هل تعصف الأزمة المالية بالحكومة اليمنيّة؟

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

يرفض رئيس الحكومة اليمنية الجديد، سالم بن بريك، العودة إلى البلاد منذ أن تمّ تعيينه في هذا الموقع مطلع شهر مايو/أيار، ويربط هذه العودة بالحصول على دعمٍ عاجلٍ من السعودية والإمارات لمواجهة العجز في صرف رواتب الموظفين وتوفير الوقود لمحطّات الكهرباء، ووقف انهيار العملة الوطنية، لكن ذلك لا يبدو أنه سيحدث قريبًا.

هل تعصف الأزمة المالية بالحكومة اليمنيّة؟

إلى ما قبل تعيين رئيس الوزراء الجديد، الذي كان يُمسك بحقيبة المالية منذ العام 2019 وما زال، كان الكثيرون يُحمّلون الخلافات العاصفة بين رئيس الوزراء السابق أحمد عوض بن مبارك ورئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، المسؤولية عن الشلل الذي أصاب الأداء الحكومي، لكن ما هو واضح أنّ الجانب اليمني قد عجز - حتّى الآن على الاقلّ  -عن إقناع التحالف الداعم له بقيادة السعودية بتقديم المزيد من الأموال بعد أن اتُهم بالفشل في إدارة الأموال التي حصل عليها في السابق.

وإلى جانب تراجع مقدار الدعم السعودي والإماراتي أو تعليقه، تواجه الحكومة المُعترف بها دوليًا أزمةً ماليةً غير مسبوقة منذ عقدٍ من الزمن حين منعها الحوثيون من استئناف تصدير النفط والغاز واستهدفوا موانئ التصدير أكثر من مرة، مع تهديدهم السفن وتحذيرها من الاقتراب من تلك الموانئ ما أفقدها أهمّ مصدر للنقد الأجنبي.

وفي ظلّ محدودية الخيارات وطبيعة التحالف الهشّ الذي تتألّف منه الحكومة والمجلس الرئاسي، تؤكّد مجلة "الشؤون الخارجية" التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، أنّ الحوثيين راهنوا منذ بداية الضربات الأميركية على مناطق سيطرتهم على قدرتهم على الصمود. ورأت أنّ اتفاق وقف إطلاق النار بينهم وبين الإدارة الأميركية، بدّد آمال الحكومة في الحصول على دعمٍ أميركي لحملةٍ بريةٍ، وقالت إنّ هناك احتمالًا حقيقيًا أن تنهار الحكومة اليمنية المنقسمة أصلًا تحت وطأة الضغط المالي، الذي يتزايد منذ أن أوقفت صادراتها النفطية أواخر عام 2022، وكذلك بسبب الاتفاق بين الحوثيين والأميركيين.

ووفق المجلّة نفسها فإنّه من شبه المؤكد أنّ الانهيار المحتمل للحكومة سيؤدّي إلى توسّع رقعة نفوذ الحوثيين والسماح لتنظيم "القاعدة" بتحقيق مكاسب في جنوب البلاد. ومع هذه التحوّلات، ستحتاج السعودية - التي يرى البعض أنها ربما تشعر بقلقٍ فعليّ من موثوقيّة واشنطن كشريكٍ أمنيّ - إلى التعامل مع حركة الحوثيين.

ومع تزايد الاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرة الحكومة واتّساعها من عدَن إلى لحج وأبين ومن ثم تعزّ، والتراجع الواضح في مستوى الخدمات وانتشار الأمراض الوبائية، فإنّ المتابعين يرجّحون أن يختار رئيس الحكومة الجديد طريق الاستقالة بدلًا من العودة إلى الداخل من دون أي دعم، لأنّه سيكون عند عودته في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الشارع الذي يموج بالغضب نتيجة الغلاء الفاحش بفعل انهيار سعر العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي الذي بلغ سعره 2600 ريال للمرّة الأولى في تاريخ البلاد، فضلًا عن انقطاع الكهرباء لأكثر من 12 ساعة يوميًا.

ومع أنباء استئناف سلطنة عُمان وساطتها بشأن تنفيذ خريطة طريق السّلام في اليمن والتي اتُفق عليها نهاية العام 2023، فإنّ الرفض السعودي الصريح للطلب الأميركي بالانخراط في العمليات العسكرية ضدّ الحوثيين قد ساعد، وِفق مراقبين، على زيادة مستوى الثقة بين الرياض وصنعاء، وهذا بدوره قد يساعد على إحياء خريطة طريق السلام مع إدخال بعض التعديلات عليها لتواكب المتغيّرات التي شهدتها الساحة. وإذا ما حصل ذلك، فإنّه في نظر المراقبين سيُشكّل مخرجًا للجانب الحكومي، لأنه سيكون من مصلحة التحالف ودول العالم الحفاظ على الطرف اليمني الذي سيوقّع مع الحوثيين أي اتفاق للسلام.

هذه التطوّرات واكبها تأكيد أممي أنّ الأمن الغذائي في اليمن يواجه تهديداتٍ متعدّدة الأوجه، بما في ذلك انهيار العملة، وارتفاع أسعار الوقود، والنّقص الحاد في الديزل والبنزين، وتفاقم الضغوط المالية، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، بفعل القيود المالية النّاجمة عن الأزمة المستمرّة في البلاد.

ويزيد تصنيف الحوثيين كمنظمةٍ إرهابيةٍ من قبل الولايات المتحدة والعقوبات الاقتصادية المرتبطة به، إلى جانب توقّف المساعدات الإنسانية وحظر استيراد دقيق القمح، من تفاقم الوضع. كما أنّ انخفاض سعة مناولة البضائع في موانئ البحر الأحمر الخاضعة للحوثيين عقب الغارات الجوية الإسرائيلية، يحدّ من الواردات الأساسية إلى البلاد.

وتوقّع تقريرٌ لمنظمة الأغذية والزراعة أن تستمرّ أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود في الارتفاع في الأشهر المقبلة، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، ممّا يؤثّر بشدةٍ في القدرة على تحمّل التكاليف. وحتّى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعلى الرَّغم من الضوابط، لا تزال مخاطِر ارتفاع الأسعار قائمةً بسبب النّقص المتوقّع في الوقود وانخفاض واردات الأغذية.

وبحلول مارس/آذار الماضي، واجه ما يُقدّر بنحو 17.1 مليون شخص (حوالى 50% من السكّان) انعدامًا حادًّا في الأمن الغذائي. ومن المتوقّع أن يتفاقم هذا الوضع المُزري في الفترة من مايو/أيار إلى سبتمبر/أيلول المقبل، خلال "موسم العجاف"، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والانخفاض الكبير في المساعدات الغذائية الإنسانية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن