فلسطين... القضية والبوصلة

الاحتلال يستهدف "مدارس القدس": مئات الطلبة أصبحوا بلا تعليم!

فلسطين - فادي داود

المشاركة

"إنّه اعتداء على الأطفال... اعتداء على التعليم... إنّه يوم حزين في القدس الشرقية المحتلة"، بهذه العبارات وصف فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة "الأونروا" عبر حساب الوكالة الرسمي على منصّة "X"، اقتحام قوات الاحتلال المُدجّجة بالسلاح 6 مدارس تابعة للأونروا في القدس المحتلة، في 8 أيار 2025، وأجبرت الطلبة على مغادرتها، وعمدت إلى إغلاقها واعتقال أحد موظفي الأونروا.

الاحتلال يستهدف

لازاريني، لفت إلى أنّه نتيجةً لإغلاق المدارس الست، أصبح ما يقرب من 800 طالب وطالبة، بعضهم لا يتجاوز عمره 6 سنوات، يعانون من الصدمة والقلق، مشددًا على أنّ اقتحام المدارس وإغلاقها بالقوة يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وقال: هذه المدارس تابعة للأمم المتحدة ولا يجوز انتهاك حرمتها. يجب أن تظل مدارس الأونروا مفتوحةً لحماية جيلٍ كاملٍ من الأطفال، مشيرًا إلى أنّ تنفيذ أوامر الإغلاق التي صدرت الشهر الماضي من قبل السلطات الإسرائيلية تحرم الأطفال الفلسطينيين من حقّهم الأساسي في التعليم.

ويأتي هذا الإجراء الإسرائيلي في ضوء مُصادقة الكنيست في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بأغلبيةٍ كبيرة على قانونيْن يمنعان الأونروا من "ممارسة أي أنشطة داخل إسرائيل وسحب الامتيازات والتسهيلات منها، ومنع إجراء أي اتصال رسمي بها".

جريمة بحق التعليم

وأوضحت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، أنّ إغلاق مدارس الأونروا يندرج في إطار هجمةٍ مُمنهجةٍ ومتواصلةٍ على التعليم المقدسي، ويتنافى مع منظومة الأعراف والقوانين الدولية؛ وفي مقدمتها الحقّ في التعليم واتفاقية حقوق الطفل.

وطالبت "التربية" في بيانٍ لها، المؤسّسات الدولية وفي مقدمتها اليونسكو واليونيسف، بتحمّل مسؤولياتها والدفاع عن حقّ الأطفال اللاجئين في التعليم الحرّ والآمن، محذرةً من أنّ الاستهداف الإسرائيلي سيتواصل بحقّ المدارس الأخرى في حال عدم ردعه ولجم الاحتلال عن المضيّ قُدُمّا في حربه التي تطال التعليم المقدسي.

تصفية "الأونروا"

وفي تعليقه لـ"عروبة 22"، أكد مستشار محافظ القدس معروف الرفاعي، أنّ الهدف الحقيقي من إغلاق مدارس وكالة الأونروا في مدينة القدس هو ضرب حقّ اللاجئين الفلسطينيين في التعليم، وتصفية قضية اللاجئين من بوّابة التعليم، تمهيدًا لإنهاء دور الوكالة بالكامل في المدينة. كما يندرج هذا القرار ضمن سياسة الاحتلال المُمنهجة لتهويد القدس، وطمس الرواية الفلسطينية، وفرض المناهج الإسرائيلية على الطلبة المقدسيين، بما يخدم مخطّط "أسرلة" التعليم وإلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية من أذهان الأجيال الجديدة.

وأوضح الرفاعي أنه، وفق ما أعلنت سلطات الاحتلال، فإنّ القرار يتجه نحو الإغلاق التدريجي والدائم، بحيث يُمنع تجديد تراخيص مدارس الأونروا ابتداءً من العام الدراسي المقبل، ويُمنع تسجيل طلابٍ جدد، تمهيدًا لإغلاق هذه المدارس بشكل كامل، لافتًا إلى أنّ هذا القرار الإسرائيلي هو جزء من سياسة إحلالية واضحة تهدف إلى إلغاء كل ما يمتّ بصلة للوجود الفلسطيني الأممي والشرعي في القدس، حيث استهدف الإغلاق ثلاث مدارس في مخيم شعفاط وثلاث مدارس أخرى في سلوان ووادي الجوز وصور باهر.

خطة بديلة

وإذ أشار إلى أنّ هؤلاء الطلبة مهدّدون بالحرمان من بيئةٍ تعليميةٍ تحترم خصوصيّتهم الوطنية وهويّتهم الثقافية، أكد الرفاعي، في ما يتصل بالخطة البديلة لضمان عدم حرمان الطلبة من حقّهم في التعليم، أنّه يصار في الوقت الراهن تدريس الطلبة عن بُعد بنظام التدريس الإلكتروني، لا سيما وأنّ المدارس المستهدفة لم تُنهِ المنهاج، وهناك خطة يجري الترتيب لها مع المؤسّسات المعنية في القدس لاستيعاب الطلبة في العام المقبل وعدم تركهم فريسةً لمدراس البلدية التي تطبّق مناهج اسرائيلية محرّفة ومزوّرة.

وأضاف: "نحن في محافظة القدس، وبتنسيقٍ مع وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية ومديرية تربية القدس، نعمل على إعداد خطة طوارئ بديلة لضمان استمرار تعليم الطلبة المتضرّرين في العام المقبل. وتشمل هذه الخطة توفير مقاعد في المدارس الفلسطينية القائمة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية، والبحث في إمكانيّة توفير بدائل من خلال المدارس الخاصة أو الأهليّة التي تلتزم بالمناهج الوطنية الفلسطينية. كما نسعى لتوفير الدعم المالي والتقني لضمان جودة التعليم البديل، على الرَّغم من محدوديّة الإمكانيات، وقد يتمّ استئجار المدارس إذا كانت مؤجّرة للأونروا وتوفير كادر تعليمي وإداري من قبل الحكومة الفلسطينية".

فرض المنهاج الإسرائيلي

من جانبه، شدد عضو الائتلاف الأهلي لحقوق الإنسان في القدس، زكريا عودة، لـ"عروبة 22"، على أنّ إغلاق مدارس الأونروا في القدس، يأتي في سياق إنهاء مؤسّسات الوكالة التي تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز وضعية اللاجئين الفلسطينيين وتُكرّس مبدأ "حقّ العودة"، وهو ما يتعارض مع السياسات الإسرائيلية الساعية إلى فرض "القدس الموحّدة" تحت السيادة الكاملة للاحتلال.

وأضاف أنّ هذه الخطوة تأتي أيضًا في إطار فرض المنهاج الإسرائيلي وتغيير الهوية التعليمية ودفع الطلبة الفلسطينيين للانتقال إلى مدارس بلدية الاحتلال التي تُدرّس المنهاج الإسرائيلي، وذلك في محاولةٍ لطمس الهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية، وزرع رواية الاحتلال في عقول الأجيال الناشئة، إضافةً إلى إضعاف التعليم الفلسطيني كأداة صمود، خصوصًا أنّ التعليم في القدس المحتلة يُعَدّ من أدوات المقاومة والصمود في وجه سياسات التهويد والاحتلال، لذلك تسعى سلطات الاحتلال من خلال استهداف مدارس الأونروا، إلى تفريغ المدينة من مؤسّسات التعليم الوطني وتكريس تبعيّة الفلسطينيين لمنظومة الاحتلال.

وفي السياق نفسه، رأى عودة أنّ إغلاق مدارس الأونروا في القدس لا يُعَدُّ قرارًا إداريًا فحسب، بل هو خطوة استراتيجية ضمن خطة أوسع تهدف إلى تغيير الواقع السياسي والديموغرافي والتعليمي في المدينة، مؤكدًا أنّ إجراءات الاحتلال تُشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان، لا سيما حقّ الأطفال في التعليم، وتُقوّض الجهود الدولية الرامية إلى حماية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرارات الأمم المتحدة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن