فيما يخصّ العراق، تراجعت التوقّعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي بشكلٍ كبيرٍ، فبينما كانت تشير إلى نسبة نموّ خلال 2025 في الاقتصاد تبلغ 4%، فإنّ التوقّع يشير إلى انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 1.5%، أي بمقدار تراجعٍ يبلغ أكثر من 5%، إذ قدّم صندوق النقد العربي تقييمًا مفصّلًا للاقتصاد العراقي، حول التحدّيات والفرص التي تنتظر العراق في المستقبل، ووفقًا للصندوق، انكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 2.2% في عام 2022، لكنّ التوقّعات للأعوام 2024 و2025 أكثر تفاؤلًا، إذ يرى الصندوق أنّ الاقتصاد يحقّق نموًّا بنسبة 1.4% في عام 2024 و2.3% في عام 2025.
يحتاج العراق إلى إصلاحات تدريجية مؤثّرة في سياساته المالية
على الرَّغم من هذه المخاوف المالية، شهد العراق تحسّنًا كبيرًا في الاستقرار الداخلي، إذ إنّ الاستقرار الداخلي قد تحسّن منذ تولّي الحكومة منصبها في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ممّا خلق بيئةً مواتيةً للإصلاحات الاقتصادية. وكان هذا الاستقرار عاملًا رئيسيًّا في الموافقة على أوّل ميزانية ثلاثيّة للعراق، والتي على الرَّغم من التوسّع المالي الذي تتضمّنه، ساعدت على التعافي القوي لقطاع الاقتصاد غير النّفطي، وهذا الاستقرار النّسبي، جنبًا إلى جنب مع تعافي الاقتصاد غير النفطي، سمح للعراق بالتركيز على التطوّرات الاقتصادية الداخلية.
ويحذّر الصندوق من أنّ العراق قد يواجه ضغوطًا في الدَّيْن السيادي على المدى المتوسط ومخاطِر على الاستقرار الخارجي، وتتزايد هذه المخاوف بسبب عدم اليقين العالمي، مثل احتمال انخفاضٍ حادّ في أسعار النفط أو تصعيد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، من أجل استقرار الاقتصاد وتقليل الضعف المالي، إذ يؤكّد صندوق النقد الدولي على ضرورة إجراء تعديلاتٍ ماليّةٍ كبيرة، كما يحتاج العراق إلى إصلاحاتٍ تدريجيّة، ولكنّها مؤثّرة في سياساته المالية من أجل استقرار الديْن على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيّات الماليّة.
ويشدّد العراق على أهمّية تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرئيسيّة لدعم التنمية الاقتصادية على المدى الطويل، ومن أولوياته تعزيز نظام الضرائب والإيرادات، ويعدّ تنفيذ الحساب الموحّد للخزينة وتقليل استخدام الأموال خارج الميزانية، خطواتٍ حاسمةً في تحقيق التوحيد المالي الفعّال، وتشمل الإصلاحات الأخرى الحدّ من التمويل النقدي، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية، وتحسين الحوْكمة ومكافحة الفساد.
من الضروري أن تواصل الحكومة العراقية تنفيذ الإصلاحات التي تعزّز التنوّع الاقتصادي
من ناحيةٍ أخرى، بذل البنك المركزي العراقي جهودًا لتحسين السياسة النقدية وتقوية إدارة السيولة، ويُبرز الصندوق الحاجة إلى تنسيق أفضل بين العمليات المالية والنقدية لإدارة السيولة الزائدة وتحسين فعّالية السياسة النقدية. علاوةً على ذلك، يرى الصندوق أنّ إعادة هيكلة البنوك الحكومية الكبيرة أمر ضروري لتحسين كفاءة القطاع المالي، ويؤكّد على استمرار تحديث القطاع المصرفي الخاص من خلال تسهيل إقامة علاقات مصرفية مع البنوك المراسِلة.
وقام صندوق النقد الدولي بإصلاحاتٍ هيكليةٍ لإطلاق إمكانيات القطاع الخاص، مع التركيز على خلق فرصٍ متساويةٍ بين الوظائف في القطاعيْن العام والخاص، وتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، وإصلاح قوانين التعليم والعمل لتلبية احتياجات الاقتصاد المعاصر. علاوةً على ذلك، يحتاج العراق إلى تحسين أنظمته الحكوميّة، ومعالجة الكفاءات في المشتريات العامة، ومواجهة التحدّيات في القطاعات الحيوية، وتُعدّ هذه الإصلاحات ضروريةً لإنشاء اقتصاد أكثر استدامةً وتنوعًا، ولدعم الجهود المتجدّدة للعراق للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، وهي خطوة يمكن أن تساعد العراق على الاندماج في الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمارات الأجنبية.
إذا تمت معالجة التحدّيات فإن العراق لديه إمكانيات كبيرة لوضع أُسُس اقتصاد أكثر استقرارًا وازدهارًا
بدأ الاقتصاد العراقي في عام 2025 تحقيق انتعاشٍ ملموسٍ، إذ تم تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية المطلوبة، وتمكّن من تقليل اعتماده على النّفط وتعزيز قطاعه الخاص، ومع ذلك، سيظلّ الاقتصاد العراقي عرضةً للتقلّبات الاقتصادية العالمية، ولا سيما في ما يتعلّق بأسعار النفط. وإذا استمرّت أسعار النفط في الانخفاض أو إذا زادت الأزمات الإقليميّة، فإنّ العراق قد يواجه تحدّياتٍ في استدامة نموّه الاقتصادي. في هذا السّياق، من الضروري أن تواصل الحكومة العراقية تنفيذ الإصلاحات التي تعزّز التنوّع الاقتصادي، مع التأكيد على بناء احتياطيّاتٍ ماليةٍ قويةٍ لتحصين الاقتصاد ضدّ الصدمات المستقبلية.
وفي الختام، يُقدّم تقييم صندوق النقد الدولي لآفاق الاقتصاد العراقي صورةً مختلطة، إذ توجد مؤشرات إلى التعافي وتوقّعات نموّ إيجابية لعامَي 2024 و2025، وتظلّ هناك تحدّيات كبيرة، بحيث لا يزال الاقتصاد العراقي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على إيرادات النّفط، مما يجعله عرضةً لتقلبات الأسعار، مع ضرورة اتّباع انضباط مالي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية، ووضع خطة شاملة لتنويع الاقتصاد، وإذا تمت معالجة هذه التحدّيات، فإن العراق لديه إمكانيات كبيرة لوضع أُسُس اقتصاد أكثر استقرارًا وازدهارًا في السنوات المقبلة في ظلّ التحدّيات التي يواجها الاقتصاد العراقي.
(خاص "عروبة 22")