأخرى الساعية إلى علاقات أوسع معها. وإذا كان هناك من يراعي تلك الخصوصية مثل الصين، بحكم علاقاتها المتميزة مع روسيا، فإن دولاً وتجمعات أخرى قد لا تكون بمثل هذا الحذر عند التعامل مع المنطقة، بل إنها قد تتعمد الدخول في قضايا لا ترضى عنها موسكو. ويبقى أن جمهوريات آسيا الوسطى تدرك ما تمتلكه من ميزات، فإنها لا تغفل عن حساسية أن تدخل في استقطابات تؤدي إلى توتر علاقاتها مع طرف على حساب الأطراف الأخرى.

والمؤكد أنها تضع روسيا في المقدمة حتى ذلك الوقت. فالأمر مع روسيا ليس مجرد تاريخ وجيرة وربما حماية، وإنما أيضاً تداخلاً بشرياً نتج عن الخبرة السوفييتية، حيث يعيش الكثير من مواطني هذه الدول في روسيا، كما أن الكثير من الروس يعيشون في هذه الجمهوريات. ويشكلون نسبة يعتد بها في دولة مثل كازاخستان. من الواضح أن هذه المساعي التقاربية من القوى الدولية تجاه آسيا الوسطى توفر فرصاً كبيرة للاستفادة، سواء تعلق الأمر بالحصول على استثمارات جديدة، أو جلب تكنولوجيات متقدمة، ناهيك عن زيادة مكانتها الدولية. وكل هذا يعود بالنفع على عملية التنمية، وخلق فرص العمل، ورفع مستويات المعيشة في تلك الدول.

حتى الآن لم يثر كل هذا التقارب بين هذه الجمهوريات والقوى الدولية الأخرى الغضب الروسي، كما حدث في حالتي أوكرانيا وأرمينيا. وينبع هذا من حرص هذه الجمهوريات على عدم تخطي حدوداً تعلم أن موسكو تعتبرها خطوطاً حمراء.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن