فلسطين... القضية والبوصلة

سَرِقَةُ الآثارِ الفلسطينِيَّة: نَهْبُ التارِيخِ والأرضِ وَطَمْسُ الهُوِيَّة!

فلسطين - فادي داود

المشاركة

تَتَواصَلُ عَمَلِيّاتُ سَرِقَةِ الآثارِ الفِلَسْطينِيَّةِ على يَدِ سُلُطاتِ الاحْتِلالِ الإِسْرائيليِّ بِوَتيرَةٍ مُتَسارِعَة، في إِطارِ سِياسَةٍ مُمَنْهَجَةٍ لا تَسْتَهْدِفُ اللُّقى الأَثَرِيَّةَ فَحَسْب، بَل تَطالُ المَواقِعَ التّاريخِيَّةَ نَفْسَها والأَراضِيَ المُحيطَةَ بِها، في مُحاوَلَةٍ لإِعادَةِ تَشْكيلِ المَكانِ وَفَرْضِ رِوايَةٍ تاريخِيَّةٍ بَديلَةٍ تَنْسَجِمُ مَعَ المَشْروعِ الاسْتيطانِيّ.

سَرِقَةُ الآثارِ الفلسطينِيَّة: نَهْبُ التارِيخِ والأرضِ وَطَمْسُ الهُوِيَّة!

تُعَدُّ بَلدَةُ سِبَسْطِيَة شَمالَ غَرْبِ نابُلُس نَموذَجًا صارِخًا لِهَذِهِ السِّياسَة الإسرائيلية، لِما تَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ تَنْقيبٍ غَيْرِ شَرْعِيّ، وَسَرِقَة، وَتَخْريبٍ مُتَعَمَّدٍ لِمَعالِمِها الأَثَرِيَّةِ مِنْ قِبَلِ الاحْتِلالِ والمُسْتَوْطِنين.

يَرى د. ضِرْغام فارِس، المُديرُ العامُّ لِلسِّياحَةِ والآثارِ في مُحافَظَةِ نابُلُس، لِـ"عروبة 22"، أَنَّ هَذِهِ الخُطْوَةَ تَكْشِفُ أَنَّ الهَدَفَ الحَقيقِيَّ لِلاحْتِلالِ توظيفُ الآثار لِضَمِّ المَزيدِ مِنَ الأَراضي الفِلَسْطينِيَّة، عَبْرَ تَرْسيمٍ تَعَسُّفيٍّ وَجائِرٍ لِلمَواقِعِ الأَثَرِيَّة، واسْتِخْدامِ الأَراضي المُحيطَةِ بِها لإِقامَةِ مُسْتَوْطَناتٍ جَديدَة، أَوْ تَوْسيعِ القائِمِ مِنْها، وَشَقِّ طُرُقٍ اسْتِعْمارِيَّة، ما يُشَكِّلُ تَهْديدًا مُباشِرًا لِلمَواقِعِ الأَثَرِيَّةِ ذَاتِها.

وَأَوْضَحَ فارِس أَنَّ الاحْتِلال كَثَّفَ في السَّنَواتِ الأَخيرَةِ مِنْ عَمَلِيّاتِ سَرِقَةِ الآثار، مُتَجاوِزًا نَهْبَ اللُّقى والشَّواهِدِ الأَثَرِيَّةِ إلى السَّيْطَرَةِ على المَواقِعِ نَفْسِها وَمُحيطِها الجُغْرافِيّ. وَيُشيرُ إلى أَنَّ "الإِدارَةَ المَدَنِيَّةَ الإِسْرائيلِيَّةَ" أَصْدَرَتْ في العاشِرِ مِنْ آب/أَغُسْطُس 2025 كُرّاسَةَ أَوامِرَ عَسْكَرِيَّةٍ وَقَّعَها رَئيسُها العَميدُ موطي أَلموز، جَرى بِموجِبِها تَصْنيفُ 63 مَوْقِعًا في الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ المُحْتَلَّةِ كَمَواقِعَ "تاريخِيَّةٍ وَأَثَرِيَّةٍ إِسْرائيلِيَّة"، مِنْ بَيْنِها 59 مَوْقِعًا في مُحافَظَةِ نابُلُس، وَثَلاثَةٌ في مُحافَظَةِ رام اللَّهِ، وَمَوْقِعٌ واحِدٌ في مُحافَظَةِ سَلْفيت.

وَيَقولُ فارِس إِنَّهُ في التّاسِعِ عَشَرَ مِنْ يَنايِر/كَانونِ الثّاني 2023، أَقْدَمَتْ قُوّاتُ الاحْتِلالِ على سَرِقَةِ تابوتٍ حَجَريٍّ أَثَريٍّ مِنْ مَوْقِعِ سِبَسْطِيَة، أَثْناءَ قِيامِ طَواقِمِ وِزارَةِ السِّياحَةِ والآثارِ الفِلَسْطينِيَّةِ بِأَعْمالِ تَنْقيبٍ إِنْقاذيٍّ في المِنْطَقَةِ المُصَنَّفَةِ (ج) وَفْقَ اتِّفاقِيَّةِ أوسْلو. وَلَمْ تَكْتَفِ القُوّاتُ الإِسْرائيلِيَّةِ بِذَلِكَ، بَلِ احْتَجَزَتِ المُوَظَّفينَ الفِلَسْطينِيِّينَ لِساعات، في خُطْوَةٍ عَكَسَتْ بِوُضوحٍ طَبيعَةَ السَّيْطَرَةِ الإِسْرائيلِيَّةِ على المَواقِعِ الأَثَرِيَّةِ في هَذِهِ المَناطِق. وَمُؤَخَّرًا، تَشْهَدُ سِبَسْطِيَة عَمَلِيّاتِ تَنْقيبٍ جَديدَةٍ مِنْ قِبَلِ الاحْتِلال، يَجْري خِلالَها نَقْلُ مَوادَّ أَثَرِيَّةٍ إلى جِهاتٍ مَجْهولَة، وَسَطَ مَخاوِفَ مِنْ ضَياعِ شَواهِدَ تاريخِيَّةٍ لا تُقَدَّرُ بِثَمَن.

وَيُؤَكِّدُ فارِس أَنَّ هَذِهِ المُمارَساتِ تُشَكِّلُ انْتِهاكًا خَطيرًا لِلتُّراثِ الثَّقافيِّ الفِلَسْطينِيّ، وَتُخالِفُ الاتِّفاقِيّاتِ الدَّوْلِيَّة، وَعلى رَأْسِها اتِّفاقِيَّةُ لاهاي لِعامِ 1954 بِشَأْنِ حِمايَةِ المِلكِيَّةِ الثَّقافِيَّةِ في حالَةِ النِّزاعِ المُسَلَّحِ، وَبْروتوكولاها لِعامَيْ 1954 وَ1999، إِضافَةً إلى اتِّفاقِيَّةِ عامِ 1970 الخاصَّةِ بِحَظْرِ وَمَنْعِ اسْتيرادِ وَتَصْديرِ وَنَقْلِ مِلكِيَّةِ المُمْتَلَكاتِ الثَّقافِيَّةِ بِطُرُقٍ غَيْرِ مَشْروعَة.

وَتَعْمَلُ وِزارَةُ السِّياحَةِ والآثار، وَفْقَ فارِس، على مُكافَحَةِ سَرِقَةِ الآثارِ وَتَهْريبِها مُنْذُ تَأْسيسِها، مِنْ خِلالِ دَوائِرَ مُتَخَصِّصَةٍ في كُلِّ مُحافَظَةٍ بِالتَّعاوُنِ مَعَ شُرْطَةِ السِّياحَةِ والآثار. كَما تَقومُ الوِزارَةُ بِإِعْدادِ سِجِلٍّ خاصٍّ بِالمَوادِّ الأَثَرِيَّةِ التي وَثَّقَتْ سَرِقَتَها مِنْ قِبَلِ الاحْتِلال، وَتَحْديثِهِ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرّ، إلى جانِبِ البَحْثِ في السَّرِقاتِ غَيْرِ المُوَثَّقَةِ وَجَمْعِ البَياناتِ اللّازِمَةِ لاتِّخاذِ إِجْراءاتٍ قانونِيَّةٍ لاسْتِرْدادِها بِالتَّعاوُنِ مَعَ الجِهاتِ الدَّوْلِيَّةِ المُخْتَصَّة. غَيْرَ أَنَّ حِمايَةَ الآثارِ في المَناطِقِ المُصَنَّفَةِ (ج) تَبْقى مُهِمَّةً شَديدَةَ الصُّعوبَة، في ظِلِّ غِيابِ الصَّلاحِيّاتِ الفِلَسْطِينِيَّة، وَقِيامِ الاحْتِلالِ نَفْسِهِ بِحِمايَةِ عَمَلِيّاتِ النَّهْب.

مِنْ جانِبِهِ، يوضِحُ الباحِثُ في التُّراثِ الثَّقافيِّ والتاريخيّ، زيد أزهري لِـ"عروبة 22" أَنَّ إِسْرائيلَ تَسْتَخْدِمُ طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً لِلسَّيْطَرَةِ على المَواقِعِ الأَثَرِيَّةِ في سِبَسْطِيَة، مِنْ بَيْنِها قَرارُ اسْتِمْلاكِ نَحْوِ 1800 دونُمٍ بِذَريعَةِ "فَتْحِ المَوْقِعِ أَمامَ الجُمْهور"، أَيِّ المُسْتَوْطِنين، إِضافَةً إلى مُصادَرَةِ 1300 دونُمٍ سابِقًا مِنْ قِمَّةِ التَّلَّةِ الأَثَرِيَّة، واقْتِحاماتِ المُسْتَوْطِنينَ المُتَكَرِّرَةِ التي تَهْدِفُ إلى إِفْراغِ المَوْقِعِ مِنْ زُوّارِهِ الفِلَسْطينِيّين.

وَيُضيفُ أَزْهري أَنَّ الاحْتِلال يَسْعى مِنْ خِلالِ الحَفْرِيّاتِ الإِسْرائيلِيَّةِ إلى تَزْويرِ التّاريخِ وَنَهْبِ الآثار، وَيَعْمَلُ على تَخْريبِ المَواقِعِ الأَثَرِيَّة، مِثْلَ إِزالَةِ أَحَدِ الجُدْرانِ في المَسْرَحِ الرّومانيِّ وَبِناءِ سِلسِلَةٍ حَجَرِيَّةٍ بَديلَة، في مُحاوَلَةٍ لِخَلْقِ صِلَةٍ مُصْطَنَعَةٍ بَيْنَ الأَرْضِ والرِّوايَةِ الصُّهْيونِيَّة. وَيُؤَكِّدُ أَنَّ ما يَجْري هُوَ جُزْءٌ مِنْ حَرْبٍ شامِلَةٍ على المَواقِعِ الأَثَرِيَّةِ في الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّة، لا تَنْفَصِلُ عَنِ الحَرْبِ المُسْتَمِرَّةِ على الإِنْسانِ الفِلَسْطينِيّ.

وَعلى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِك، يُشَدِّدُ أَزْهَري على أَنَّ الرِّوايَةَ الفِلَسْطينِيَّةَ لَنْ تَتَأَثَّرَ بِسَرِقَةِ وَتَخْريبِ الآثار، لأِنَّها مُرْتَبِطَةٌ بِالفِلَسْطينيِّ نَفْسِه، وَيَتَناقَلُها مِنْ جيلٍ إلى جيل، كَما حَدَثَ مَعَ القُرى المُهَجَّرَةِ عامَ 1948. لَكِنَّهُ يُحَذِّرُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ المُمارَساتِ تُؤَثِّرُ سَلبًا على عِلمِ الآثارِ والدِّراسَةِ التّاريخِيَّة، داعِيًا إلى مواجَهَةِ ذَلِكَ بِالثَّباتِ في الأَرْض، والتَّرَدُّدِ المُسْتَمِرِّ على المَواقِعِ الأَثَرِيَّة، وَإِحْيائِها بِالزِّراعَةِ والزِّيارَة، بِاعْتِبارِ أَنَّ حِمايَةَ التُّراثِ هِيَ جُزْءٌ لا يَتَجَزَّأُ مِنْ مَعْرَكَةِ الوُجودِ والهُوِيَّة.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن