العرب وإسرائيل.. والسلاح السّيبراني!"العصفور المفترس"

تُجمع دوائر اتخاذ القرارات الاستراتيجية العسكرية في العالم على أنّ السلاح السّيبراني أصبح له القدرة على حسم العديد من الصّراعات الآن، ومستقبلًا، فهو يُعيد تشكيل الحروب المُستقبلية، ورسْمها من جديد.

العرب وإسرائيل.. والسلاح السّيبراني!

هو سلاحٌ يسبق عمل الأسلحة التقليدية، فيقوم بدور الكشّافة قبل بدء المعركة، والحامي من هجمات العدو أثناء ذلك، كما أنّه سلاحٌ شامل، يعمل بالتزامن مع جميع الأسلحة الأخرى في التوقيت نفسِه، ويضمن عملية التنسيق بينها، ويقدّم الدعم لها من خلال الاعتماد على مصادر المعلومات المرتبطة بالفضاء السيبراني.

الحرب الصامتة وغير المرئية

الهجمات السيبرانية تُعدّ سلاحًا خطيرًا يُستخدم في الضربة الأولى، لأنّها تتمتّع بميزة المفاجأة، وجهل المصدر، ومما لا شكّ فيه أنّ دولة الكيان الصهيوني تُعتَبر واحدةً من الدول الرّائدة عالميًا في مجال السلاح السّيبراني، سواء على مستوى الدفاع، أو الهجوم، وقد تنبّهت مُبكرًا لأهمية "السلاح السيبراني" كجبهة حربٍ مستقبلية، فبدأت تُطوّر قدراتها السيبرانية منذ التسعينيّات، وتحديدًا عبر الاستثمار في التكنولوجيا، والتدريب العسكري السيبراني، وبناء شراكات بين المؤسّسة الأمنية، والقطاع الخاص. وجعلت الأمن السّيبراني جزءًا من استراتيجيّتها القومية.

في 18 مايو/أيار 2011، قام نتنياهو بإنشاء "هيئة السايبر الوطنية"، لتحقيق أكبر تقدّمٍ ملموسٍ في الحروب السيبرانية، وتمّ وضع قانون "السايبر" بالتعاون مع جميع الأطراف ذات الصّلة بالأنظمة الدفاعية، والمدنية، والعمل على إعادة النظر في ترتيبات الأمن السّيبراني بصفةٍ دورية. وفي شهر أغسطس/آب 2016، تمّ إنشاء "هيئة أركان سيبرانية قومية"، نصّت على وُجوب تخصيص اعتماداتٍ مُحَّولةٍ من وزارة المالية عبر ديوان رئيس الحكومة لأعمال الحرب السيبرانية كافّة.

توظّف إسرائيل القوة السّيبرانية في إجمالي قوّتها الصلبة والناعمة مُتفوقةً بذلك نوعيًا على مستوى دول المنطقة

كما تمتلك إسرائيل عددًا من الوحدات عالية السرّية والاحترافية في هذا المجال، منها "وحدة 8200" (Unit 8200)، وهي وحدة استخبارات إلكترونية تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، وتُشبه "ناسا" الأميركية، وتُعرف بقدرتها على تنفيذ عمليات تجسّس، واختراقٍ تقنيّ عالي المستوى، وتقوم بتطوير أدوات التجسّس الإلكتروني، واختراق أنظمة الاتصالات، وتحليل البيانات الضخمة.

ولدى "إسرائيل" أكثر من 400 شركة في هذا المجال، مثل شركة "NSO Group"، صاحبة برنامج "بيغاسوس" الشهير للتجسّس على الهواتف، وشركة "Check Point" و"CyberArk" وكلّها موظفة لخدمة قوة "إسرائيل".

ترتكز عقيدة "إسرائيل" في الحرب السيبرانية على أربعة مبادئ أساسية، هي: الرّدع، والإنذار المُبكّر، والدفاع، وإلحاق الهزيمة. وتوظّف "إسرائيل" القوة السّيبرانية في إجمالي قوّتها الصلبة والناعمة في آنٍ واحد، مُتفوقةً بذلك نوعيًا على مستوى دول المنطقة ككلّ. وتبلغ نسبة إنفاقها المحلّي الإجمالي على البحث والتطوير بالنسبة إلى النّاتج المحلي الإجمالي ما يعادل 4.21% من مجمل إنتاجها المحلي الإجمالي.

"العصفور المفترس"

من أشهر الهجمات الإلكترونية التي نفّذتها إسرائيل "ستكسنت" (Stuxnet)، وهو فيروس الكتروني مُعقّد، صُمّم لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، وأُطلق عليها عملية "الألعاب الأولمبية"، ونجحت في تدمير ما يقرب من ثلث أجهزة الطرد المركزي في مفاعل "نطنز" الإيراني، بعد التلاعب بعامل التسارع فيها كلّ ذلك من دون قصفٍ فعلي.

كما نجحت في تعطيل ما يقرب من 70% من محطات الوقود الايرانية، جرّاء الهجمات الإلكترونية التي عُرفت باسم "Predatory Sparrow" أي "العُصفور المفترس". كما تورّط "الموساد" في عمليات سيبرانية هجومية سرّية متعدّدة، مثل: تعطيل منشآت نووية، اغتيالات رقمية... إلخ، وكذلك القيام بهجمات على بنى تحتية إيرانية.

وهناك تفجيرات "البيجر" الشهيرة التي وقعت في لبنان، والتي شملت زرع كميةٍ صغيرةٍ من المتفجّرات داخل أكثر من 5000 جهاز اتصال طلبها "حزب الله" للاستخدام. إلّا أنّ مصادر أخرى أكّدت أن "الوحدة 8200"، كانت إحدى الأذرع الرئيسية في التخطيط والتنفيذ لهذه العملية. وشكّل اختراق أجهزة "البيجر"، وتفجيرها، صدمةً للعالم أجمع، ودقّ جرس الإنذار في العالم العربي، لكي يتنبّهوا إلى الخطر القادم.

تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب!

أمّا نحن العرب؛ فما زلنا في ثباتٍ عميق، ونعتقد واهمين أنّ شراء الأسلحة العسكرية المُتطورة هو غاية أمانينا، وملاذنا الآمن. لقد آن الأوان ليُدرك العرب أنّ سلاح الحرب السيبرانية سيكون أقوى من القنابل النووية والذرّية، فالجنود في هذه المعركة هم من الرّوبوتات، والدرونز، والأسلحة عبارة عن شيفرات، وفيروسات، وديدان خفيّة مُبرمجة، وهي قادرة على إحداث تأثير يفوق في قوّته الأسلحة التقليدية مجتمعة.

من الضروري أن تستعد الدول العربية للمعركة المقبلة بأن تستثمر في التّكنولوجيا والتدريب العسكري السّيبراني

حان الوقت ليستفيق العرب، ويعلموا جيدًا أنّ عصر الحروب التقليدية قد انتهى، وجاء عصر الحروب السّيبرانية، التي يمكنها سحق معداتٍ وأسلحةٍ كاملةٍ في دقائق معدودة؛ وعلى حدّ قول المفكر السياسي الأميركي جوزيف ناي: "في عالم اليوم، ما عاد في الإمكان حساب قوة الدولة اعتمادًا على العناصر المادية العسكرية والاقتصادية فحسب، بل على تقدّم العلم والتكنولوجيا السّيبرانية".

بات من الضروري على جميع الدول العربية أن تسعى للحفاظ على أمنها القومي، وأن تُطوّر آلياتٍ للمواجهة، وأن تستعدَّ للمعركة المقبلة، بان تجعل من الأمن السّيبراني جزءًا من الإستراتيجية القومية العربية، وتستثمر في التّكنولوجيا والتدريب العسكري السّيبراني. وعلى الحُكومات العربية أن تضع سياساتٍ واستراتيجياتٍ وطنيةً، لمواكبة قفزات التّطور في السلاح السّيبراني، ولا سيما بعد تصاعد الصّراعات الدولية في الفضاء السيبراني بشكلٍ غير مسبوق.

يمكن للدول العربية أن تُشكّل وحداتٍ خاصةً بالسلاح السيبراني المُدَعَّم بالذّكاء الاصطناعي، وهي تضم نخبةً من الباحثين المتخصّصين على مستوى عالٍ، للعمل على تطوير أدواتٍ تكنولوجيةٍ متقدّمةٍ لجمع المعلومات الاستخباراتية، وصدّ أي هجوم سيبراني محتمَل.

وحدات السلاح السيبراني تلعب دورًا حاسمًا في حماية الأمن القومي العربي

ويتمّ اختيار عناصر فريق العمل السيبراني بعنايةٍ بناءً على قدراتهم التكنولوجية، والعلمية، ولا بدّ من تدريبهم على التعامل مع أكثر المشاكل تعقيدًا في مجال التشفير، والاختراق، وبرمجيّات الحماية. ولا بدّ أن يكون أعضاء الوحدة من "أفضل العُقول" في البلاد العربية، ويتمّ توفير الإمكانات اللازمة كافّة، ليعملوا على مواجهة التحدّيات الصعبة، والمَخاطِر التي تواجه الدول العربية في المجال التكنولوجي، والدفاع الإلكتروني.

تلك الوحدات تلعب دورًا حاسمًا في حماية الأمن القومي العربي، والدفاع عن البنية التحتيّة الرقميّة للدول العربية، ومن ثمّ لا بدّ من أن يتمّ توفير المهارات اللّازمة لأعضائها، لحلّ المشاكل التقنية المعقّدة بطرقٍ إبداعية، وغير تقليدية، وهو ما يساعد العديد من خرّيجيها على تأسيس شركات تكنولوجيا متقدّمةٍ في الدول العربية، مع ضرورة التفكير الجديّ في إنشاء "قبّة إلكترونية" على غرار ما تعتزم إسرائيل القيام به لمواجهة الهجمات عبْر الإنترنت.

استفيقوا يرحمكم الله، ولنتذكر قول إبراهيم اليازجي:

تَنَبَّهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب ....... فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن