ثقافة

مهرجان "كان": مشاركة نسائية قياسية و"كان يا ما كان في غزّة"!

شهد مهرجان "كان" السينمائي في دورته الثامنة والسبعين لعام 2025 حدثًا استثنائيًا على صعيد التنوّع الثقافي والمشاركة النسائية، مما جعله نقطة انطلاقٍ جديدةٍ لصناعة السينما العالمية.

مهرجان

ترأست النّجمة الفرنسية جولييت بينوش لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، التي ضمّت أسماء بارزةً مثل هالي بيري، كارلوس ريغاداس، جيريمي سترونغ، والمخرجة الهندية بايال كاباديا. هذا التنوّع الثقافي والجندري يعكس التزام المهرجان بتقديم رؤى متعدّدة ومختلفة.

سجّلت الدورة رقمًا قياسيًا في مشاركة النساء المخرجات، حيث بلغ عددهن سبعًا، وهو الأعلى في تاريخ المهرجان. من بينهن، قدّمت سكارليت جوهانسون أولى تجاربها الإخراجية بفيلم "Eleanor the Great"، وهو فيلمٌ كوميديٌ دراميٌ مؤثرٌ، يُمثل أوّل تجربة إخراجية لسكارليت جوهانسون.

تمّ عرض الفيلم لأول مرّة في الدورة الحالية من المهرجان ضمن فئة "نظرة ما"، وهو من بطولة جون سكويب بدور إليانور مورغنسترن، أرملة تبلغ من العمر 90 عامًا تنتقل من فلوريدا إلى مدينة نيويورك بعد وفاة أعزّ أصدقائها. في نيويورك، تُصادق إليانور ليو، وهو منظّم حفلات شاب، يُجسّد دوره شيوتيل إيجيوفور. تتحوّل صداقتهما غير المتوقّعة إلى رحلة شفاءٍ واكتشافٍ للذّات واستكشافٍ للهوية والتعاطف.

يتناول السيناريو، الذي كتبه توري كامين، مواضيع الحزن والذاكرة والقصص التي نرثها ونتشاركها. تتبنّى إليانور رواية صديقتها الرّاحلة الناجية من الهولوكوست، ممّا يقود إلى استكشافٍ مُعقّدٍ للأصالة وتأثير سرد القصص. يتعزّز حسّ الفكاهة الرّقيق والعمق العاطفي في الفيلم بأداءٍ قويّ، لا سيما أداء سكويب لشخصية إليانور، الذي لاقى استحسانًا واسعًا.

يتميّز إخراج جوهانسون بأسلوبٍ لطيفٍ ورصديّ، يُركّز على لحظات شخصية تعكس الأصالة. ويُكمل التصوير السينمائي لهيلين لوفارت هذا النّهج، ملتقطًا التفاعلات الحميمة وخلفيّة مدينة نيويورك النابضة بالحياة.

يُعدّ فيلم "إليانور العظيمة" شهادةً على الروح الإنسانية الخالدة وقوّة التواصل، بغضّ النّظر عن العمر. بفضل سرده القصصي المؤثّر وأدائه المتميّز، نال الفيلم إشادة النقاد، ومن المتوقّع أن يكون مرشحًا قويًا لموسم جوائز 2025.

بينما قدّمت كريستين ستيوارت فيلم "The Chronology of Water" وهو فيلمٌ مُقتبسٌ من مذكّرات ليديا يوكنافيتش الشهيرة، في أوّل تجربةٍ إخراجيةٍ لها. تتتبّع القصة رحلة يوكنافيتش المضطربة عبر الحزن والإدمان والجنس والصحوة الفنّية. تشتهر المذكّرات بصدقها الصريح ونثرها الشعري، وتتعمّق في الصدمات الشخصية والقوة العلاجية لسرد القصص والسباحة. يَعِدُ الفيلم بالحفاظ على كثافة المذكرات وعمقها العاطفي، مستكشفًا مرونة الهوية. بفضل رؤية ستيوارت الجريئة وسرد يوكنافيتش القوي، فإنّ "التسلسل الزمني للماء" يُعتبر تجربةً سينمائيةً آسرةً، مؤثّرةً، وجذابةً بصريًا. كما شاركت جوليا دوكورنو بفيلم "Alpha"، الذي يعكس تطوّرًا في مسيرتها الفنية.

السينما العربية تبرز في المسابقات الرسمية

شهدت الدورة أيضًا حضورًا لافتًا للأفلام العربية، حيث شارك المخرج المصري مراد مصطفى بفيلم "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" في قسم "نظرة ما"، مسجلًا عودة الأفلام المِصرية إلى هذا القسم بعد غياب دام 9 سنوات. كما شاركت المخرجة التونسية أريج السحيري بفيلم "سماء بلا أرض"، الذي يتناول قضايا اجتماعية وإنسانية.

بالإضافة إلى ذلك، قدّم الأخوان عرب وناصر طرزان الفيلم الوثائقي "كان يا ما كان في غزّة"، الذي يعكس واقع قطاع غزّة من خلال سردٍ قصصيّ مؤثّر. الفيلم وثيقة فنّية تعكس الحياة اليومية في قطاع غزّة تحت الحصار. من خلال قصص السّكان، يصوّر الفيلم التحدّيات، الأمل، والمقاومة الثقافية وسط الظروف القاسية، مقدّمًا نظرةَ إنسانيةً عميقةً على صمود أهل غزّة وإصرارهم على الحياة على الرَّغم من المعاناة.

الجدل والإعجاب والتكريم

من بين أبرز الأفلام المشاركة، قدّم المخرج الأميركي ويس أندرسون فيلم "The Phoenician Scheme"، الذي يجمع بين الكوميديا والدراما. كما عرض المخرج الإيراني جعفر بناهي فيلم "It Was Just an Accident"، الذي يتناول تحوّلات دراميّة تنشأ من أحداث يوميّة متتابعة. كما قدّم المخرج آري أستر فيلم "Eddington"، الذي يجمع بين خواكين فينيكس وإيمّا ستون، ويتناول دراما سياسية خلال جائحة كورونا.

وفي خطوةٍ تعكس تقدير المهرجان للمساهمات النسائية في صناعة السينما، تمّ تكريم النجمة الأسترالية نيكول كيدمان بجائزة "المرأة في الحركة"، تقديرًا لمسيرتها الفنّية المتميّزة وإسهاماتها في تعزيز دور المرأة في السينما.

دعم مؤسسة الدوحة للأفلام

شهدت الدورة دعمًا كبيرًا من "مؤسّسة الدوحة للأفلام"، حيث تمّ اختيار ثمانية أفلام مدعومةً من المؤسّسة للمشاركة في المهرجان، ما يعكس التزامها المستمرّ برعاية الأصوات الحديثة والأصيلة في السينما العالمية.

"مهرجان كان السينمائي 2025" كان بمثابة منصةٍ لإبراز التنوّع الثقافي والنسائي في صناعة السينما، ممّا يعكس تحوّلًا إيجابيًا نحو مستقبلٍ أكثر شموليةً وابتكارًا.

من خلال مشاركة أفلام متنوّعة من مختلف أنحاء العالم، أثبت المهرجان مرةً أخرى مكانته كأحد أبرز المهرجانات السينمائية التي تحتفل بالفنّ السابع وتدعم تطوّره المستمر.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن