وجهات نظر

"الإخوان" والسلطة!

عندما انهارت شعبية حزب "العدالة والتنمية" في المغرب وتراجعَت حصّته في البرلمان من 125 مقعدًا في انتخابات 2016 إلى 13 مقعدًا فقط في انتخابات 2021 - علّق الكاتب أحمد عصيد في صحيفة "هسبريس" الإلكترونية قائلًا ما معناه إنّه لا يمكن لأيّ حزب سياسي أن يشارك في السلطة وأن يلعب دور المُعارضة في الوقت نفسه.

في حالة حزب "العدالة والتنمية"، فإنّ الأمر لم يكن يتعلّق بمجرّد مشاركته في الحكومة، بل كان يتعلّق بتشكيله الحكومة، حيث أتى أمينه العام سعد الدين العثماني على رأس حكومةٍ ائتلافية، وكان هذا التطوّر يمثّل استجابةً للتعديلات الدستورية التي جرت في عام 2011، وبموجبها أصبح الملك يكلّف رئيس الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات بتشكيل الحكومة. إذن وجد الحزب نفسَه في موقع المسؤولية، وبالتالي عندما قرَرت المملكة الانخراط في "الاتفاقيات الابراهيمية"، قام العثماني كرئيسٍ للحكومة بالتوقيع على اتفاق التطبيع في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2020.

انتقال حزب "العدالة والتنمية" من رفض التطبيع إلى تمريره يعني فقدان مصداقيته في القضية الفلسطينية

ولمّا كان للحزب مواقفه السابقة المُناهضة للتطبيع بشكلٍ واضحٍ، فقد كان انهيار شعبيته في الانتخابات في العام التالي مباشرةً بمثابة نوعٍ من التصويت العقابي ضدّه. وبطبيعة الحال، كانت هناك أسباب أخرى لهذه الخسارة الانتخابية الفادحة، لكنّ انتقال الحزب مِن رفض التطبيع إلى تمريره كان يعني فقدان الحزب مِصداقيته في القضية الفلسطينية وهي قضية بالغة الحساسيّة للشعوب العربية والإسلامية.

تذكّرتُ مقولة أحمد عصيد عن أنّه لا يمكن الجَمْعُ بين المشاركة في السلطة والمعارضة وأنا أتابع قضية جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن. وكان حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي يمثَل الذراع السياسية لجماعة الإخوان - قد حقّق فوزًا كبيرًا في انتخابات عام 2024 بحصوله على 31 مقعدًا من إجمالي 138 مقعدًا في البرلمان الأردني. وفي الأيام الأخيرة، كشفَت السلطات الأردنية عن مخطّطٍ لجماعة "الإخوان" لدعم حركة "حماس" في غزّة عن طريق تصنيع الصواريخ والمُسيّرات وتجنيد وتدريب عناصر قتالية، وبعض هذه العناصر جرى تدريبها في لبنان، أي أنّه زُجّ بلبنان أيضًا في هذا المخطّط. تبرّأَت جماعة "الإخوان" من العناصر "الإخوانية" التي تمّ إلقاء القبض عليها، لكنّ السلطات الأردنية قامت بحظر نشاط الجماعة واعتبرَتها جماعةً "خارج نطاق القانون"، هذا مع العلم أنّه كان قد تمّ حظر هذه الجماعة في عام 2015 والترخيص لأخرى بالاسم نفسِه خرجَت من رحمها، إلّا أنّ الجماعة الأولى ظلّت تعمل.

توجد ازدواجية في العلاقة بين الجماعة وتنظيمها السرّي في الحالة الأردنية

بين حالتَيْ المغرب والأردن توجد تقاطعات كما توجد اختلافات. تشترك الدولتان في أننا إزاء جماعة خيرية في الأصل ثم أصبح لها حزب سياسي مُشارك في السلطة. اختلَفَت مشاركة حزب "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن عن مشاركة حزب "العدالة والتنمية" في المغرب، وذلك في الواقعتيْن المذكورتيْن في المقال. ففي الحالة الأولى، كان الحزب يشكّل الحكومة فضلًا عن وجود أعضائه بعددٍ يُعْتَدُّ به في البرلمان. أمّا في الحالة الثانية، فإنّ الحزبَ لم يشارك في حكومة جعفر حسّان التي تشكّلت في سبتمبر/أيلول 2024 لأنّها كانت حكومةً غير حزبيّة. ومثل هذا الاختلاف يُعطي لـ"جبهة العمل الإسلامي" حيّزًا لمعارضة سياسات الحكومة من داخل البرلمان، وهو حيّزٌ لم يكن مُتاحًا بالطبع أمام وزراء "العدالة والتنمية" الذين إنْ أرادوا المعارضة وجبَت عليهم الاستقالة، فلا يُعقل أن تعارِض الحكومة نفسَها.

ولمزيدٍ من تعقيد الصورة التي تُلازم وجود جماعة "الإخوان" في المشهد السياسي لأي دولة، تجدر الإشارة إلى أنّه بالإضافة للازدواجية القائمة بين الحزب والجماعة وضياع المسؤولية بسبب الاتهامات المُتبادلة في كلّ مرّة بخصوص مَن فعل ماذا، توجد ازدواجية أخرى تتمثّل في العلاقة بين الجماعة وتنظيمها السرّي تتجسّد بالتحديد في الحالة الأردنية. فسواء كانت جماعة "الإخوان" في الأردن تعلم بهذا النشاط السرّي لبعض أعضائها والذي تمّ كشف النقاب عنه مؤّخرًا فتكون تلك مصيبة، أو أن يكون لا علم لها بالأمر فتكون المصيبة أعظم، وفي الحالتيْن نكون إزاء تنظيم سرّي يخطّط لأعمالٍ تهدّد استقرار المملكة من باب دعم حركة "حماس". مثل هذا التنظيم السرّي جرّبته مصر مع جماعة "الإخوان" التي هي الجماعة الأمّ والتي انبثقَت عنها كلّ الفروع الأخرى.

لا يمكن الجمعُ بين المشاركة في السلطة والمعارضة "المسلّحة"

لقد تمتَع "إخوان" الأردن على مدار تاريخهم بمعاملة تفضيلية من العرش الهاشمي، وبينما حظر الملك حسين الأحزاب السياسية كافّة في عام 1957 ظلّت الجماعة تعمل في المجاليْن الاجتماعي والسياسي بحرّية، بل ظلّت الجماعة المُنحلّة في 2015 تعمل في العلن. لكن عندما أقام الأردن علاقاتٍ ديبلوماسيةً مع إسرائيل، وجدَت الجماعة/الحزب نفسَها بين خياريْن، الأول هو الرّغبة في الحضور في المشهد السياسي والمشاركة البرلمانية، والثاني هو لعب دور المعارضة وهذا لا مشكلة فيه لأنّ المعارضة من داخل البرلمان جزء أصيل من نشاط المشاركة السياسية. المشكلة هي في أن تكون هذه المعارضة سرّية وعنيفة وخارج إطار القانون.

وبالتالي أظنّ أنّ المقولة التي بدأ بها المقال والمأخوذة من أحمد عصيد تحتاج إلى إضافةٍ بسيطةٍ بحيث تكون كالتالي: لا يمكن الجمعُ بين المشاركة في السلطة والمعارضة "المسلّحة". والحال هكذا، يكون السؤال المشروع هو: كيف ستنعكس هذه الازدواجية على مصداقيّة الجماعة التي ادعّت براءتها من العناصر التي كانت تخطِّط سرًّا للمقاومة المسلّحة لإسرائيل؟.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن