أيام قليلة بعد توقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دعوة القضاء الإسرائيلي لإلغاء محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد المتهم بالتورط فيها منذ نحو خمس سنوات، أو منحه العفو في خطوة نادرة من جانب رئيس أمريكي.
هذه الدعوة، بطبيعة الحال، لم تمر مرور الكرام في الداخل الإسرائيلي، إذ اعتبرتها أوساط الائتلاف الحاكم واليمين المتطرف "محقة" رغم أنها تمثل تدخلاً مباشراً في "السيادة" الإسرائيلية، ما يعني أنه يمكن، من وجهة نظر هؤلاء، قبول انتهاك "السيادة" التي يتغنون بها، إذا كان الأمر يتعلق بمصالح سياسية. وفي المقابل، هناك في أوساط المعارضة من اعتبر أنه "ليس من دور الرئيس ترامب التدخل في مسار قضائي بدولة مستقلة"، كما يقول زعيم المعارضة يائير لابيد، لكنه افترض، في الوقت نفسه، أن هذا "تعويض يقدّمه لنتنياهو لأنه سيقوم بالضغط عليه بشأن غزة، لإنهاء الحرب".
ولكن حتى قبل دعوة ترامب الذي يعتبر نفسه وحليفه نتنياهو ضحية "حملة اضطهاد" ذات "دوافع سياسية" من قبل الدولة العميقة في كلا الجانبين، وأنه يريد أن ينقذ نتنياهو، كما أنقذ إسرائيل، ولن يسمح بمحاكمته الهزلية.. حتى قبل ذلك، كان هناك صراع داخلي إسرائيلي يسعى في ذات الاتجاه لتجنيب نتناهو المحاكمة عبر إجراء تعديلات قضائية تسمح بهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، وهو ما أدى إلى تأجيج الشارع الإسرائيلي والخروج بتظاهرات حاشدة وصلت إلى حد الصدام الداخلي ووضعت الجميع على شفا حرب أهلية. غير أن هجوم أكتوبر 2023، أدى إلى تراجع قضية التعديلات القضائية أمام الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإن قفزت إلى الواجهة أبعاد جديدة تتصدرها محاولات تحديد المسؤوليات عن الفشل في مواجهة هذا الهجوم.
ومع مرور الوقت بدأ يتضح أن نتنياهو يستغل هذه الحرب لمصلحته السياسية والشخصية عبر إطالة أمدها، وعدم تحديد أهدافها السياسية للحفاظ على ائتلافه الحاكم والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، خوفاً على مستقبله السياسي ومواجهة مصيره المحتوم. لكن احتدام الصراع الداخلي والتظاهرات الحاشدة التي تتهم نتنياهو علناً بعرقلة التوصل إلى اتفاق حول صفقة تبادل للأسرى وإنهاء الحرب، دفع بعض السياسيين إلى محاولة إيجاد مخرج لنتنياهو، خصوصاً من جانب المعارضة والرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ الذي ألمح إلى إمكانية منحه عفواً بشأن قضايا الفساد مقابل إنهاء الحرب واعتزاله السياسي.
ووفق القوانين الإسرائيلية، يحتاج إلغاء محاكمة نتنياهو إلى واحد من ثلاث خطوات، إما إلى عفو رئاسي أو سحب الادعاء العام للشكاوى والاتهامات الموجهة إليه أو تشريع خاص من جانب الكنيست. اليوم، عندما يقدم ترامب طوق النجاة لنتنياهو عبر المطالبة بإلغاء محاكمته أو منحه العفو، فإنه يبدو كمن يريد استغلال لحظة ما بعد الحرب على إيران، للحصول على تنازلات بالمقابل، قد يكون في مقدمتها إنهاء حرب غزة، تمهيداً للتقدم نحو تسويات سياسية قد تشمل المنطقة برمتها.
(الخليج الإماراتية)