يبدأ الرئيس الاميركي دونالد ترامب غدًا، الثلاثاء، زيارة رسمية تستمر عدة أيام الى 3 دول خليجية هي السعودية وقطر والامارات، في وقت تتصدّر فيه قضايا وملفات المنطقة المُتشابكة والمُعقدة من الحرب على غزّة الى المفاوضات الايرانية - الاميركية بشأن ملف طهران النووي وصولًا للأوضاع في سوريا ولاسيما مع استمرار الانتهاكات الاسرائيليّة سلّم الاولويات. هذا دون ان ننسى ان ترامب استبق الزيارة بالاعلان عن حدثين بارزين: الاول، الاتفاق "المفاجىء" على وقف اطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، والثاني اطلاق سراح الاسير الاميركي - الاسرائيلي عيدان ألكسندر بعد مفاوضات مباشرة تمت بين الادارة الاميركية من جهة وحركة "حماس" من جهة ثانية.
وقد شكل الاعلان عن هذين الحدثين ردود فعل متضاربة في اسرائيل خاصة ان كل المعطيات والتحليلات تشير الى زيادة الهوة والشرخ بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك لاختلاف مصلحة الجانبين. ففيما يسعى ترامب الى ايجاد حلول "مرضية" وعقد صفقات "مُربحة"، تفضل اسرائيل منطق الحرب والحلول العسكرية لا الدبلوماسيّة القائمة على الصفقات. ومن هنا بدأ التباعد مع مفاوضات مسقط النووية وتطور بعد اعلان ترامب عدم شمول اسرائيل في زيارته للشرق الاوسط. وعليه تترقب عدة دول ما سينتج عن اللقاءات التي سيعقدها الرئيس الاميركي ومن بينها طهران التي تنتظر نتائج الجولة التي تحظى بإهتمام واسع، خصوصًا بعد استئناف المفاوضات مع واشنطن، الا ان التباين يتسع بين الجانبين بظل اصرارهما على التمسك بشروطهما ما يعني عدم الوصول الى نقاط مشتركة بعد.
أما فلسطين، فتنتظر أيضًا تلك الزيارة التي استبقها نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ بجولة عربية بدأت من السعودية وشملت عدة دول منها مصر وقطر والأردن، وذلك في اطار مساعي القيادة الفلسطينية لوقف الحرب في قطاع غزّة و"الدخول في عملية سياسية شاملة ترتكز على الشرعية الدولية وتنفيذ حل الدولتين"، وفق ما أعلن عنه. ورغم التعثر المستمر في الوساطات الآيلة لارساء هدنة ووقف حمام الدم واطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى "حماس" بظل تعنت نتنياهو ووزراء حكومته وسعيه الدؤوب الى تهجير الفلسطينيين واحتلال قطاع غزة، تسارعت الاحداث أمس بعدما أعلنت الحركة انها ستفرج عن الاسير عيدان ألكسندر ضمن خطوات لوقف إطلاق النار وفتح المعابر وإدخال المساعدات، مؤكدة استعدادها للبدء الفوري في مفاوضات مكثفة للوصول إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب، وتبادل الأسرى وإدارة قطاع غزة من جهة مهنية مستقلة، إلى جانب الإعمار وإنهاء الحصار المفروض.
ووقع هذا الافراج كالصاعقة على اهالي الأسرى الذين جددوا اتهامهم لنتنياهو بالتخلي عن مواطنيه مقابل الحفاظ على ائتلافه السياسي، داعين اياه الى ابرام صفقة شاملة فورًا. وتتزايد الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يصر على توسعة الحرب والقتال حتى آخر أسير بعدما اعلن بوضوح ان اولويات الحرب تكمن في القضاء على "حماس". وفي السياق عينه، قال مكتب نتنياهو، إن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بنية "حماس" إطلاق سراح الجندي عيدان ألكسندر، كبادرة حسن نية للأميركيين دون أي تعويض أو شروط. هذا ونقلت "القناة 12" الإسرائيلية عن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إن الولايات المتحدة تريد إرجاع الأسرى من غزة، لكن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب.
وبانتظار ما ستحمله الساعات المقبلة من تطورات على الصعيد الغزاوي الذي يعيش على وقع "تفاؤل حذر"، أشاد الرئيس ترامب بما حصل قائلًا "ممتن لكل من ساهم في تحقيق هذا النبأ التاريخي". وأضاف "نأمل أن تكون هذه أولى الخطوات الأخيرة اللازمة لإنهاء هذا النزاع الوحشي"، كما أعرب عن أمله في إطلاق سراح جميع الأسرى وإنهاء القتال. من جهة أخرى، رحّبت مصر وقطر بالتطوّر الذي وضعته في اطار "بادرة حسن نية وخطوة مشجعة لعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وضمان تدفّق المساعدات بشكل آمن ودون عوائق لمعالجة الأوضاع المأساوية في القطاع". يُذكر ان القاهرة والدوحة تعملان على ارساء تفاهمات وتقريب وجهات النظر بين "حماس" واسرائيل ولكن دون ان تنجح المحاولات حتى الساعة.
الى ذلك، تعتزم السعودية، استضافة أعمال القمة الخليجية - الأميركية، خلال الزيارة الخارجية الاولى لترامب، ما سيمثل فرصة له لتقديم رؤيته بشأن انخراط الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط وتحديد مصالح بلاده في المنطقة. وقد وجهت المملكة دعوات إلى قادة دول الخليج من أجل حضور القمة التي تُعقد في الرياض، ضمن المساعي الهادفة للتخفيف من حدة التوترات في المنطقة ولعب دور رئيسي بإرساء الهدوء.
وقبيل الزيارة، برزت الاتصالات التي اجراها الرئيس السوري أحمد الشرع بولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان كما برئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وتسعى الإدارة السورية الجديدة الى التقارب مع الولايات المتحدة بهدف رفع العقوبات التي ترزح تحتها وتحول دون تحسن اوضاعها الاقتصادية والمعيشية والبدء بعملية التعافي واعادة الاعمار وهي تلقى بذلك دعمًا خليجيًا واضحًا في اطار ترسيخ وحدة دمشق واعادة الاستقرار اليها ومنع كل محاولات التقسيم ونشر الفوضى.
وازاء كل هذه المعطيات يمكن وصف زيارة ترامب بـ"المحورية" و"المصيرية" وما سيخرج عنها سيكون محط رصد وتحليل للايام بل الاسابيع المقبلة. في غضون ذلك، وبمعزل عن الاتفاق الاميركي، أعلنت "القناة الـ13" الإسرائيلية أن سلاح الجو بدأ هجومًا على موانىء الحوثيين في اليمن، بعدما أصدر تحذيرات لليمنيين بإخلاء 3 موانئ هي رأس عيسى الحديدة والصليف. وكانت معلومات صحفية اسرائيلية تحدثت عن عزم نتنياهو توسيع الهجوم على جماعة "الحوثي" وذلك في اطار الرد على الصواريخ التي تستهدف تل أبيب. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين اشارتهم الى أنه "من بين الأهداف التي حددتها إسرائيل باليمن ضرب أكبر عدد ممكن من منصات إطلاق الصواريخ ومرافق البنية التحتية وتدمير باقي الموانئ بالكامل".
تزامنًا، استمرت الجولة الرابعة من المفاوضات الايرانية - الاميركية أكثر من ثلاث ساعات، نقل خلالها وسيط المحادثات وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي الرسائل بين الوفدين الإيراني والأميركي. ورغم المساعي الحثيثة لايجاد أرضية مشتركة وتعزيز التوصل لاتفاق، الا ان المعطيات تشير بتمسك كل طرف بـ"خطوطه الحمراء". وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنه "رغم صعوبة المفاوضات، أجريت مناقشات مثمرة"، مشيرًا إلى أن "الجولة الرابعة كانت أكثر جدية ووضوحًا مقارنة بالجولات السابقة". وحذر من إصرار الولايات المتحدة على مسألة وقف تخصيب اليورانيوم، منبهًا أن "التخصيب قضية لا بد من استمرارها، وهو مبدأ غير قابل للنقاش مطلقاً". يُشار الى أن إيران ترفض التفاوض على برنامجها للصواريخ الباليستية، وتطالب بضمانات قاطعة بعدم انسحاب ترامب مرة أخرى من الاتفاق النووي.
في الشأن الدولي، اعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إسطنبول الخميس المقبل، مشددًا على أنه "لا جدوى من إطالة أمد الحرب". وجاء تصريح زيلينسكي بعد ساعات من اقتراح بوتين إجراء محادثات "مباشرة" و"سريعة" بهدف إنهاء القتال المستمر بين البلدين. وتسعى الولايات المتحدة الى التوصل لاتفاق ومن هنا حضّ رئيسها الجانبين على اللقاء "من دون انتظار وقف إطلاق النار"، معربًا عن أمله في "وقف حمام الدم".
دوليًا ايضًا، ساد الهدوء عند الحدود بين الهند وباكستان بعد ساعات على تبادل الطرفين الاتهامات بخرق هدنة تم التوصل إليها ووضعت حدًا لأعنف مواجهة بينهما منذ العام 1999. وعلى مدار 4 أيام، تبادلت الدولتان النوويتان قصفًا مدفعيًا وهجمات بمسيّرات وصواريخ ادت الى سقوط عدد من القتلى والجرحى واثارت جوًا من الخوف من تطور الوضع إلى حرب شاملة بين القوتين النوويتين ما دفع العديد من العواصم الأجنبية والعربية للدعوة إلى ضبط النفس والتدخل لدى قيادات هذه الدول من اجل منع انفلات الوضع وتدهوره.
الحدث المتمثل بالزيارة الأميركية تصدّر اهتمامات الصحف العربية الصادرة اليوم. وفي هذا الاطار نرصد أهم ما ورد في عناوينها خلال جولتنا الصباحية:
أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أنه "ما زالت التكهنات تتسابق عما سيقدمه ترامب للمنطقة خاصة أنه وعد بتقديم المفاجآت التي لا تخطر على بال، وهذا القول وسع طموح العالم العربي بأنه سيعلن تأكيد قيام الدولة الفلسطينية"، معتبرة ايضاً ان "التوقعات ستكون منصبة في بحور الاستثمار، وأن يكون الحلم تحويل المنطقة إلى ينابيع استثمارية عالمية، وبالضرورة يجب أن تكون تلك الينابيع في جو مناخي مستقر بعيداً عن نوازع الحروب.. هي أيام ويصل ترامب وسنسمع ونرى تلك المفاجآت"، على حدّ قولها.
صحيفة "الرياض" السعودية، بدورها، رأت أن الزيارة الاميركية "تأتي في سياق جيوسياسي مغاير تمامًا لما كان عليه الوضع خلال زيارة ترامب الأولى عام 2017"، مشددة على ان الرياض "تستقبل ترامب وهي أكثر عزمًا على الاستمرار في تطوير قدراتها الذاتية، وأكثر تنوعًا في تحالفاتها، في ضوء رؤيتها لدورها وقدراتها وفي ظل التحوّلات الجذرية في المنطقة والعالم التي أعادت تشكيل العلاقات الدولية وربما المعادلات السياسية في علاقات الدول".
وتحت عنوان "للمرة الثانية.. ترامب في الخليج"، كتبت صحيفة "الوطن" البحرينية "تأتي الزيارة لتشكّل فرصة للوصول إلى حلول للحرب على غزة وما ستتطلبه من مساهمات مالية كبيرة لإعادة الإعمار والتي ستكون دول الخليج حتماً المصدر الأساسي لها"، موضحة أن "دول الخليج العربي اليوم تلعب أدوارًا في غاية الأهمية في كثير من قضايا العالم، فهي اليوم محطة رئيسة من خلال السعودية للمفاوضات الروسية الأوكرانية والتي تأتي برعاية أمريكية، وهي حاضرة من خلال سلطنة عُمان في المفاوضات بين إيران وأمريكا. كما أنها المرجع الأساسي حول أي حلّ يتعلق بالقضية الفلسطينية".
هذا وتمنت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "تمثل الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب نقطة تحول في سياسات ومسؤوليات الولايات المتحدة تجاه الإقليم باعتبارها قوة عظمى، وانطلاقًا من رؤية متكاملة لمعضلات الإقليم وليس انطلاقًا من مصالح محددة، واستنادًا إلى حوار وتفهم للشواغل الأمنية للقوى الرئيسية"، منبهة الى "إدراك الولايات المتحدة وإدارة ترامب باستمرار أهمية الشرق الأوسط للمصالح الأمريكية".
وقالت صحيفة "الدستور" الاردنية "المشهد الإقليمي شديد التعقيد، وأبعد من أن يتلقفه أي طرف إقليمي خارج الرعاية والوصاية الأمريكية. وفي زيارة ترامب تتشابك الرهانات والتوقعات، وحيث إنه يريد إعادة ترتيب المشهد بحسب الرؤية الأمريكية، لا رؤية نتنياهو، والرؤية الأمريكية "الترامبية" بالتحديد"، متسائلة "ماذا لو أن ترامب أعلن من الرياض اعترافه بقيام دولة فلسطينية؟ وهل ستكون بداية النهاية لنتنياهو؟!".
ومن وجهة نظر صحيفة "الصباح" العراقية فإنه "لم تعد هناك رهانات واقعية على موقف عربي جماعي قادر على تعديل موازين القوى، إذ تراجعت الرؤية القومية، وتآكلت مؤسساتها"، معتبرة ان "ترامب جاء بفكر مغاير للفكر الأميركي التقليدي: لا يريد تدخلات مكلفة ولا إنفاقًا على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان كما في السابق، بل يعتمد على "المقايضة الاستراتيجية" لتحقيق أهداف بلاده: أمن مقابل مال، سلام مقابل مصالح اقتصادية، وتفوق علمي وتكنولوجي مقابل اعتراف مشروط بأفضلية اميركية"، وفق تعبيرها.
في سياق آخر، تناولت صحيفة "الجريدة" الكويتية زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون الى الكويت والتي تعكس "أبعاداً سياسية تتجاوز الإطار البروتوكولي والعلاقة الودية بين بلدين شقيقين"، مشددة على ان لبنان "رغم جراحه وتحدياته، لا يزال يجد في دول الخليج عامة، والكويت خاصة، مرفًأ آمنًا وصديقًا موثوقًا، ويدرك في نفس الوقت أن دول الخليج، رغم كل ما قد يعتريها من حذر مشروع، لا تغلق أبوابها أمام مَنْ يمد يده بصدق، ويسعى إلى شراكة تقوم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة".
(رصد "عروبة 22")