دونالد نتنياهو!

"أحكمنا الآن السيطرة التامة على أجواء إيران، كانت لدى طهران منظومات رصد ودفاع جوي، لكنها لا تضاهي التقنيات المصنعة والمصممة عندنا، نعرف بدقة موقع المرشد علي خامئني، هو هدف سهل لنا، لكننا لن نستهدفه الآن تفاديا لإصابة مدنيين أو جنودنا، صبرنا ينفد، وعلى سكان طهران إخلاؤها فورا، وعلى إيران الاستسلام من دون شروط".

أي شخص عاقل وطبيعى يقرأ هذه الكلمات فإن أول ما سيخطر على باله أن قائلها هو رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، أو وزير الدفاع الإسرائيلي أو أي مسؤول إسرائيلي كبير، لكن أن يكون قائل هذه العبارات هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فالمعنى الوحيد هو أنه لا فرق بين أمريكا وإسرائيل أو بين دونالد وبنيامين في العدوان الجاري الآن على إيران أو غزة أو سوريا أو اليمن. سوف يقول قائل: وهل هذا الأمر جديد، وهل هو يدعو إلى الاندهاش، حتى تخصص له هذه المساحة من الكتابة؟!

الإجابة هي لا، الأمر بالنسبة لي ولكثيرين ليس جديدا، لكن أكتب عنه اليوم مخاطبا فئتين، الأولى هي البسطاء الذين لا يزالون يتعاملون أن أمريكا وإسرائيل مختلفتان، والثانية هي فئة من المثقفين والمواطنين العرب واقعون في غرام السياسات الأمريكية ويراهنون عليها للّجم إسرائيل عن عدوانها المتكرر على العرب منذ عام 1948. قد يقول البعض إن ترامب يتصرف بطريقة غريبة ومتناقضة، ويقول الكلام وعكسه في نفس الساعة، وإنه لا يعبر بدقة عن المصالح الأمريكية العليا، وإن كلامه الأخير عن إيران قد لا يعبر فعليا عن حقيقة الموقف الأمريكي الذي لا يزال حتى أمس الأربعاء لم ينضم فعليا إلى الحرب.

ولهؤلاء نقول إن أمريكا منحازة إلى إسرائيل منذ كانت أول من اعترف بها في عهد هاري ترومان عام 1948 وحتى هذه اللحظة، وإن ترامب فاز بأغلبية كبيرة في الانتخابات الأخيرة. فى ظني وظن كثيرين أن إسرائيل أداة وظيفية زرعها الغرب في منطقتنا لهدفين أساسيين، الأول التخلص من "المشكلة اليهودية" التي استنزفت أوروبا لقرون، والثاني لكي تكون عاملا لتقسيم وشرذمة وتهديد المنطقة العربية والإسلامية.

هل إسرائيل هي التي تتحكم في أمريكا أم العكس؟ مرة أخرى، إسرائيل مجرد أداة وظيفية، ولو تركتها أمريكا من دون حماية، فلن تصمد كثيرا في المنطقة. لكن للموضوعية فإن إسرائيل تمكنت من جعل أهدافها الذاتية تتماهى مع الأهداف والمصالح الأمريكية. بل ورأينا اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة يتحول إلى بعبع يخيف غالبية المسؤولين الأمريكيين، ورأينا ترامب الذي يستأسد على جميع الدول والمنظمات يتحول إلى نعامة أمام بنيامين نتنياهو، وينسى كل ما قاله عن أنه لن يشن أي حرب، بل سيعمل من أجل إنهاء الحروب وإحلال السلام في العالم كي يفوز بجائزة نوبل!!!

ما فعله ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف في المفاوضات النووية مع إيران في سلطنة عمان وإيطاليا كان محض فخ لتخدير طهران حتى تشن إسرائيل عدوانها، وحينما بدأ العدوان فإن ترامب استخدم " نا الفاعلين" أكثر من مرة وهو يتحدث عن تطورات العدوان الذي وصفه في اليوم الأول بأنه "ممتاز". المؤكد أن معظمنا يدرك أنه لا فرق أبدا بين أمريكا بايدن أو أمريكا ترامب، إلا في الدرجة حينما يتعلق الأمر بدعم إسرائيل. هذا أمر صار بمثابة بديهية، والغريب والمثير للدهشة هو أن هناك عربا يزيدون يوما بعد يوم لا يريدون أن يروا هذه الحقيقة العارية!!

قد نعذر بعض الحكومات التي تدرك ذلك، ولكنها في نفس الوقت تعتقد أنها لا يمكنها مجابهة ومواجهة ومقاومة الولايات المتحدة بكل ما تملكه من قوة، رغم وجود العديد من أوراق الضغط في يد العرب يستطيعون استخدامها إذا كانت لديهم الإرادة. لكن ما أقصده في هذه السطور هو بعض المثقفين العرب الذين ما يزالون يعتقدون بوجود فوارق وتناقض مصالح بين أمريكا وإسرائيل، بل إن بعضهم لا يزال يعتقد بأن إسرائيل نتنياهو يمكن إقامة علاقات سلام معها.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن