الأمن الغذائي والمائي

هل يصمد قطاع المياه في مواجهة تحدّيات التمويل؟

القاهرة - آية أمان

المشاركة

تواجه مشروعات إنتاج المياه غير التقليدية في المنطقة العربية المعتمِدة على مِنَح ومساعدات قدّمتها "وكالة التنمية الأميركية الدولية" أزمة تمويل منذ قرار الرئيس دونالد ترامب، وقف الوكالة الأميركية للتنمية وإنهاء عقود عدد من مشروعاتها في مجالات المياه والغذاء في الدول العربية والشرق الأوسط، بخاصةٍ مشروعات التحلية وإعادة التدوير ورفع كفاءة البنى التحتية للمياه.

هل يصمد قطاع المياه في مواجهة تحدّيات التمويل؟

كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أبرز شركاء التمويل لمشروعات المياه والصّرف الصحّي في العديد من الدول العربية، بخاصةٍ مشروعات الدعم الفنّي وتعزيز خبرات قطاعات المياه في مواجهة نُدرة المياه عبر البحث عن مصادر بديلة في مواجهة الشحّ المائي مثل مشروعات التحلية وإعادة التدوير والتي تتطلّب استثماراتٍ ضخمةً تفوق ميزانيات العديد من الدول العربية.

في الأردن، لا يزال مصير عقود عددٍ من مشروعات الشراكة بين وزارة المياه والوكالة الأميركية مجهولًا، على الرَّغم من الأهمية القصوى للمشروعات في توفير مصادر المياه العذبة للمجتمعات المحلّية في الأردن. ففي تقرير للوكالة الأميركية للتنمية، تبيّن أنّ أغلب مشروعات الشراكة مع السلطات المحلية في الأردن منذ 1992 كانت تُركِّز على رفع كفاءة استخدام المياه وإعادة التدوير كمصدرٍ غير تقليدي وتوفير بدائل للمياه العذبة، بينما كانت الوكالة الأميركية جزءًا أساسيًّا من مشروعات البنية التحتية للمياه والصرف الصحي للمياه في الأردن والتي لا تزال قيد الانشاء مع عقود تمتدّ حتّى عام 2028.

يبقى التحدّي الرئيسي في الأردن، تهديد مصير مشروع النّاقل الوطني لتحلية ونقل المياه، وهو المشروع الأكبر في تاريخ الأردن والمنطقة العربية من حيث البنية التحتية، وتُعلّق عليه المملكة آمالًا واسعة لتقليل الضغط على المياه الجوْفية وتوفير المياه لأكثر من 4 ملايين مواطن، بحيث أوْكلت إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID" الدور الرئيسي في تقديم الدعم الفنّي والاستشاري للمشروع.

وفي اليمن، كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أكبر الداعمين لمشروعات المياه، بحيث نفّذت مشروعات عدّة لإعادة تأهيل وبناء البنية التحتية للمياه، ودعم الإدارة المُستدامة للموارد المائية. ويُعدُّ توقّف التمويل الأميركي خطرًا يُهدّد مشروعات المياه في اليمن بسبب النزاع المستمر، والقيود الأمنية، وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق.

وفي مصر، كانت الوكالة الأميركية للتنمية تُموّل عددًا واسعًا من مشروعات المياه والريّ، حيث تسجل محفظة التعاون التاريخية للوكالة في مصر أكثر من 30 مليار دولار منذ عام 1978، وتبلغ محفظة المشروعات الموقّعة منذ عام 2014 نحو مليار دولار، حسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي المصرية. وكانت هذه المشروعات تُركِّز على برامج الحلول المتكاملة ورفع كفاءة نُظُمِ إدارة وصيانة المنشآت المائية ومساعدة الدولة على إيجاد بدائل للمياه عن المصادر التقليدية الشحيحة المتمثّلة في نهر النيل أو المياه الجوْفية.

وتضع وزارة الموارد المائية والريّ، ملف التمويل على قائمة أجندتها عبر البحث عن شركاء التنمية من المنظمات الدولية وجهات التمويل في محاولات الدولة للتكيّف مع النُدرة المائية والتهديد المستمرّ لتأمين الحصّة السنوية من مياه النيل مع الطموحات الإثيوبية في التوسّع ببناء السدود على منابع النيل الشرقي بعد قرب انتهاء سد النهضة الإثيوبي.

وفي موريتانيا، ألغت الحكومة الأميركية 78 عقدًا للشراكة لتطوير البنى التحتية للمياه، منها مشروع لاستكشاف ورسم خرائط للمياه الجوْفية في الساحل الأفريقي.

وفي لبنان، توقّف عدد من مشروعات الوكالة الأميركية والتي كانت تدعم تحسين ممارسات إدارة المياه وتعزيز كفاءة مرافق المياه، بخاصةٍ مع زيادة الضغط على الموارد اللبنانية منذ تدفّق اللاجئين السوريين.

وفي سوريا، تعاني نحو 15 منظمة غير حكومية كانت شريكةً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية من توقّف مصادر التمويل لتأمين مصادر المياه النظيفة للسوريين.

وفي تقريرٍ لقسم استدامة الموارد الطبيعية والحدّ من مخاطِر الكوارث في جامعة الدول العربية صدر في 2023، فإنّ علاج الأمن المائي العربي ونُدرة المياه لا يمكن أن يكون عبْر زيادة المياه المُتاحة من المصادر التقليدية سواء الأنهار أو المياه الجوْفية، لكن في البحث عن مصادر للمياه غير التقليدية من مياه محلّاة واستخدام المياه العادمة ومياه الصّرف الصحّي والزراعي، والاستخدام الآمن للمياه الجوْفية والمياه شبه المالحة وحصاد مياه الأمطار.

تفتقد عدد من الدول إمكانية التخطيط لحلّ مشاكل المياه، حيث لا تزال سلطات المياه المحلّية بحاجةٍ إلى مشروعات الدعم الفنّي وتعزيز الخبرات للتعامل مع الوضع المائي الحرِج ودمج ملف المياه في خطط التنمية الشاملة على الصعيد الوطني، حيث تظلّ العديد من خطط الموارد المائية تتّسم بالعمومية في الأهداف من دون تبنّي مشروعات محدّدة ومفصّلة وفق خططٍ زمنيةٍ وجداول للتنفيذ.

ويُعدُّ التمويل الدولي عبر الجهات الدولية المانحة لبرامج المياه الضامن الأقوى لاستدامة المشروعات وحثّ الحكومات الوطنية على تنفيذها ومتابعة وتقييم آثار المشروعات بشكل دوري.. لتبقى مشكلة التمويل واستدامة برامج التعاون الدولي بمثابة تحدٍّ آخر يُضاف إلى مشاكل توفير المياه في الدول العربية المصنّفة كأكثر المناطق جفافًا في العالم حيث تُجسّد المياه سببًا محتملًا للصراعات ومهدِّدًا للأمن المائي والاجتماعي والقومي العربي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن