هو شاب صومالي فرّ إلى فرنسا هاربًا من معارك بلاده منذ أكثر من 8 سنوات. إسمه كان عائقًا دائمًا بتأخًر أموره الإدارية بسبب اختلاف كتابته بين موظف وآخر، بخاصة أنه وصل من دون أي أوراق تثبت شخصيّته.
يقول أبو ذر لـ"عروبة 22": "ندمتُ كثيرًا لأنني لم أعرّف عن نفسي باسم آخر منذ بداية وصولي إلى فرنسا، لا سيما وأنني لم أكن أحمل أي أوراق ثبوتية، لكنني لم أكن أعلم بأن اسمي سيشكّل مشكلة لي هنا"، ويضيف: "غيّرتُ اسمي ولم أختر اسمًا أجنبيًا أو اسمًا منسلخًا عن بيئتي، بل اخترتُ اسمًا مريحًا وسهل الحفظ واللفظ أيضًا، وهو اسم ديني كذلك حرصًا منّي على عدم اغضاب والدي إلى حد ما".
قد لا نلوم الآباء في زمن ماضٍ، إذ يحكمهم تسمية الابن الأول مثلًا على اسم الجدّ أو الجدّة لتصبح الأسماء شبه إرث يحمله الجنين قبل أن يولد، لكنّ المستغرب في عصرنا اليوم هو لماذا ما زال الآباء العرب الذين ينجبون أولادهم في أوروبا أو أمريكا يصرّون على تسمية أبنائهم بأسماء ستشكّل عائقًا أمامهم في بلادهم الجديدة، وبالطبع ليس المطلوب منهم الانسلاخ عن ثقافتهم أو أصولهم، ولكن من حقّ أبنائهم عليهم أن يختاروا لهم أسماء أقلّه تكفيهم شر الآخرين.
"عقوق الأباء" لأبنائهم
يُروى عن الإمام عمر بن الخطاب عندما جاءه رجل وقال له: "إنّ ابني يعقّني". فردّ الابن شاكياً: "يا أميرالمؤمنين إنّ أبي قد سمّاني بكذا (وكان اسما قبيحًا). فالتفت عمر إلى أبيه وقال له: "لقد عققتَهُ قبل أن يعقّك".
استطاع "أبو ذر" أن يغيّر إسمه، لكنّ هذه الفرصة لم تكن متاحة أمام "مهاوش" من سوريا الذي يروي لـ"عروبة 22" مأساته، على حد تعبيره، مع اخوته الذين عانوا ما عانوه من أسمائهم، بسبب تطيّر والديه وخوفهما من الحسد، فأسموا أولادهم الـ3 بأسماء سبّبت لهم التنمّر طوال حياتهم، فيقول: "للأسف لم أستطع تغيير اسمي - صراحةً لم تخطر ببالي الفكرة حين أخذت الجنسية ولم ينصحني أحد – لكن الاسم تسبّب لي بالكثير من التنمّر في طفولتي وشبابي، وحتى اليوم أشعر أحيانًا بنظرات الناس لي محاولين إخفاء ابتساماتهم الخجولة، والسبب بالطبع اسمي، فهو قديم جدًا ولفظه ثقيل أيضًا، ناهيك عن معناه الذي يحمل دلالات العنف من جهة، وصعوبة كتابته ونطقه باللغة الفرنسية من جهة أخرى، فهنا حرف الهاء لا يلفظ مثلًا، وبالطبع المشكلة ليست مشكلتي وحدي، فأخي الأصغر إسمه "رشراش" والمصيبة الأكبر طالت أختي الصغرى التي أراد أهلنا أن يكون لنا اسماء متشابهة فأسموها "مهوش"، وعندما بدأ الاسم يتسبّب بمعاناتها برّروا تسميتهم لها بأنّ معناه هو الفتاة التي تشبه القمر، ومع ذلك ظلّت اختي كارهة لاسمها حتى اليوم".
تسمية الأبناء بالأسماء الغريبة وغير الجميلة، للأسف هي عادة قديمة تعود بتاريخها الى آلاف السنين، فالآشوريون مثلاً تعمّدوا تسميه أولادهم بأسماء قبيحة كنوع من خداع الآلهة، حتى لا تطلبهم وتأخذهم إلى ديارها، أي تُميتهم، وبالمقابل يسمّون عبيدهم بالأسماء الجميلة كي تختارهم الآلهة للموت بدلًا من أبنائهم. استمرت هذه العادات في البلاد العربية حيث كانوا يتقصّدون اختيار الأسماء القبيحة مثل أسماء الجماد كالحجر والصخر، أو أسماء الحيوانات، كمثل كُليب ونَمِر وذئب وعقاب، وما شابهها، وكان بعضهم إذا وُلد لأحدهم ولد سمّاه بما يراه أو يسمعه مما يتفاءل به مثل "الجٍراز" أو "ابن ضب" أو "الهجرس" وما إلى ذلك من أسماء، وأيضًا أسمى العرب عبيدهم أسماءً جميلة... "قال بعضهم لابن الكلبي: لمَ سمّت العرب أبناءها بكلب وأوس وأسد وما شاكلها، وسمّت عبيدها بيُسر وسعد ويُمن؟فقال: لأنها سمّت أبناءها لأعدائها، وسمّت عبيدها لأنفسها"، والقصد أنّ العرب سمّوا أبناءهم بأسماء الحيوانات الكواسر والصخور القوية لإلقاء الرعب في نفوس أعدائهم، وسمّوا عبيدهم بأسماء رقيقة لطيفة تفاؤلًا وتيمّنًا لأنهم يرسلونهم لحاجاتهم. فسمّوا العبيد بأسماء النبات والزهور مثل "ياسمينة" و"فُلّة"، وبأسماء الطيور مثل "كنار".
وتروي "ذيبة"، وهي جزائرية الأصل، قصّة تسميتها هي وإخوتها، بأنّ والديها عانيا من موت أطفالهم رضّعًا، وأنّ والديها تمنّيا أن يعيش لهما ولد، ولم يُرد والدها الانفصال عن أمّها كما تقول، بعد أن توفي لهما أربعة رضّع بعمر الشهور، ولم يصل واحد منهم لعمر السنة، فما كان من جدّتها إلا أن زارت شيخًا في الصحراء لينصحها بأن تسمّي مواليد ابنها بأسماء الحيوانات، فامتثلوا لأوامر الشيخ فكانت "ذيبة" وأختها "لبوة" وأخوتها "ذيب" و"أسد" و"نمر" و"فهد"، تختم ذيبة حديثها ضاحكة "الحمدلله أنني لم أجنِ على أولادي كما جنى عليّ أبويّ".
"ثلجة الصغرى" ضحية "ثلجة الكبرى"
قيل في الماضي أحسنوا أسماء أولادكم، ولا تربّوهم على أخلاقكم، فهم خُلقوا لزمان غير زمانكم.
لكن معظمنا يختار لأبنائه أسماء تناسب أهواءه دون التفكير ولو لبرهة بتأثير هذا الاسم على الأبناء. فمثلاً بالرغم من جمال اسم "جهاد"، إلا أن لفظه هنا في الغرب هو لفظ كلمة "الجهاديين" نفسها فبات الاسم مرتبطًا بـ"الإرهاب" مع الأسف.
أما حلا فلها فقصة مختلفة، ترويها بشيء من "النكتة" وتقول: "عندما ولدتُ كانت جدتي لأمي تعيش معنا في فترة مرضها حتى تعينها أمي، وكرد للمعروف قامت جدتي بإهداء والدتي عقداً ذهبيًا ثمينًا، معلّقا فيه بضع ليرات ذهبية"، وتكمل قصتها لـ"عروبة 22": "من سوء حظي أنني ولدتُ عندما كانت جدتي عندنا، فما كان من والدتي إلا أن أطلقت علي اسم والدتها (ثلجة)، وبعدها ماتت "ثلجة الكبرى" وابتليتُ أنا باسمها لبقية حياتي، ولكنني كنت مشاكسة ولم أرضَ بالاسم حتى من قبل سنّ المدرسة، إذ كنتُ طفلة متعِبة كما تقول والدتي. وفي الإعدادية بلغ السيل الزبى فأخذتُ دور المحتج، لا طعام ولا كلام ولا امتحان حتى يغيّروا اسمي، وبالفعل رضخ والديّ لرغبتي واخترت اسمي الحالي بنفسي".
واليوم تؤكد حلا أنها كانت "حريصة جدًا" في انتقاء أسماء أطفالها الثلاثة لأنها تعلم تمامًا "حجم القهر الذي يشعر به الإنسان عندما يعيش حياته غير سعيد باسمه".